Al-Quds Al-Arabi

البرنامج النووي اإلسرائيلي واإليراني: ازدواجية املعايير!

- د. عدنان منصور* د. يحيى مصطفى

منــذ أن بدأت إيران الســير في برنامج نووي ســلمي، كانت عيون الدول الغربية وعلى رأســها الواليات املتحدة وفرنســا وبريطانيــ­ا وأملانيا، وبالذات إســرائيل، تالحق وتتابــع البرنامــج النــووي اإليراني بحــرص وقلق شــديدين. هذا احلرص والقلــق كان غائبا عن الســاحة حني كانت الــدول الغربيــة تقدم دون حــدود، كل مــا يحقق رغبة إسرائيل وطموحها في إنشاء مفاعل نووي من خالل املساعدات والتقدميــ­ات العلميــة والتكنولوج­ية، التي حصلــت عليها في اخلمســيني­ات والستينيات من القرن املاضي، لتصبح في ما بعد دولة نووية، متتلك ترسانة من أسلحة الدمار الشامل. وهذا كله حتقق بفضل الدول الغربية، التــي آثرت الصمت، وغض النظر وما زالت، عن الترسانة النووية اإلسرائيلي­ة، لتصبح إسرائيل في ما بعد، الدولة السادســة في العالم التي حتوز هذا السالح، واألولى في منطقة الشرق األوسط. وهذا في ظل غياب التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي ترفضه إســرائيل باملطلق، وغموضها حول ترسانتها النووية.

تعاطي الغــرب مع امللف النووي اإليرانــي يختلف كليا عن تعاطيه مع إســرائيل، ما أفقده املوضوعية، والتجرد والصدقية والنزاهــة. يعرف الغــرب متاما أن إســرائيل متتلك الســالح النووي، الذي يهدد االستقرار واألمن في منطقة الشرق األوسط، في حني ما زالت حتى اللحظة ال تعترف رسميا بامتالكها السالح النووي، بل تداوم على سياسة التعتيم والغموض املتعمد.

عام 1947 بدأت مســيرة البرنامج النووي اإلســرائي­لي، إذ قام دافيد بن غوريون رئيس منظمة الهاغانا، بإنشــاء أول قسم لألبحاث العلمية في منظمته، بحجة استخدام الطاقة السلمية. وفي عام ،1948 بعيد إعالن قيام دولة إســرائيل، شرعت وزارة الدفاع اإلسرائيلي­ة بالتنقيب عن اليورانيوم في صحراء النقب. وفي عام 1949 بدأ التعاون العلمي بني فرنســا وإســرائيل في مجال الطاقة الذرية يشــق طريقه إلى األمام، بشــكل متســارع وملموس. وفي عــام ،1953 مت توقيع اتفاق تعاون بني فرنســا وإسرائيل من أجل اســتخراج اليورانيوم، وإنتاج املاء الثقيل. كما مت توقيع اتفاق عام ،1955 بني الواليات املتحدة وإســرائيل، حصلت هــذه األخيرة مبوجبه على مفاعل نووي أقيم في منطقة واقعة غربي بئر الســبع. وفي عام ،1957 وقعت اتفاقية ســرية بني فرنسا وإسرائيل حيث قامت فرنسا مبوجبها بإنشاء مفاعل دميونه في صحراء النقب. في حني نشرت صحف أملانية تقارير عن التعاون األملاني اإلسرائيلي في اجملال النووي. كما أعلنت من جهة أخرى اإلذاعة البريطانية عام ،1958 أنها توصلت إلى دالئل تشير إلى بيع بريطانيا 20 طنا من املاء الثقيل ملفاعل دميونه، إال

أن احلكومة البريطانية أعلنت أنها لــم تكن طرفا في عملية بيع املاء الثقيل إلســرائيل، إمنا هي باعت كمية منها للنرويج، التي أعادت بيع الكمية إلســرائيل. وفي عام 1987 أعلنت النرويج أن إســرائيل ترفض الســماح لها، للتحقق ومراقبة استخدام املاء الثقيل الــذي نقلته النرويج لها أواخر اخلمســيني­ات من القرن املاضي.. وعام ،1963 مت إنشاء مفاعل دميونه بقوة 24 ميغاوات مبساعدة تقنية من فرنسا، وبتمويل من الواليات املتحدة. وعام ،1966 قامت إســرائيل بأول جتربة نووية فــي صحراء النقب. وفي عام 1979 أجرت جتربة ثانية في احمليط الهندي، باالشتراك مع النظام العنصري آنذاك جنوب افريقيا. وتعاونت إســرائيل سرا مع فرنســا وبريطانيا وأملانيا والواليات املتحدة للحصول على الكميات املطلوبة من اليورانيوم. كما أن تعاون إســرائيل مع جنوب افريقيا، وفــر لها اليورانيوم، مقابــل تزويد جنوب افريقيا بالتكنولوج­يا واخلبرات ذات الصلة بناء على املعلومات والتقاريــ­ر االســتخبا­راتية املتوفرة حول الترســانة النووية اإلسرائيلي­ة، فإن حجمها اإلجمالي يقدر اليوم بـ005 رأس نووي من مختلف العيــارات: كبيرة لتدمير املدن، ومتوســطة لتدمير األهداف احليوية االســترات­يجية، وتكتيكية الســتخدام­ها ضد العناصر املسلحة واألفراد. ال بد من اإلشارة أيضا إلى أن إسرائيل باإلضافة إلى ترســانتها النووية، متتلك أيضا ترســانة كبيرة من أســلحة الدمار الشــامل الكيميائية والبيولوجي­ة، إذ تنتج غازات األعصاب من نوع ســارين، وغاز اخلردل النيتروجين­ي والغازات اخلانقة، وغازات شــل االعصــاب. بعد تفكك االحتاد الســوفييت­ي في أوائل التســعيني­ات، كشــفت االســتخبا­رات األملانية عن معلومات تفيد بأن 40 عاملا نوويا روسيا وصلوا إلى إسرائيل ضمن أفواج املهاجرين اليهود، وانخرطوا في البرنامج النووي اإلسرائيلي. القادة االســرائي­ليون حددوا موقفهم إزاء استراتيجية إسرائيل النووية.

إذا كانت هذه هي مسيرة البرنامج النووي اإلسرائيلي فماذا عن البرنامج النــووي اإليراني الذي انطلق في اخلمســيني­ات مــن القرن املاضــي، ففي عــام 1975 وضع األســاس للبرنامج النــووي، بعدما مت اإلعالن عــن «االتفاق املقتــرح للتعاون في مجال البحوث، ومجال االســتخدا­مات للطاقــة الذرية»، حتت رعاية برنامــج أيزنهاور: «الذرة من أجل الســالم». عام ،1967 تأسس مركز طهران للبحوث النووية الذي تديره منظمة الطاقة الذرية اإليرانية. وقد شاركت فيه الواليات املتحدة واحلكومات الغربيــة. وفي عام 1968 مت التوقيع على معاهدة حظر انتشــار األســلحة النووية وصدقــت عليها إيران عــام .1970 ثم جرى في عــام ،1975 توقيع عقد مع شــركة أملانية لبنــاء مفاعل املاء املضغوط في محطة للطاقة النووية بقيمة 6.4 مليار دوالر إلنتاج 91.1ميغاواط، حيث كان مقررا االنتهاء من املشــروع عام .1981 وفي عام ،1979 وبعد قيام اجلمهورية اإلسالمية، أوقفت الشركة األملانية العمل في مشــروع بوشهر. كما قطعت الواليات املتحدة إمدادات مــن اليورانيوم عالي التخصيب، كوقــود اليورانيوم ملركز أبحاث طهران النووية، مــا أرغم إيران على إغالق املفاعل لعدة ســنوات. وفي 1987-1988ماــع وقعــت اللجنة الوطنية للطاقة الذريــة في األرجنتني اتفاقا مع إيــران لتزويدها بوقود اليورانيوم الذي مت تســليمه إليران عام .1993 عام 1992 دعت إيران مفتشي الوكالة الدولية لزيارة جميع املواقع واملرافق التي طلبوا زيارتها. سارت إيران قدما إلى األمام في تطوير برنامجها النووي، الذي شــمل مواقع بحثية ترتبط مبناجم اليورانيوم، ومفاعل أبحاث، ومحطــات تخصيب اليورانيوم. وكانت محطة بوشــهر، أول محطة للطاقة النووية الســلمية فــي إيران. وقد أنشئت مبساعدة روسيا، وافتتحت رسميا في 12 أيلول/ سبتمبر عام 2011 ووصلت احملطة إلى كامل طاقتها اإلنتاجية عام .2012 وفي عام 2003 صدر عن احلكومة اإليرانية واالحتاد االوروبي، ووزراء خارجيــة كل مــن فرنســا وبريطانيــ­ا وأملانيا إعالن طهــران، الذي أبدت فيه إيران اســتعداده­ا للتعاون مع الوكالة الدولية لتوقيع وتنفيذ البروتوكول اإلضافي، وتعليق أنشــطة التخصيب. وفي املقابل وافق االحتــاد األوروبي على االعتراف صراحة بحقوق إيــران النووية، بضمانــات تقدمها طهران كي يسهل لها الوصول إلى تكنولوجيا حديثة. عام ،2004 ومبوجب اتفــاق باريس الذي مت بــني إيران واألوروبيـ­ـني، أعلنت إيران عن وقف طوعي ومؤقــت لبرنامج التخصيب. عام ،2005 أرادت إيران تسريع املفاوضات في هذا الشأن، إال أن االحتاد األوروبي رفــض القيام بذلك. ما دفع إيران بعد تولي محمود أحمدي جناد رئاســة اجلمهورية، إلى فــض األختام عــن معداتها لتخصيب اليورانيــ­وم في أصفهان. ومن أجل رفع الشــكوك عن برنامجها لتخصيب اليورانيــ­وم عرضت إيران وضع املزيــد من القيود، مبا فيهــا التصديق علــى البروتوكول اإلضافي، الذي يســمح بعمليــات تفتيش أكثر صرامة من قبل الوكالــة الدولية، وكذلك تشــغيل منشــأة تخصيب اليورانيوم في نطنــز، كمركز وقود متعدد اجلنسيات مبشــاركة املمثلني األجانب. العرض اإليراني لم يلق قبوال من جانب الواليات املتحدة التي أصرت على إيران أن توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وبضغط من الواليات املتحدة ومعها االحتاد األوروبي قام مجلس األمن الدولي بفرض سلســلة من العقوبات القاســية على إيران، بني األعوام 2007 2010و حلملها على اإلذعان لقــرارات الوكالة الدولية ومطالب الغرب. وقد شــملت عقوبات اجمللس، حظر توريد التكنولوجي­ا واملــواد ذات الصلــة بالطاقة النووية، وجتميــد أصول األفراد

والشــركات الرئيســية ذات الصلة بالبرنامــ­ج النووي، ومنع الدول بيع أســلحة ثقيلة إليران، ومنعها من القيام بأي نشــاط يتعلق بالصواريخ البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية. وحظر الــدول من إقامة عالقات مصرفية مــع إيران. عام ،2010 نشــرت إيران فتوى صادرة عن مرشــد الثورة اإلسالمية علي خامنئي، بتحــرمي، وإنتاج، وتخزين، واســتخدام األســلحة النووية.

أفسحت العقوبات في ما بعد اجملال ملفاوضات مضنية بدأت عام 2013 بني إيران واجملموعة 5+1 التي تضم الواليات املتحدة وروسيا وبريطانيا والصني وفرنسا وأملانيا، أسفرت املفاوضات عام 2015 عــن التوصل إلى اتفاق بني إيران واجملموعة الدولية، اعتبــر في ذلــك الوقت إجنــازا تاريخيا. إال أنه لــم يدم طويال بعد أن أنقــض عليه الرئيس األمريكي الســابق دونالد ترامب، وانسحب من االتفاق ليعيد االمور إلى سيرته األولى مع فرضه سلســلة عقوبات جديدة. وردا على انســحاب واشــنطن من االتفاق النووي قامت طهران بتفعيل منشــأة فوردو احلساسة، واســتئناف تخصيــب اليورانيوم عند مســتوى %5، بعد أن كان االتفاق النووي منعها من التخصيب في هذه املنشــأة وفي كانون األول/ديســمبر عــام 2021 صرح رئيــس منظمة الطاقة الذرية اإليرانية محمد سالمي، من أن إيران لن تعمل على جتاوز مستوى 60% من تخصيب اليورانيوم، حتى لو لم ترفع أطراف املفاوضات في فيينا عقوباتها. بعــد انتخاب الرئيس األمريكي جو بايدن، شهدت فيينا جوالت تفاوضية بني إيران واجملموعة 4+1 مبشاركة أمريكية غير مباشرة. هذه اجلوالت لم تسفر حتى تاريخه إلى اتفاق بني األطراف املعنية.

لم متنع العقوبات املفروضة على إيران، من إحراز تقدم كبير في برنامجها النووي الســلمي، إذ تراجعت مفاعيل العقوبات، وازدادت صادرات النفط اإليرانية بشكل كبير، كما أن مفاوضات فيينا النووية تنتظر الدخان األبيض، لكن الســؤال الذي يطرح هو: أي سالم وأمن تريده الواليات املتحدة والغرب معها ملنطقة الشرق األوسط؟! وهل من زعيم في الغرب مهما عال شأنه، يجرؤ على املطالبة بإخضاع البرنامج النووي إلسرائيل، للتفتيش من قبل خبراء الوكالــة الدولية للطاقة الذرية، والتحقق من أهداف البرنامج، واملستوى الذي وصل إليه؟ وهل يجرؤ على اتهامها، او يطالب بفرض العقوبات عليهــا لتمنعها عن إخضاع مفاعلها النووي لرقابة الوكالــة الدولية، مثل ما يفعلــه مع إيران؟ إنه الغرب املنحاز دائما، وفاقد الصدقية الذي ال يكيل إال مبكيالني،

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom