Al-Quds Al-Arabi

نتنياهو و«السيناريو املفجع»... القنبلة اإليرانية أم «يهودا والسامرة»؟

-

قبــل الثامنة صباحــا، كان رئيس الــوزراء في مكتبه، غارقــا فــي مكاملــة جماعية عاصفــة مع وزيــري الدفاع واملالية. مــأ الصراخ فضاء الغرفة واســتصعب رئيس الوزراء النبس بكلمة. أقيمت ليال خمس بؤر اســتيطاني­ة أخرى فــي «يهــودا والســامرة» يتصدرها وزيــر املالية وأعضــاء حزبــه. الوزير نفســه أجرى املكاملــة من رأس تلة مكشــوفة في أطراف جنني نالت اسم «معاليه زلفا». كادت أصــوات الغناء والرقص من حولــه تفوق صوته حــني قال بانفعال: «هــا هو، إنها البلدة اخلمســني التي أقمناهــا. فــي غضــون نصــف ســنة جنحنا فــي تغيير خريطة بالد إســرائيل». بالضجيج الذي أحاطه، لم يكن احتمال ألن يســمع وزير الدفاع الذي صــرخ مبرارة بأن البنتاغون ال يجيب على مكاملاته منذ ثالثة أشهر.

لكن رئيس الوزراء سمع شكوى وزير الدفاع: «سيدي، أطلــب أن تقــر لــي إخــالء املســتوطن­ني بشــكل فوري. فاألمريكيو­ن يعرقلون إرســاليات االسلحة الدقيقة التي اشــتريناه­ا منذ خمســة أشــهر، وباتت مخزوناتنا أقل بكثيــر دون اخلــط األحمــر». دفن رئيس الــوزراء وجهه بيديــه. كان يعرف كيف ســتنتهي املكاملــة. وعندها فتح الباب.

وقف في فتحة الباب السكرتير العسكري بوجه ينذر بالشــر. «يتعــني علي أن أنهــي. نواصل بعــد ذلك»، قال رئيــس الــوزراء فيما كان يعــرف أن أيا مــن الصقرين ال يسمعه، وقطع االتصال. «ماذا حصل؟»، سأل السكرتير العســكري. «رئيــس األركان، ورئيس املوســاد، ورئيس «أمان» يتواجدون هنا»، وأضاف الســكرتير العسكري: «هــم مضطرون للتحــدث معك على عجــل». دون انتظار إشارة منه، دخل األشــخاص الثالثة إلى الغرفة بوجوه متتلئ قلقا وجلســوا. «سيدي»، بدأ رئيس املوساد، «في األيام األخيرة جتمعت في شــعبة االســتخبا­رات «أمان»

أنباء من عدة مصادر بأن إيران اســتأنفت عمل مجموعة الســالح لديها. وهذه الليلة نقل لنا مصدرنا هذه الصور التــي تؤكــد النبأ مبا ال يرتقي إليه شــك»، قــال، ووضع كومة مــن الصور علــى الطاولة. مد رئيس الــوزراء يديه إلــى كومــة الصور وقبــل أن يتمكن من النظــر فيها ضج صوت رئيس األركان: «سيدي، بدأت إيران تبني قنبلتها النووية».

جتمدت يد رئيس الوزراء املمدودة. منذ 25 ســنة وهو يعــد نفســه لهــذه اللحظة، التــي يضفي بها على نفســه عبــاءة اخمللــص. حــذر على مدى ربــع قرن مــن على كل منصة ممكنة «إيــران، إيران، إيران!»، واآلن حانت حلظه إزالة التهديد الوجودي عن شعبه، وتسجيل نفسه زعيما لتاريخ إسرائيل بقامة توراتية.

صمت وانتظر إلى أن يعلوه إحســاس الســمو، ولكنه شعر ببرودة شديدة متتد في عروقه وجتمدها. وللتهدئة أخذ رشفة من القهوة التي أمامه الذي برد وقال: «بالطبع سنجمع كل احملافل املناسبة للبحث في هذا التطور، لكن قولوا لي: ما وضعنا؟ هل نحن جاهزون؟».

تبــادل الثالثــة بينهــم نظرات حــرج، وبعد ثــوان من الصمــت كحكــح رئيــس األركان حنجرتــه وبــدأ يقول: «أنت تعرف، يا ســيدي، إنه منذ بدأ زخم االستيطان في «يهودا والسامرة»، ألغى األمريكيون مناوراتنا املشتركة للهجوم، علقــوا إرســاليات الذخيرة الدقيقــة وطائرات شــحن الوقود، بل وغيروا األرقام الســرية للتشــخيص الصديق التــي أعطوهــا لطائراتنا في حالــة اضطرارها الطيران فوق اخلليج الفارســي». وتــأزر الصوت الواثق لرئيــس األركان بالشــجاعة أيضــا مــن رئيس املوســاد وواصــل حديثــه: منذ زيــارة وزيــر األمــن الداخلي إلى احلرم حني أعلن بأن املســاجد ستختفي من هناك، قطع الســعوديو­ن واألردنيــ­ون االتصــال بنــا. ال احتمال أن نتلقى موافقة صامتة للطيران في مجالهم اجلوي».

«واملشــكلة األســاس، واصل احلديث رئيس شــعبة االستخبارا­ت «أمان»، «هي أن البرنامج النووي اإليراني

بــات عميقــا في مجــال احلصانــة. ال قــدرة حقيقية لنا ملنعهــم من تخصيــب اليورانيــ­وم أو املعلومــا­ت النووية التي جمعوها. وحتى لو جنحنا في تأخيرهم، فســيكون هذا على مدى أشــهر قليلة فقط. ال شــيء ممــا قيل كان جديدا على سمع رئيس الوزراء، وال يزال، لسماع األمور شــعر كيف تغلق عليه حيطان الغرفة. السيناريو خيالي بالطبع، لكنه يقوم على أسس حقيقية وال ينعدم احتمال التحقق. فالطريق املسدود التي وصلت إليه املفاوضات على االتفاق النووي، مضافا إليها االضطرابات الداخلية فــي إيــران، كفيلة بــأن تــؤدي باإليرانين­ي للخــروج إلى مغامرة اســتفزازي­ة. قد يكون هذا تخصيــب اليورانيوم إلــى مســتوى 90 فــي املئــة، مثلمــا حــذر رئيس شــعبة االســتخبا­رات هــذا األســبوع أو رمبــا أيضا اســتئناف مجموعة السالح، اجلسم املسؤول عن بناء القنبلة.

اســتكملت إســرائيل هــذا األســبوع خطــوة لتوثيق التعاون مع األمريكيني ضد إيران وفروعها. زيارة رئيس األركان إلــى الواليــات املتحدة اســتهدفت شــد البراغي قبيــل مناورة مشــتركة لســالح اجلــو مــع األمريكيني. اخلطوة التي ولدت في إطــار العالقات مع قيادة املنطقة الوسطى األمريكية رفعت إلى املصادقات وتلقت مباركة البيت األبيض للتقدم.

لكــن بالتــوازي، اســتقبلت فــي إســرائيل عشــرات التوجهــات القلقة (بعضها حتى هســتيرية)، جاءت من الواليــات املتحــدة، من الشــركاء في املنطقــة ومن دول في املنطقة لم تصبح بعد شــريكة علنية، على السياســة املتوقعة للحكومة اجلديدة في «يهودا والســامرة» وفي احلــرم. وكانت األســئلة بصيغة مشــابهة: هــل تعتزم حكومة اليمني املتطرفة ضم يهودا والسامرة؟ هل ستقيم عشرات املستوطنات األخرى؟ هل ستغير الوضع الراهن في احلرم؟ كما اهتم األمريكيون مبعرفة هل يعتزم رئيس الــوزراء اجلديد/القــدمي أن يســتخدم الكونغــرس كــي يتجــاوز البيت األبيض. صحيح أن بنيامني نتنياهو يرث وضعًا أمنيًا مهــزوزًا في الضفة الغربيــة والقدس، لكن

يوجد اســتقرار في غزة وحدود الشمال والبنية التحتية اجليدة للتعاون مع الواليات املتحدة ودول املنطقة حيال إيران. نتنياهو، الذي كانت إيران تدور في عقله لسنوات كفيــل بأن يكتشــف أن الســهم املرتد للمناطــق في يده. فالسياسة التي سيتخذها هو وشركاؤه االئتالفيو­ن في «املناطق» [الضفة الغربية] والقدس ســتؤثر على قدرته على العمل في باقي الساحات.

منــذ دفع الواليــات املتحدة لالنســحاب مــن االتفاق النــووي مع إيران، جمــع اإليرانيون معلومــات وقدرات جتعــل برنامجهــم النــووي شــبه محصــن مــن هجوم عسكري. وفي الوقت نفســه لم يكرس نتنياهو مقدرات لتطوير اخليار العســكري اإلســرائي­لي وأضاع ســنوات باهظة الثمن.

واآلن، بينمــا توجــد إســرائيل في ذروة بنــاء اخليار العسكري املتجدد، بات واضحا أن ضربة ملنشآت إيران النووي لن جتدي نفعا، فإســرائيل ملزمــة بالقدرة على إدارة معركة متواصلــة مع إيران، قدرة تهدد بقاء النظام اإليرانــي. ليس إلســرائيل قــدرة مســتقلة إلدارة معركة كهذه، إال بإسناد أمريكي.

العنوان (غيــر الناجح جدا) الذي صــدر قبل أكثر من عقــد «يتســهر مقابل بوشــهر» كفيل بــأن يلقى حياة متجددة في الســنة القادمة. فتركيبة احلكومة اجلديدة ســتجبر نتنياهــو على االختيــار بني تطلعات الشــركاء لضــم «املناطــق» [الضفة الغربيــة]، للخروج إلى ســور «واق »2 وفرض سيادة كاملة على احلرم، وبني وعوده: توسيع اتفاقات إبراهيم ونزع التهديد النووي من إيران.

املناطق اآلن على شــفا الغليان، والسلطة الفلسطينية على شــفا االنهيــار. السياســة التي سيســتخدمه­ا في قيــادة املنطقــة الوســطى (فكمز) ســتؤثر علــى مجال مناورتــه حيال إيــران. وإذا ما صغنا األمر بشــكل أدق، فسيكون خياره بني فكمز ونطنز.

معاريف 2022/11/25

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom