Al-Quds Al-Arabi

الطريق إلى «بي إن سبورتس» يبدأ من هنا؟!

سليم عزوز ٭

-

كان املونديــا­ل هذه املرة فرصة ألن أشــاهد «بي إن ســبورتس»، ال ســيما قنواتها املفتوحة، وقد أصبحت شــبكة ال قناة، ودولة ال محطة تلفزيونية، فمنذ أن لعبت مباراة االعتزال في نهاية الســبعيني­ات، لــم تعد لي اهتمامات كروية، وذلك من أيام أن كان جنــوم املالعب الكباتن: بيبو، وشــطة، ومختار مختار، وحسن شــحاتة، وجنم التعليق كابنت لطيف، صاحب املقولة التراثية: «الكرة أجوان»، يقصد أهدافا، فال معنى للحديث عن فريق لعب أفضل من اآلخر وخرج من املبــاراة يجر خلفه أذيال الهزمية! وحتى قبــل اعتزالي للمالعب، لم يحدث أن شــاهدت مباراة كاملة، ونفس األمر في الفترة القصيرة، التي شــجعت فيها نــادي الزمالك، مدفوعا باالنحيــا­ز لألقليات، فقد بدت لي مدرســة محمد فريد اإلعداديــ­ة في جهينة، وكأن كلهــا أهالوية، إال «صالح»، الــذي كان زميلي في نفس الســنة الدراســية، وألن املباريات كانت عصر يــوم اجلمعة، فيكون يوم السبت مناسبة أســبوعية ألن يحيط الطالب بزميلنا «صالح»، ويدخلون معه في مناظرات حــادة، في عام بدا لي أن ظروف الزمالك لم تكن مواتية فيه. ويرد عليهم بحدة تضيع وسط هذه األصوات الهادرة، ومن املؤكد أن هناك مشجعني غيره للزمالك، لكنهم كانوا في مرحلة اســتضعاف يكتمون فيها إميانهم، أيامها قــررت أن أكون زملكاويا، وإن كنت أجادل دون حضــور املباريات، وتأكدت أن األمر ال يستدعي املشاهدة، لتقول كالم ًا مقنعًا، فيكفي أن تكون «مفتول» األحبال الصوتية، بجانب استخدام عبارات رائجة في هذه الفترة لتنتصر في املناظرة، فأقول إن «املاتش متباع»، ليذهب النقاش فــي اجتاه آخر، فاملنتصر لم ينتصر عن قدرة عنده، ولكن ألنه اشترى الذمم؛ ذمة احلكم، أو ذمة الفريق املنافس!

هزمية قطر وانتصارها

وفي مباراة قطر واألكوادور، ظهر أحد املشجعني األكوادور في البداية، يحرك أصابع يده مبا يشير أن املباراة بيعت، وأن الفريق القطري اشترى ذمة احلكام، بينما يحتج عليه أحد املشــجعني القطريني في املدرج، ثم انتهت املباراة إلى فوز املنتخب األكوادوري، وعلم املشجع أنه أخطأ التقدير، واعتذر للقطري، وخرجا مــن هناك معا، أصدقاء، وقد نزعت النتيجة مــا في قلوبهم من غل، األكوادوري لفوز منتخب بالده، فال بيع وال شــراء، والقطــري ألن عنده نصرًا كبيرًا حتقق فبالده تســتضيف املونديال. وعندما روج أحدهم حسدا، أن املنتخب القطري ســينال هزمية كبيرة، كان الرد عليه أن انتصار قطــر، ليس لفوز منتخبها، فلو أن ماليني األهداف اخترقت مرماه فال أزمة لدى القطريني الذين انتصروا نصرا مؤزرا بــأن يكون املونديال هنــا، ألول مرة في بلد من بلــدان املنطقة، وها هم ينجحون في تنظيمه، رغم تربص العدو والشقيق!

وال تزال ذاكرة السوشــيال ميديا حتفظ ألحد اإلعالميني قوله قبل ســنوات قليلة إن قطر لــن تنظم كأس العالــم، وأن ما يقوله خبــرا، وانفرادا. وحتفظ الذاكرة ملذيع تلفزيوني آخر قوله إن قطر نفســها لن تكون موجودة في ،2022 أهم يقســمون رحمة ربك؟! بالء أهون من بالء، فهزمية املنتخب القطري، مثلت قيمة مضافة مللــف تنظيم كأس العالم، فماذا لو انتهــت املباراة بهزمية منتخب األكوادور، فمن املؤكد أن صورة املشــجع األكوادوري بإشــارة يده ســتكون صورة هذا اليوم في إعالم األعداء، وســيكون األمر مثار جدل، وإذ كانت عبارة «املاتش متباع» لواحد لم يشــاهد املباراة، أو أي مباراة، ولكن ليخفف الضغط علــى «صالح» في مدرســة محمد فريــد اإلعدادية، كافية بإثــارة االرتباك في صفوف األعداء املنتصرين، فكيف ميكن أن يكون احلال، لو أثير هذا الدفع الذي تعجل به مواطن األكوادور، وهناك من يتربصون باملونديال الدوائر، حسدا من عند أنفسهم؟!

اعالن احلرب على اجلزائر

املباراة الوحيدة التي شاهدتها كاملة، هي التي كانت بني مصر واجلزائر في الســودان، فلم أكن أشاهد تفاصيل ما يجري في امللعب بل كنت أنظر إلى وجوه املشجعني من اجلانبني عندما تذهب اليهم الكاميرا، فقد نظمت املباراة بعد شحن وطني هائل في القاهرة، وبعد مباراتني ســابقتني واحدة في اجلزائر والثانية في مصر، وهو شــحن كان يســتهدف الفتنة، خللق تأييد شعبي للوريث جمال مبارك، والذي ســافر إلى اخلرطوم وشقيقه األكبر عالء في مهمة وطنية ليقتربا من الشــعب، ومن نبض اجلماهير املصنوع، وســافر إلى هناك ثلة من الفنانني والفنانات واملذيعني واملذيعات، األحياء منهم واألموات!

وكنت أنتظر حلظة اندفاع املشــجعني إلى امللعب، ولم يحدث شيء من هذا، لكن البرامج التلفزيوني­ــة قامت بالواجب، بالفبركــة والتأليف عن اعتداءات حدثت في شوارع الســودان على املصريني، وقام بدور مهم في التأليف الفنان محمد فؤاد، وبدا أن ناصحا نصح أسرة الرئيس بأن الدخول إلى قلب اجلماهير من هنا، وألن جمال مبارك كان صاحب مالمح جامدة ال تتسم بالعاطفية، وتشي بشيء من التعالي، فقد تخطى الرقاب االبن األكبر عالء!

كان اإلعالم قد صنع مأمتًا وعويًال، ليجعل من وفاة ابن عالء مبارك (احلفيد األول للرئيس)، حزنًا عامــًا، ومن هنا بدأت املداخالت الهاتفية لالبن األكبر من الباب اإلنســاني، ثم من البــاب الوطني في موقعة اجلزائــر، وهو الباب الذي اســتضافه منه من ميثل دور املعارض على خشبة املســرح إبراهيم عيسى في برنامج تلفزيوني له، دون أن يخدش هذا رونقه، فاالستضافة ألسباب إنسانية ووطنية! بــدت صناعة رأي عام بقوة اإلعالم، على أســاس أن مــا بيننا وبني اجلزائر، معركة حربية، وليســت مناوشــات مفتعلة في مباريات لكرة القدم، وكنت مع ما أشــاهده في الشــارع من حماس، أدرك أنه ليس رأيا عاما حقيقيا، ولــن أصدق مهما ســمعت أن تكون هذه مصــر، وقد ارتبط فــي وجدان عموم املصريني عن اجلزائر أنها بلد املليون شهيد، هكذا درسنا في املدارس!

وبثورة ينايــر / كانون الثاني ،2011 تبني أنها دعايــة الطغيان، وأن الرأي العام املنهزم صدقها ضمن مسايرته لالستبداد، فسقطت اخلصومة بسقوط من افتعلوها، وبدا الناس وقد كانوا في سكرة وقد حلت الفكرة!

من نحس املنتخب القطري؟

ومنذ هذه املباراة املفصلية في تاريخ االســتبدا­د املصري، لم أشاهد مباريات أخرى، لكني عرفت اآلن الطريق إلى «بي إن سبورتس»، فشاهدت افتتاح كأس العالم، وما تيسر من مباريات، وشجعت قطر، والسنغال، وغانا، واملغرب، وإن كان املنتخــب القطري لم ينتصر في املباراة األولــى، فلم يكن هذا نحس خاص بي، فغيري من نحس املنتخــب القطري، وإن كنا نحمد الله، أن مفعول النحس كان في حدود املنتخب، ولم ميتد أثره حلفل االفتتاح.

ســيرد علينا دينيا بأنه «ال عدوى وال طيرة»، وهــو حديث نبوي، لكن هذه رواية مبتورة ففيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم «ويعجبني الفأل»، األمر الذي يؤكد أن املوضوع بحاجة إلى التعمق ال التفسير من ظاهره، ومهما يكن فقد ذكرتنا وفاة الفنان سامي فهمي مؤخرا مبسلســل شارك فيه هو «برج احلظ»، بطولــة الفنان محمــد عوض أو «شــرارة»، الذي يتلخص دوره في شــخص «منحوس»، أصاب نحسه كل ما حوله!

لم تعد «بي إن سبورت»، هي «اجلزيرة الرياضية»، وكان بعض املوظفني في اجلزيرة بعد 2013 عندما يســألون في مطار القاهرة عن مكان عملهم بالتحديد في الشــبكة بعد النظر في بيانــات اإلقامة، فيقولون: «اجلزيــرة الرياضية»، وشــعر أحد الضباط أنها ليست حجة اخلائف، ولكن يتم التالعب بهم مع سبق اإلصرار والترصد، اعتمادا على أنهم أصحاب كفاءة ذهنية محدودة، وهم لديهم عقدة مــن هذه الدعاية! وأذكر أنــه في واحدة من جتليات ثــورة يناير، وكان الشــباب يهتفون ضد اجمللس العسكري، وكان هناك سجع ال أحفظه عن أبو 50 في املئة، فوجدت أحد الضباط، يتدخل وعلــى غير العادة، وهو يهتف من على أرضية الرجاء أن يتوقفوا عن هذا الهتــاف الذي قال إنه يغضب الضباط جدا، ولو كان البديل لهم أن يهتفوا بسقوط حكم العسكر.. هكذا طلب!

ضابط املطار، وكلــه عند العرب ضباط، قال ألحد الصحافيني الذين يعملون فــي قطر، بلغ صحافيــني اجلزيرة إننا لســنا جهالء، وال نصدق مــا يقولون، فقــط نتركهم ألنهم ليســوا مطلوبني، وليس ألننا صدقنــا عملهم في «اجلزيرة الرياضية»، فنحن نعلم أن اسمها تغير قبل سنوات إلى «بي إن سبورتس»!

باملشاهدة اكتشــفت أن اجلزيرة الرياضية سابقًا، ابتكرت «آخر خبر» بديًال لـ «عاجل» الذي جرى استباحته والتمثيل بجثته، بعد أن صار كل خبر يسبقه على الشاشة «عاجل». وعنوان «آخر خبر» كان مييز جريدة «األخبار» املصرية قدميًا، ويعرف أنه اخلبر األخير قبل الطبع!

شكرًا ُ«بي إن سبورتس» على هذا االكتشاف!

٭

صحافي من مصر

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom