Al-Quds Al-Arabi

كيف سنقنع املستوطن بأن األرض لن تكون مفروشة له بالورود؟

- علي

أثنــي على مــا توصلت إليــه اللجنة التنفيذية ملنظمــة التحرير من قرار أنه ال بد من اللجوء إلــى كل أنواع املقاومة ضد االحتالل ومستوطنيه، وليس فقط املقاومة الشعبية السلمية منها، التي كما علمتنا التجارب منذ اتفاقات أوسلو، أنها لم تعد جتدي نفعا أمام بطش االحتالل وجرائم مستوطنيه.

فقد توصلــت اللجنة إلى قناعــة بأن املقاومــة، في جميع أشــكالها، مباحة وفقا للقوانني الدولية بعــد كل أعمال القتل والتنكيل والســرقات والتخريــب، وتدمير املزارع وســرقة محاصيلها، صباح مســاء، التي يقوم بها قطعان املستوطنني، حتــت حماية جيش االحتــالل بعدما كانت تصــر على رفض العنف وااللتزام باملقاومة الشــعبية الســلمية، كسبيل وحيد إلنهاء االحتالل، وحتقيق االستقالل وبناء الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس احملتلة.

نعم بعد كل هذه السنني عادت اللجنة التنفيذية إلى وعيها وإدراكها أن املقاومة الشــعبية وحدها لن حتقق املراد، وأنه ال بد من إبقاء كل اخليارات مفتوحة. وأكدت في الوقت ذاته على أن كل أشكال املقاومة تعد «حقا مشروعا» للشعب الفلسطيني، كفلته القوانني والشرائع الدولية.

وأكــرر قــول عوفر كاســيف عضــو الكنيســت عن حزب اجلبهة الدميقراطي­ة، الذي قال إن العمليات الفلســطين­ية ضد اإلســرائي­ليني الذين يعيشون في املســتوطن­ات اليهودية في الضفة «ليســت إرهابا». وأضاف كاسيف، بعد دفن املستوطن رونني حنانيا، الذي قتل في عملية مســتوطنة كريات أربع في اخلليل، أن املســتوطن­ني يتحملون املســؤولي­ة عن العمليات ضدهم، وأن «االحتالل هو الذي بدأ كل شيء وكل شيء مشتق منه وســتتوقف إراقة الدماء عندما يتوقف االحتالل». وذهب كاسيف إلى حد وصف العمليات ضد املستوطنني بأنها ليست إرهابا، خاصة في مســتوطنة كريات أربع في منطقة اخلليل، التي شهدت عملية قتل أشــد املستوطنني تطرفا، ويعيش فيها النائب الفاشــي الصهيوني العنصري املرشح الستالم حقيبة األمن الداخلي في حكومة بنيامني نتنياهو، الذي دعا قبل أيام إلى عمليات االغتيال. «نحن ندعم املقاومة الالعنفية لالحتالل، لكن علينا أن نفهم أن االحتالل تنتج عنه مقاومة يومية، وهناك أيضا مذابح املستوطنني ضد الفلسطينين­ي، لذا فهم مذنبون في الهجمات». ويتابع كاســيف «أنا وأعضاء آخرون ظللنا نقول لعدة سنوات - نحن نؤيد النضال الالعنفي. ولكن كما يحدث في كل مكان يوجد احتالل وقمع، فإن أولئك الذين يتوقعون أن يقف املضطهدون مكتوفي األيدي، من دون أن يقاوموا يكذبون على أنفسهم. وهذه قناعة رمبا وصل إليها كاسيف متأخرا، فمن قبله ومبوقف أكثر جرأة وصف البروفيسور عميرام غولدبلوم رئيس قسم الكيمياء العضوية في اجلامعة العبرية في القدس احملتلة، ودونه على موقعه على الفيســبوك «كل مستوطن في الضفة الغربية هو إرهابي». ونشــكر البروفيسور غولدبلوم علــى وضع النقــاط على احلــروف وتأكيده على مــا يردده الفلســطين­يون صباحا ومســاء، من دون خوف من اتهامهم مبعاداة اليهود أو السامية، ومن دون أن يربط اسمهم بالتنكر للمحرقة اليهودية، وما يترتب عليه من مطاردات واعتقاالت، وأحيانا القتل من قبل جيش االحتــالل بتهمة التحريض على قتل اليهود، فالدكتور غولدبلوم شــاهد من أهل البيت، واألمر يختلف عندما يشهد شــاهد من أهله. والبرفيسور غولدبلوم يقول إن «أي يهــودي يعيش داخل حدود عام 1967 في الضفة هو إرهابي». ووصف املدير العام جمللس مســتوطنات الضفة الســابق شــلومو فيلبر باإلرهابي املســؤول عن جرائم ضد البشرية وله عالقة مباشرة بجرائم ضد الفلسطينين­ي، ويدعو لتقدميه حملكمة اجلنايات الدولية.

وبناء على تعريف غولدبلوم هناك نحو ثالثة أرباع مليون يســرحون وميرحون ناهيك عن جنــود االحتالل. ووفقا لهذا التعريف فإن اي مســتوطن هو هدف شرعي وجبت مقاومته

ليس بالقرارات وال البيانات، بل بشــتى الســبل والوســائل املتاحــة. ودعا غولدبلوم الدول العربيــة والصديقة لوضعها أمام مســؤوليات­ها التاريخية لتشكيل «حتالف دولي» من أجل القضاء على هذه اآلفة التي اســمها االستيطان واملستوطنن­ي مبوجب القوانني الدولية، وقطــع دابرها، على غرار التحالف الدولي بقيادة الواليات املتحدة حملاربة ما يســمى «اإلرهاب» وكذلك «التحالف العربي» ضد اليمن اال تستحق فلسطني منكم ذلك؟

وهذا ما يقوله البروفيســ­ور اإلســرائي­لي دانيال بالتمان، الــذي يتقدم على غولدبلــوم بخطوة، ويبــرر عمليا عمليات قتل املستوطنني. ويقول بالتمان أســتاذ التاريخ في اجلامعة العبرية، إن قتل املستوطنني، باعتباره شكال من أشكال العنف الذي ينتجه الواقع الكولونيال­ي االستعماري االحتاللي. وفي مقال لصحيفة «هآرتس»، اعتبر أن دعوات حاخام مســتوطنة «يتســهار»، دافيــد دود كبيتس، خــالل جنازة املســتوطن إييتمار بن غال، إلبادة الشــعب الفلسطيني، مبثابة حتريض على «قتل شــعب». وأشــار إلى أن بن غــال، وكذلك احلاخام رزيال شــيفح، كانا يقيمان في مســتوطنتن­ي من األكثر تطرفا. ويقتبس بالتمان ما يقوله الفيلســوف اليهودي فرانز فانون في هذا السياق، بأن القتل عالج ضروري للمرض الذي فرضه االستعباد الكولونيال­ي، وأن التحرير احلقيقي وترميم الكرامة املهانة، تكون ممكنــة فقط عندما يــرد الكولونيال­ي بالعنف، وعندها يقوم الســكان احملليون بتقــدمي تضحياتهم في هذا الصراع. ويتابع بالتمان أن الفلســطين­يني فــي الضفة وغزة الذين يعيشــون في ظل واقع كهذا، هم مهانون ومســلوبون ومســجونون في غيتو مكتظ، ظروف احلياة فيه من األســوأ في العالم، ويذكر بالغيتوات النازية، حيث يطلق اجلنود النار عليهم، مثلما يطلق النار على الكالب الضالة، وتقتحم بيوتهم في الليالي ويرعبــون أطفالهم. ويخلص إلى نتيجة أن العنف في هذه احلالة وبقدر ما يبدو مأســاويا فهو ذو فعل حتريري. وال يخرج عن هذا السياق هجوم الكاتب في «هآرتس» جدعون ليفي، على دعوات حتويل بؤرة «هار براخا» التي قتل فيها بن غال، ملستوطنة، ووصفها بجبل اللعنات.

وما يثير االستغراب واألصح هو ما يؤكد املؤكد، أن ليفي لم يجد من يرد عليه ســوى السفير االمريكي الصهيوني السابق املســتوطن ديفيد فريدمان، خالل رئاسة دونالد ترامب، الذي ثبت املثل القائل «ملكي أكثر من امللك»، فهو مســتوطن أكثر من املستوطنني، ونذكر أنه كان هو ايضا مستوطنا حقيقيا، إذ ميلك

شقة فخمة في حي الطالبية في القدس الغربية. ويفاخر بدعمه للمستوطنني وإرهابهم، وينصب نفسه متحدثا ومدافعا عنهم، ويتفوق فريدمان بالتعصب للمســتوطن­ني والتفاخر بدعمهم، على جميع زمالئه من اليهــود العاملني ضمن «جوقة ترامب»، من امثال كوشنر وغرينبالت، ألم يعترف بأنه هو من قدم قبل سنوات سيارة إسعاف هدية «هار براخا».

وفي حســابه على «تويتر» تســاءل فريدمان وهو محامي يهودي أورثوذكسي، في قضايا اإلفالس، وعمل لسنوات لدى ترامب، كيف ميكن لصحيفة «هآرتس» أن تنشــر مادة كهذه؟ وبلغت فيه الصفاقة أن يتساءل «أين ذهبت النزاهة»؟ وشغل فريدمان منصب رئيس جمعية األصدقاء األمريكيني ملؤسسات مستوطنة بيت إيل شمال رام الله، التي تضم مقر اإلدارة املدنية لســلطات االحتالل، وهي منظمة جمعت ماليني الدوالرات في غضون سنة لدعم مشروع في املستوطنة. وحتمل لوحات على بناياتها مبا فيها مدرســة بنيت على أرض فلسطينية خاصة، اســم فريدمان وأفراد أســرته. كما تبرع بأموال الســتيطان يهود في احلي اإلســالمي في البلدة القدميــة من القدس. وما يقولــه غولدبلوم وبالتمان وكســيف وليفي بالطبع يتناقض مع التعريف األمريكي واإلســرائ­يلي الرسمي لإلرهاب، فصفة اإلرهابي في هذا السياق ال تطلق حســب قواميسهم، إال على الفلسطينين­ي وكل من يقتل أمريكيا أو اسرائيليا.

إن دولة االحتالل قامت على اإلرهاب وجماجم الفلسطينين­ي وعلى ســرقة منازلهم وأراضيهم وحرمانهم من أدنى احلقوق، وهذه الســمة لم تتوقف حتى يومنا هذا، رغم اعتراف منظمة التحرير، بوجودها على87 % من أرض فلســطني التاريخية، بــل فتحت شــهيتها وزادتهــا طمعا وشــرها. وأخيــرا فإن املستوطنني ومن يقف وراءهم وحوش ضارية وجب التخلص منها، فإن لم تفتك بهــا فتكت بك وفرضت هيمنتها عليك، وهذا يجب عدم الســماح به بأي شكل من األشكال، وبكل الوسائل، ال بــد من أن نخلق نوعــا من توازن الرعب وإال كيف ســنقنع املستوطن بأن األرض لن تكون مفروشــة له بالورود، وبأنه ســيدفع الثمن إذا اعتدى عليها أو اقترب منها. وأختتم بالقول إنه فــي احلالة العربية التي نعيشــها اآلن بإمكان إســرائيل واملســتوط­نني أن يفعلوا ما يشــاؤون، ولكن ذلك لن يغير من واقع أن الفلسطينين­ي هم املنتصرون في النهاية.

بإمكان إسرائيل واملستوطنن­ي أن يفعلوا ما يشاؤون، ولكن ذلك لن يغير من واقع أن الفلسطينين­ي هم املنتصرون في النهاية

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom