Al-Quds Al-Arabi

السهر مع «اجلار السوري»: صدمة الشارع األردني بتكدس «اخملدرات»... و«احلكاية األصلية» لم ترو بعد

-

عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

أين وكيــف ومتى توارى كل هذا الســيل من الســموم واخملدرات وجتارها ورموزها؟ سؤال ال أحد في احلكومة األردنية يريد اإلجابة بشكل مباشــر عليه، ولو من باب اخللفية السياســية لطــرح التســاؤال­ت على أمــل الردع مــن أجل املســتقبل، حيث تترك الســلطات السياســية وأجهــزة اإلعالم واملؤسســا­ت الرســمية حتى اللحظة مديرية األمن العام وحدها في الكشــف امليداني احلســي عن حالة االشــتباك مع جتار السموم واخملدرات.

يسأل أردنيون بكثافة عبر منصات التواصل: كيــف تكدســت كل هــذه الفعاليات فــي عالم اخملدرات وأوســاط ومفاصل اجملتمــع األردني طوال الســنوات في املاضي؟ كيف ومن أين ولد هذا العدد الكبير من جتار وموزعي مواد املوت؟ هذا منط من األسئلة مطروح اليوم. لكن حجم الصدمة االجتماعية كبير وال يكفل اإلجابة عليه حتــى اآلن، ليس ألن مديرية األمن العام التي تكفلت بواحدة من أنبل املهام الوطنية ال متثل اجلهة التي ينبغي أن جتيب عن أسئلة من هذا الطراز وحدها، ولكن ألن املستوى السيادي أعلن ومنذ العام املاضي احلــرب على اخملدرات وألســباب قد تتعلــق مبصالح الدولــة وأمنها القومي هذه املرة.

وألن الرأي العام وهو يتابــع التفاصيل، لم يكن يدري بــأن البالد فيها هــذا احلجم الكبير من اخملدرات، وال العدد غير املفهوم من املوزعني واملتاجرين واملروجني الذيــن تثبت إفصاحات األمــن العــام اليومية بأنهــم منتشــرون أفقيا وعموديا وفي مختلف مناطق اململكة.

ما ال تقوله مؤسســات االشــتباك األمني هو تلك التفاصيــل املرتبطة بهجمــة اخملدرات بكل تفاصيلهــا من اجلار الســوري حتديــدا، مع أن القوات املســلحة هــي التي تتولــى اليوم على احلدود رصد كل صغيرة وكبيرة في السياق.

وما ال تقوله الســلطات بعد هــو ذلك اجلزء التفصيلي فــي الرواية والــذي يوحي بأن عدد املستفيدين واملشاركني بحفلة استقبال وتوزيع وإخفــاء وترويج اخملدرات بــني األردنيني أكبر بكثير من كل التوقعات، مما يدفع مجددا مرة تلو األخرى باجتاه تكرار الســؤال تلو اآلخر: كيف تراكمت وملاذا في املاضي كل هذه املعطيات حول اخملدرات بني األردنيني؟

بعد ظهــر اخلميس، أعلن الناطق الرســمي باســم مديرية األمن العام عن عمليتني جديدتني للمكافحــة انتهتا فــي مدينتي عمــان واملفرق بالقبــض علــى 8 متورطني بتجــارة اخملدرات. وحتدث البيان األمني عن ضبــط كميات كبيرة وعن مداهمة مواقع تخللها أيضا ضبط أســلحة. وليس ســرا أن كميــات اخملــدرات التي تضبط اليوم فــي األردن ترافقها كميات من األســلحة النارية.

وليس سرا أو لم يعد سرا أن خدمات اخملدرات املدعومــة واملنظمة مــن اجلار الســوري الذي يســهر األردنيون معه ليلهم الطويل، مســتمرة ومتواصلة وتظهر إحلاحــ ًا وعناد ًا في االختراق وتكرار احملاوالت بالرغم من رصد املتسللني ال بل اعتقالهم وقتل بعضهــم أحيانا وضبط جتارتهم من السموم.

وليس ســرا أيضا أن عدد املقبــوض عليهم مبوجــب إفصاحات األمن العــام وعدد الكميات املضبوطــة مرعــب فعــال للجميع، ال بــل أرقام الكميــات واألشــخاص لــم تناقش بعــد على املســتوى الوطني والسياســي ال من حيث فهم خلفياتهــا، وال مــن زاوية كيــف تراكمت أو من زاوية الوقاية منها مســتقبال، والســبب واضح وهو االنشغال في املهمة والتركيز على االحتواء والضــرب. طرح األســئلة واإلجابة عليها ليس

واجب املنظومــة األمنية الداخليــة، بل واجب الســلطات واحلكومات والبرملان، برأي كثير من املعلقني. واالنطباع قوي بــأن تنظيف البالد من الســموم مادام األمني مشــتبكا ويقوم بواجبه يوميا يتطلب خطة وطنية ســيادية وسياســية وتشريعية عابرة متاما للظرف احلالي.

املقاربة فــي اإلفصاحــا­ت اإلعالمية صادمة، فاألذن األردنيــة تلتقط اليــوم بكثافة عبارات تتحــدث عن كميــات كبيــرة تضبــط أصناف احلشيش ومســاحيق الســموم بصورة يألفها األردنيون.

وجتــارة الهروين موجــودة وضبط كميات احلشــيش أصبح أيضــًا مألوفًا والســموم في مزارع وفلل وشقق والسالح رفيق الليل والنهار مــع التجار واجملرمــن­ي وفي عدة حــاالت أطلق الرصاص على رجال املكافحــة مرات عدة أثناء املداهمات.

وعــدد املتورطني الذين ألقــي القبض عليهم بدأ يقترب من املئــات، األمر الذي يظهر ولو بأثر رجعــي أن التحدي األمني كان خطيــر ًا وكبير ًا، وأن الســموم كادت تغرق البــالد والعباد لوال االســتدرا­ك والقــرار الســيادي العميــق في االشــتباك. لكن رغــم كل اجلهود التــي تبذل، مازالت املقاربة غامضة، وال تزال بعض األســئلة عالقة بــال أجوبة، والــرأي العــام مصدوم من الوقائع التــي تظهرها بيانات اإلفصاح بشــكل يومي. واألهم سياســي ًا ووطني ًا، أن قصة تكدس وتراكم اخملدرات بني األردنيني لم ترو بعد.

واحللقــة األهــم تتعلــق بفهــم الظــروف واملالبســ­ات التي أدت في املاضــي القريب إلى تكديس هذه الكميات مبا فــي ذلك الدور الفاعل للتواطــؤ البيروقراط­ي والصمت، الذي يشــير إلى أن املاكينة األمنية في الدولة حتركت متأخرة وعندما بدأت تنظيمات مسلحة في سوريا حصرا بالبحث عن موطئ قدم لها ولتجارتها في العمق األردني.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom