توترات محلية بني عرب دولة «الفصل العنصري»!
*كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
٭ وزير اخلارجية اللبنانية األسبق
أدت حادثــة خطف جثة شــاب من الطائفــة الدرزية العربية علــى يد مقاتلني من جنني في الضفة الغربية، إلى تأجيج توترات أهلية محلية بني عــرب فلســطني، لطاملا سعت إســرائيل الستثمارها في تعزيــز هيمنتهــا كدولة «فصل عنصري»، تقدم نفســها من خالل كيان ذي «هوية يهودية»، خاصة عندما يتعلق األمر بالسلم األهلي داخل مجتمعات العرب في الضفة وأراضي .48
فبعد احتجاز جثمان الشاب الدرزي من مشفى ابن ســينا خرجــت مظاهرة من أهالي الشــهداء الفلســطينيني، ممــن حتتجز إســرائيل جثامني أبنائهم منذ ســنوات، تطالب باســترجاعهم من «مقبرة األرقــام»، خاصة أن هناك مــن اعتقد أن الشاب عنصر في وحدة مستعربني تابعة للجيش اإلســرائيلي، ويبدو أن هذا لم يكــن دقيقا، وقبل تنفيــذ احلكومة اإلســرائيلية تهديداتهــا بتنفيذ عملية عسكرية الســتعادة اجلثمان، بدأ «احلدث املتدحــرج» كما ســماه اإلعالم اإلســرائيلي في التحرك، واتخذ أبعادا داخلية فلســطينية مقلقة، فقد ثــار غضب أهالــي ووجهاء قريتــه في دالية الكرمل، وأطلقــت مجموعة من مشــايخ الطائفة الدرزية تهديدات حــادة، مطالبني بإعادة جثمان ابنهم، ومنحوا الفصائل فــي جنني مهلة ملدة يوم واحد مهددين بالتصعيد بلهجة مشحونة، حتوي عبارات مثل «العني بالعني والسن بالسن»، وهو ما ترجم ألعمال خطف لعمال من اخلليل في قرية يركا الدرزية في اجلليل، وكذلك في اجلوالن السوري، وتعرض اخملتطفــون للتعذيب والتنكيل والظهور في أشــرطة مصورة، وهو ســيناريو يترافق مع فصــول النزاعات األهلية، أخطر مــا فيه أنه يعيد إحياء حزازات أهلية بني عرب فلســطني، ومينح إسرائيل مساحة اللتقاط أنفاسها أمام هذا املشهد.
وحســب املعلومات املتاحة فإن أجهزة السلطة الفلســطينية تكفلــت باملهمــة، وقــام ماجد فرج مديــر اخملابرات بإجــراء االتصاالت مــع مقاتلي جنــني إلقناعهم بتســليم اجلثــة، وكانت مواقف الشــخصيات الفلســطينية، إن كانت في الضفة، أو فــي األراضي احملتلة عام 84، قــد أظهرت وعيا عاليا أمام هــذا اخلطر، خصوصــا زعيم احلركة اإلســالمية فــي أراضــي 48 رائد صــالح، الذي طالــب بإطالق ســراحه، ونفى عنــه تهمة العمل مع اجليــش اإلســرائيلي وقــال، إن وجوده في جنني كان «وجــودًا عاديًا كأي إنســان من أهلنا من الداخل الفلســطيني»، وهــو موقف الفت من زعيم إسالمي فلســطيني ميتلك شعبية بني عرب 84، كذلــك تقول املصادر اإلســرائيلية، إن النائب أحمد الطيبي لعــب دورا مهما في إطالق ســراح اجلثة، من خــالل اتصاالت مع قيادة حركة اجلهاد اإلســالمي في بيروت، وهنا علينــا التوقف قليال عند هذه املعلومة، فــإن كانت دقيقة فهي تعني أن نفــوذ حركة اجلهاد في الضفــة الغربية وتأثيرها يتزايد بشــكل كبيــر بــني مجموعــات الكتائب الشــبابية الصاعدة بقوة في الضفة، وليس فقط في غزة، وقــد يعني هذا أيضا أن إيــران بصفتها داعما وممــوال حلركة اجلهاد، باتــت متتلك أيضا بعــض اخليــوط، من خــالل الفصائــل احلليفة كاجلهــاد وحماس في الداخل الفلســطيني، وبني أبناء حركة املقاومة الفلسطينية الشابة الصاعدة حديثــا فــي كتائب تتمركــز في مخيمــات جنني ونابلــس (بالطه)، وال نعــرف إن كانت متلك يدا في العمليات املكثفة في األراضي الفلســطينية في العام االخير، وال بد هنا مــن االنتباه حلقيقة، أن أحد أهــداف الضربات اإلســرائيلية املتالحقة في ســوريا، تهدف في ما تهدف إليــه من قطع ممرات وطرق التمويــل والتســليح املقبلة مــن إيران، صحيح أن معظم هذا التســليح يفترض أنه ذاهب لصالح حــزب الله والفصائــل املرتبطة باحلرس الثوري في ســوريا، لكن قد تكشــف األيام املقبلة عن مزيــد من املمرات تصل لغزة والضفة. أيا يكن، فإن الســاحة الفلســطينية كانت وال تزال ساحة معقدة ومتداخلــة، وتهدف كل الــدول اإلقليمية إلــى احلصول علــى تأثير ما في فلســطني، نظرا للرمزية العالية واملركزية للقضية الفلســطينية، إقليميــا ودوليا، عربيــا وإســالميا، ولكن أزمة جثة الــدرزي والتوتر األهلي الــذي أثارته داخل فلســطني، يفترض أن جتعل عرب فلســطني أكثر حذرا من تكرار حوادث كهذه، قد «تتدحرج أكثر»، وتضع إسرائيل وهويتها األحادية كدولة «قومية يهودية» في موقع املستفيد األكبر.
*كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»