Al-Quds Al-Arabi

«الردع اليهودي»... سياسة إسرائيل إزاء «عنف الفلسطينين­ي» وإجابتها عن أسئلة واشنطن

-

الردع هو أحد املفاهيم األكثر متلصا في العالم العسكري. فال توجد صيغة دائمة لكيفية حتقيقه. وسبب ذلك أنه متعلق مبا مير على العدو في رأســه ونفســيته وليس بالعقالنية. أو في احلالة اإلســرائي­لية، ميكنها استخدام قوة هائلة ضد خصومها، ولكنهم لن يخافوا مواصلة املس بها ومبواطنيها. فها هي قوات اجليش اإلســرائي­لي قتلت في السنة األخيرة 130 مخربا في «يهودا والســامرة»، العدد األعلى منذ سنن، ومع ذلك تزداد العمليات.

باملقابل، وأحيانا يردع الطرف اآلخر دون إطالق رصاصة واحدة أو حتى بتشــمير األكمام. فضال عن ذلك، حصل غير مرة أن اعتقدت إسرائيل أن الردع فقد، لكن يتبن أن العكس هو الصحيح. مثــال، بعد حرب لبنان الثانيــة في .2006 في الزمن احلقيقــي اعتبرت إدارتها في نظــر اجلمهور بل وفي نظر اجليش، كفاشــلة. حطمــت مكانة رئيس الــوزراء في حينه أوملرت، وأدت إلى استقالة وزير الدفاع عمير بيرتس، ورئيــس األركان دان حلوتــس. لكن بعد 16 ســنة، ال يزال نصــر الله فزعا منها، وهو حتى اليــوم ال يخرج من اخلندق ويحسب خطواته بحذر.

باملقابــل، أحيانا كان الناس عندنــا مقتنعن بأن الطرف اآلخــر يخاف، لكنــه فاجأ وهاجــم. في 1973 اســتنتجت االســتخبا­رات اإلســرائي­لية بأن مصر لن تخرج إلى حرب دون أن تكون فــي أيديها طائرات قصف بعيــدة املدى. هو مفهوم فشل كما هو معروف، ونشبت حرب يوم الغفران.

في 2014 التقطت االستخبارا­ت قادة حماس يقول أحدهم لآلخر إنهم ال يريدون حربا مع إسرائيل. «حماس مردوعة»، هكذا قالت االســتخبا­رات لـ»الكابينــت». والنهاية؟ أطلقت املنظمة الصواريــخ وقاتلت إســرائيل 50 يوما في «اجلرف الصامد». وثمة سيناريو مشــابه تقريبا كرر نفسه في 2021 قبل «حارس األسوار». واالستنتاج وجود شيء ما إضافي، يتجاوز القوة ذاتها، ســيدفع اخلصم، سواء كان فردا يحمل ســكينا أم رئيس منظمة إرهاب استنتج أن ال معنى للخروج للمس باليهود.

ما هــو ذاك الشــيء اإلضافــي؟ اجلواب ليــس موحدا. امرأة تبحث عن مفر من زواج عنيف ســتكون مستعدة لهذا الغرض؛ أن متوت بنار اجلنود. من جهة أخرى، شاب يعاني من أزمة اقتصادية ما كان سيخرج لعملية لو كان يعرف بأن عائلته لن تتمتع مبخصصات اإلرهاب التي تدفعها الســلطة الفلسطينية. هذا ردع ميكن خلقه حيال أناس أفراد.

غير أن التحدي الذي تواجهه إســرائيل أوســع وأعمق بكثير. على الورق، إســرائيل هي الدولــة األقوى على األقل مــن هنا وحتى روســيا. ومع ذلــك، هذا املعطــى اجلاف لم مينع اخللية التي زرعت العبوتن في القدس هذا األســبوع مــن تنفيذ مأربهــا. القوة النظريــة هذه ال تبهــر عصابات اخلاوة التي تنتشــر في أرجاء البالد، وال ســارقي السالح والذخيرة الذيــن يتصرفون وكأنهم فــي بيوتهم في قواعد اجليش اإلســرائي­لي، وال منظمي سباقات اجلمال في النقب، أو املشاغبن القومجين الذين قتلوا وأحرقوا وأغلقوا الطرق فــي «حارس األســوار». إذا ما أردنا أن نلخــص األمر، فإن إلســرائيل طائرات قد تضرب كل نقطة في الشرق األوسط، لكن الطيارين لن يعودوا إلى قاعدتهم بسالم.

التحدي أعمق واوسع من «املشكلة األمنية». يدور احلديث عن مشكلة قومية حتى ســلطات الدولة غير واعية حلجمها. إذ إن يــأس الكثير من املواطنن من معاجلة الســلطات كبير لدرجة أن بعضهم ال يشتكون للشرطة. من يعيش في امليدان يعرف أن «اخلاوة» تعربد في أرجاء البالد، وأن كل مقيم في اجلنــوب يبني بيته يحتاج لدفع «خاوة حراســة»، وأن كل صاحــب دكان في «بيتح تكفا» أو في «كفار ســابا» ميكنه أن يستقبل متجره محروقا في صباح ما.

ســتقولون «لكن هذا موضوع جنائي». دولة إســرائيل، بعمــوم أذرعهــا، ال تردع من يتحــدى في داخلهــا أنظمتها األساســية. «لوال روع اململكة البتلــع كل أحدنا اآلخر»، قال احلكماء في سجل اآلباء. وبالفعل، ضاع الروع في مطارحنا منذ زمن بعيد. ملاذا؟ أوال وقبل كل شــيء، أن املنظومات كفت منذ زمن بعيد عن بث الرســالة بأنهــا رب البيت الذي متثل الدولة اليهودية. هذا أمر ما لم يعد.

في مســيرة متراكمة وعديدة الســنن، نبــع بعضها من نوايا طيبة، بثت إسرائيل للمتحدين من بن السكان العرب والبــدو بأنها تتخلى عن التزامهم جتاههــا. بدأ هذا من عدم هدم املباني غيــر القانونية، وتواصل بعدم جباية الضرائب واتســع إلى عدم إنفــاذ القانون بشــكل عــام. بالتوازي، جاءت القطيعــة بن مخصصات التأمــن الوطني واخلدمة فــي اجليش، وكذا تســليم أراضي الدولة لســلطات محلية عربية، وبعدها التفضيل التعديلي للعرب، الذي عمليا مييز ضد جنود خدموا ثالث ســنوات. وأخيرا، ثقة أكبر بشكاوى املشتكن العرب ضد اليهود في الشرطة، من العكس.

أضيفت إلــى هذه شــرعية «النكبة» ومؤيــدي اإلرهاب في الكنيســت، مما عزز االنطباع بأن اليهــود، أو على األقل نخبتهم – التي يتردد بعضها في تســمية نفســه يهوديا –

فقدت الثقة بالنفــس، وأنها لم تعد واثقة بأن مكانها في هذه البالد، أو انهار البيت عليهــا. وعندما يغيب رب بيت، ميكن املفاجــأة باجلنائي وبالقومي على حد ســواء، داخل اخلط األخضر وخارجه على حد سواء.

لكن فــي الوقت الذي توقــف فيه الطــرف اليهودي عن التفكيــر والعمل بتعابيــر قومية، وال يــزال الطرف العربي يعيش على أساســها، وحن تنفذ جرميــة جنائية من جانب العرب ضد اليهــود، فإن لها أيض ًا جوانب قومية. وفض ًال عن ذلك، وليس أقــل أهمية، عندما يغيب رب الدولة، فإن العنف والقتل والسالح غير القانوني تعربد داخل الوسط العربي. وهذا أيضًا بات ضررًا تسبب به الضعف اليهودي.

إذن، مــا العمــل؟ مثلمــا يتواصــل تراجع قــوة الدولة اليهودية منذ عقود، فإن عودتها أيضــا إلدارة املناطق التي حتــت إمرتها لن حتصل في يوم واحد. هذه مســيرة طويلة تســتوجب سلســلة طويلة مــن اخلطوات على املســتوى التربوي، واألمني، واجلنائي، والتخطيطي – االســتيطا­ن، وعلى جانبي اخلط األخضر، إذ إن البالد واحدة، والشعبن املتناكفن اثنان. وحتى إن شــئنا لن يسمح لنا الطرف اآلخر بالهرب من هذه احلقيقة األساسية.

ينبغي االنطالق إلى العمل على أساس هذا الفهم. وإلعادة األمن املدني والقومي، على احلكومة اجلديدة أن تفعل في كل البالد وعلى املــدى الطويل نظرية النوافــذ احملطمة (التي تقول إن ما يبدأ فــي إهمال إصالح نافــذة محطمة واحدة، ســيجر على مدى الزمن ارتفاعا في اجلرمية وفي العنف) – تلك التي رممت نيويورك في الثمانينيا­ت.

هــذا يعني أنه يجب قلب القرص القضائي واالســتيع­اب بأن عدم إنفاذ القانون في الوســط العربي ليس دعما له بل عقاب له، وبخاصة النســاء والشباب الذين يقتلون بأعداد مفزعة. إلى جانب ذلك، يجب اخلروج إلى حملة واسعة جلمع السالح، مبا في ذلك استخدام قوات اجليش اإلسرائيلي عند احلاجة.

فــي اجلانــب االســتيطا­ني، مطلــوب إعطــاء منظومة التخطيــط والبناء أدوات تدفــع بالبناء اليهــودي في كل البالد: النقب، اجلليل، «يهودا والســامرة». خطوة كهذه ال

متس بالوســط العربي، بل بالعكس. إذ إن أســاس الوضع املهزوز في رسالة بأن اليهود ينسحبون من بالدهم. وعليه، فإن االســتقرا­ر والهدوء لن يعــودا إال عندما يوضح ممثلو الدولة بأنها باقية هنا، إلى األبد ودون تردد.

خطوات كهــذه للحكومــة اجلديــدة، والتــي يتفق كل عناصرها على ضرورتها، ستثير نقد اإلدارة األمريكية. ولكن على أي حال، واشــنطن غاضبة من عدد القتلى في اجلانب العربي. ولهذا الســبب، يجب املســارعة لتنفيذ السياســة اجلديدة وبسرعة.

عندما يصل اجلــدال مع مبعوثي الرئيس بايدن، يجب أن نقول لهم بأن الطريق األخرى فشلت. في عهد حكومة بينيت – لبيد «عربد» اجليش اإلســرائي­لي في «املناطق». ومع ذلك، لم يتحقق الردع، وكان عدد املصابن من اجلانبن عاليا. هذا الفشــل مينح شــرعية أخرى لنتنياهو ولوزرائه أن يتبنوا نهجا آخر وينفذوا سياسة أخرى – سياسة الردع اليهودي.

إسرائيل اليوم 2022/11/25

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom