Al-Quds Al-Arabi

إشراك وزراء فاشيني في حكومة نتنياهو يهّدد بتعميق الشرخ بني إسرائيل ويهود أمريكا

- من وديع عواودة:

تواصل جهات مختلفة التحذير من اتســاع الشــرخ بني إســرائيل واجملموعة اليهودية في الواليــات املتحدة عقب صعود القوى اليهودية الصهيونيــ­ة املتطرفة في انتخابات الكنيست اخلامسة والعشرين في الفاحت من الشهر احلالي. فهــل فعال هناك ما يدعــم ذلك علــى أرض الواقع؟ من جهته حــذر زعيم اجلماعية اليهودية اإلصالحيــ­ة ذات التوجهات الليبراليـ­ـة فــي الواليات املتحــدة من قطيعــة بينها وبني إســرائيل في حال مت تعيــني ايتمار بن غفيــر وزيرا لألمن الداخلي في حكومة نتنياهو السادسة.

ويوضح احلاخــام ريــك جيكوبس أحد قــادة اجلماعة اليهوديــة في الواليــات املتحدة في حديــث ملوقع «واينت» اإلخباري أن تعيني بن غفير (مســتوطن متشــدد من أتباع حركــة «كاخ» احملظــورة وأديــن ســابقا بعشــرات التهم اجلنائية وبالتورط بعمل إرهابي) وباتسلئيل سموطريتش (مســتوطن متطرف من دعــاة فرض الشــريعة اليهودية) كوزيرين فــي حكومة بنيامني نتنياهو الوشــيكة ســيهدد عالقات إســرائيل بيهود العالم، ورمبا تتضرر العالقات مع اإلدارة األمريكية. وعلــل احلاخام األمريكي حتذيره بالقول «بن غفير وســموطريت­ش صنعا مهنة سياسية من الكراهية والعنف. مبا أننا نحب إســرائيل ونؤمــن بها كدولة يهودية ودميقراطية نحن قلقون جدا لوجودها وملكانتها في العالم»، منبهــا أن تعيني بن غفير وســموطريت­ش من املتوقع أن يثير معارضة لــدى البيت األبيض ورمبا لن تســمح واشــنطن بدخــول بن غفيــر للواليات املتحــدة. ويتابع «هناك شــك كبير بــأن يكون اجلانب األمريكي مســتعدا للحديث معهما، ومثل هذا التعيني ليس شــأنا إســرائيلي­ا داخليا، وواضح أنهما يشــكالن حتديا لقادة دوليني بأن يتحدثوا معهما وأن يحافظوا على اتصال معهما وأخشــى أن كثيرين يستصعب مجرد اللقاء بهما مثلما أخشى من تبعات تصريحاتهما».

وفي هذا املضمار كشف اســتطالع أمريكي خاص باليهود في الواليــات املتحــدة أن أغلبية اليهود األمريكيني (ســتة

ماليني نسمة) يعارضون املستوطنات ويخشون من دونالد ترامب.

ويظهر االســتطال­ع الذي جاء بعد أسبوع من االنتخابات األمريكية بطلب من منظمة «جي ســتريت» أن أغلبية اليهود في الواليات املتحدة )٪70( يعارضون توظيف املساعدات املالية األمريكية في إسرائيل خلدمة وتعزيز املستوطنات.

ومنذ أن أظهــرت نتائج انتخابات الكنيســت أن بنيامني نتنياهو بات قــادرا علــى تأليف حكومته السادســة فقط عبر إقامة ائتالف حكومي مع مــن يوصفون بأنهم «حلفاؤه الطبيعيــو­ن»، وهم أحزاب «الصهيونيــ­ة الدينية» واليهود احلريدمي املتشــددي­ن دينيا، ازدادت التحذيرات من أن مثل هذه احلكومة ســتؤدي إلى اتســاع الشــرخ بني إسرائيل واليهود في الواليات املتحدة، ما سينعكس بشكل شبه أكيد على العالقات بني الدولتني عموما.

يسيرون في اجتاهات معاكسة

ويوضح الباحث في الشؤون اإلسرائيلي­ة الكاتب أنطوان شلحت أنه قد أشير في سياق إطالق هذه التحذيرات إلى أنه من الســذاجة اعتبار تأييد يهود الواليات املتحدة إلسرائيل بديهيًا وذلك ألســباب عديدة، لعّل أبرزها هــو واقع أنه في الوقت الذي يتعمق فيــه انزياح اجملتمع اإلســرائي­لي نحو اليمــني أكثر فأكثر فإن املزيد من أبنــاء اجلالية اليهودية في الواليات املتحدة يسيرون في االجتاه املعاكس.

ويتابع شــلحت «مثلما كتبت شــيرا رودرمــان، املديرة العامة لـــ «صندوق عائلة رودرمان» الــذي يعمل في مجال تعزيز العالقــات بني إســرائيل ويهود الواليــات املتحدة، مثال، بعد انتهاء االنتخابــ­ات وظهور نتائجها النهائية، كلما كان اليهودي األمريكي أكثر شــبابًا كان أكثر ليبرالية. فضًال عن ذلك، فــإن أغلبية اليهود في الواليــات املتحدة ينتمون إلى التيارين اإلصالحي واحملافــظ. كما أن معظم اليهود في الواليات املتحدة مؤيدون للحزب الدميقراطي».

وفي إطار اســتطالع جديد للرأي العــام أجراه «صندوق رودرمــان» في صفوف يهــود الواليات املتحــدة في اآلونة األخيــرة، أكد العديد منهم أن الصلــة اخلاصة التي تربطهم بإســرائيل آخذة بالتآكل. وعندما ســئلوا في االســتطال­ع

ذاتــه عن األســباب املركزية لهــذا التآكل ذكروا األســباب التالية: صعود نفوذ أحزاب اليمني املتطرف وأحزاب اليهود احلريدمي ،)٪32( والسياسة التي تنتهجها إسرائيل حيال الفلســطين­يني ،)٪24( والعالقــا­ت احلميمة التي نشــأت بني بنيامــني نتنياهو ودونالــد ترامب ،)٪24( وتوســع املستوطنات اإلســرائي­لية في األراضي الفلسطينية احملتلة منذ عام .1967

التضامن اليهودي

ويتــوازى هــذا التــآكل في الصلــة اخلاصة بــني يهود الواليات املتحدة وإسرائيل مع تآكل في ما يسمى «التضامن اليهودي»، كما بين «مؤشــر الدميقراطي­ة اإلسرائيلي­ة» الذي نشر قبل عامني.

ويشــير شــلحت إلى أن هذا «التضامن اليهودي» يشكل «الدبق الذي وحد الشــعب اليهودي على مر آالف األعوام»، كما يقول مديــر «مركز القومية، الديــن والدولة» في «املعهد اإلسرائيلي للدميقراطي­ة» الذي يتولى إعداد هذا املؤشر منذ أكثر من عقدين.

ويضيــف «للتمثيل على ما جاء في «املؤشــر»، ميكن ذكر أنه أظهر أن 15٪ من اليهود اإلســرائي­ليني فقط يشــعرون بأن لديهم مصيرًا مشتركًا مع ســائر اليهود في العالم الذين يوصفون بأنهم «يهود الدياســبو­را» أي الشتات». كما أظهر املؤشــر أن 06٪ من اليهــود اإلســرائي­ليني يعتقدون بأن إســرائيل ال ينبغي أن تأخذ في االعتبــار مواقف اليهود في العالم في شتى القرارات التي تتخذها، مبا في ذلك سياستها اإلقليمية.

ويقول إن اجلانــب األهم يظل ذلك املتعلق مبحور العالقة بني القومية والديــن والدولة وهو محور مشــحون منذ أن علقــت احلكومة اإلســرائي­لية فــي عام 2017 قــرارا يقضي بضمان الصالة التعدديــة الدائمة لغير اليهود األورثوذكس في حائط البراق بســبب الضغوط التي مورســت عليها من طرف زعماء أحزاب اليهــود األورثوذكس (احلريدمي)، فيما اعتبــر بأنه تراجع عما كان ينظر إليــه كدرجة من االعتراف بتيارات اليهودية غير األورثوذكس­ــية التي تشــكل أغلبية يهود أمريكا.

ويتابع شلحت «ال ُبّد عند هذا احلّد من ذكر أن العالقة بني إسرائيل ويهود الواليات املتحدة بدأت تتسم بوجود تباين واضح في شــؤون الدين اليهودي، كذلــك في بعض احملاور السياســية وحتديدا منذ تولي اإلدارة األمريكية الســابقة برئاسة دونالد ترامب شؤون البيت األبيض.

ويقول إنه وفقا ملؤشرات اســتطالعا­ت الرأي العام بهذا الشــأن في تلك الفترة، أعلن 08٪ من اليهود اإلسرائيلي­ني دعمهم لسياســة ترامــب في مــا يرتبط بــإدارة العالقات األمريكية مع إســرائيل، وقــال 58٪ منهم إنهــم يؤيدون خطوة نقل الســفارة األمريكية من تل أبيب إلى القدس، في حني أن 75٪ مــن اليهود األمريكيني فقــط يؤيدون طريقة ترامب في إدارة العالقات مع إسرائيل، وعارض 64٪ منهم نقل الســفارة األمريكية، وأعلن 95٪ منهم تأييدهم لـ«حل الدولتني» للصراع اإلسرائيلي ـ الفلسطيني، الفتا أنه داخل هذه املعطيات كان ثمة وزن متصاعد آلراء الشباب.

ويشير مثًال، استنادًا لدراســة أجرتها إحدى املؤسسات اليهوديــة في أمريكا، إلى أن 75٪ فقــط من الطالب اليهود في اجلامعــات والكليات األمريكية عبروا، في عام ،2016 عن تأييدهم إلســرائيل في ســياق الصراع مع الفلسطينين­ي في مقابل 48٪ في العام .2010 وبينت الدراســة أنه بينما كان 59٪ من الطــالب اجلامعيني اليهود فــي الواليات املتحدة يحملون آراء إيجابية عن إســرائيل في العام ،2010 هبطت هذه النســبة إلى 28٪ فــي العــام ،2016 باإلضافة إلى أن األغلبية الســاحقة منهم أصبحت تعتقد بأن «دولة إسرائيل تنتهك حقوق اإلنســان». ويعتبر شــلحت أن هــذا عنى في ذلك احلني أنه في الوقت الذي كانــت العالقات بني الرئيس األمريكي الســابق ترامــب ورئيس احلكومة اإلســرائي­لية نتنياهو تتعــزز، فإن الشــرخ بني يهود الواليــات املتحدة وإسرائيل آخذ باالتساع.

تدهور العالقات مع احلزب الدميقراطي

تتقاطــع هــذه الوقائع مع تبايــن آخر فــي املواقف بني إســرائيل ويهود الواليات املتحدة على خلفية قيام نتنياهو بتعميق االنقسام مع احلزب الدميقراطي، وأساسا من طريق تعزيز حتالفه مع عتاة املســيحين­ي األفنجيلين­ي(املتجددين)

من قادة وأنصار احلزب اجلمهوري، الذين يعتبرهم مؤيدين متحمسني إلســرائيل وسياســتها اإلقليمية وال سيما حيال املسألة الفلسطينية.

ويضيف»اآلن مع قرب انطالق حكومة نتنياهو السادسة، وبدء االســتعدا­د لالنتخابات الرئاســية التي ستجري في الواليــات املتحدة، تتزايــد األصوات التي حتــّذر من مغّبة ا ُملضي قدم ًا في هذا املسار.

وبعضها يقول إنه كلما اجتهت إسرائيل نحو اليمني، ازداد تأثيــر األفنجيلين­ي فــي العالقات بني الدولتــني، ناهيك عن وجود قوى في هذا اليمني تسعى ألن يكون التأييد األمريكي إلســرائيل معتمدًا حصريًا على األفنجيلين­ي، ما من شأنه أن يتســبب بتآكل إضافي في مكانة إسرائيل وسط مراكز قواها التقليديــ­ة، وفي طليعتها يهــود الواليات املتحــدة، الذين يعتبرون األفنجيلين­ي خطرًا حقيقيـًـا على قيمهم، من جانب واحد، منوها أنه مــن اجلانب اآلخر يــؤدي ذلك في الوقت عينه إلى تعميق االنقسام مع الدميقراطي­ني، وبناء عليه، في حال انتخاب رئيس وكونغرس دميقراطيني فإن ذلك سيشكل مشكلة خطرة إلسرائيل إذا ما ظّل نتنياهو في سّدة احلكم».

موقف أخالق للطالب اليهود في بريطانيا

يشــار في هذا الســياق الى أن رابطة الطالب اليهود في اجلامعات البريطانية، قد دعت مطلع األســبوع احلالي إلى مقاطعة احلكومة اإلســرائي­لية اجلديدة، التي تضم األحزاب اليمينية املتطرفة.

وقالت القناة 13 اإلسرائيلي­ة إن الرابطة وجهت رسالة إلى الطالب اليهود واجلالية اليهودية في بريطانيا، أشارت فيها إلى أن احلكومة اجلديدة ال متثل اليهود بسبب الشخصيات التي ستضمها أمثال ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموطريتش، وبسبب كراهيتها للفلسطينين­ي بشكل خاص والعرب بشكل عام. كمــا دعت الرابطة في رســالتها، الطــالب اليهود إلى مقاطعة السفارة اإلسرائيلي­ة في لندن.

ولفتــت القناة العبرية إلــى أن احلركــة الصهيونية في لندن دعت الطالب إلى التراجع عن قرارهم، وطالبتهم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية اإلســرائي­لية واحترام نتائج االنتخابات األخيرة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom