حزب العمال الكردستاني بين دعم طهران ومطرقة أنقرة وسندان بارزاني
لطالم كانت العالقة معقدة ومتشابكة بني حـزب العمال الكردستاني التركي »PKK« وطــهــران مــن جـهـة، وأنـقـرة واحلزب الدميقراطي الكردستاني بقيادة مسعود بارزاني من جهة أخرى. إذ ان عداء احلزب حلكومة أنقرة دفع مقاتليه للبحث عـن مـــالذات آمنة فـي املناطق املتاخمة للحدود التركية ليتسنى لهم الدخول وتنفيذ العمليات املسلحة ضـد وجـود القوات احلكومية التركية في كردستان تركيا، ومن ثم االنسحاب إلى قواعد آمنة وشبه دائمية في جبال شمال العراق وسوريا.
املعقد واإلشكالي في هذه املعادلة هي تعاطي طهران مع سياسات أنقرة في هذا امللف، فبالرغم من أن حكومة طهران تقمع املعارضة الكردية املسلحة في كردستان إيران، إال أنها تدعم ميليشيا حزب العمال الكردستاني التركي والتنظيمات القريبة منه في العراق وسوريا، كما إنها تستخدم هذه امليليشيات لضرب الوجود التركي في شمال العراق وشمال سوريا. وعلى الرغم من الضغط التركي وبعض التفاهمات بني أنقرة وطهران، لم تنخرط إيـران في أي محاولة حقيقية لقمع حزب العمال الكردستاني. في املقابل، أستهدف احلزب الدميقراطي الـكـردي اإليــرانــي املوالي للحزب الدميقراطي الكردستاني بشدة من قبل قوات األمن اإليرانية.
ويرى بعض احملللني إن العالقة اإليرانية مـع حــزب العمال الكردستاني ليست جديدة. فاملعقل الرئيسي للـ »PKK« في شمال العراق هو سلسة جبال قنديل التي يقع جزء منها داخل إيران. وكثيرا ما جنا مقاتلو حزب العمال من الضربات اجلوية التركية عبر اللجوء إلى اجلانب اإليراني. لذلك ميكننا القول إن ايـران كانت دائًما متعاطفة مع حزب العمال الكردستاني ولم تشارك إال في تعاون عسكري محدود مع تركيا في كل مرة كان مقاتلو احلزب يتعرضون فيها لضغوط تركية.
نحن نتذكر ما حدث مباشرة بعد أن بدأت تركيا عملية «مخلب النسر» 2 في شباط/فبراير 2021 في كردستان العراق، إذ شنت القوات التركية عملية عسكرية إلنقاذ 13 أسيًرا تركًيا وقعوا في أيدي حزب العمال الكردستاني، وعندما شرعت القوات التركية بعمليتها العسكرية، قلقت إيران من أن تنظف القوات التركية جبال غـــارا مـن حــزب العمال الكردستاني، إذ أوشكت حينذاك ميليشيا »PKK« على االنهيار. دفع هذا القلق إيــران إلى التكشير عن أنيابها ضد الوجود التركي في كردستان العراق عبر التلويح بالتهديد من قبل وكالئها في العراق، فقد نشرت ميليشيا حركة النجباء القريبة من طهران واملصنفة ضمن قوائم اإلرهاب األمريكية بياًنا يهدد مبهاجمة الـقـوات التركية، متاًما كما فعلت مع قوات الواليات املتحدة في العراق. ويشير التهديد الصريح من قبل ميليشيا النجباء ومقارنتها لتركيا بالواليات املتحدة إلى أن تركيا بالنسبة
إليران هي منافس مساو للواليات املتحدة في العراق. عالوة على ذلك، فإن هجوم امليليشيا الشيعية األصغر واألقل شهرة على القاعدة العسكرية التركية هو محاولة إيرانية «لتحذير» تركيا للحفاظ على خطوط التوتر ضمن املديات املقبولة في صراع القوة اخلفي بني طهران وأنقرة.
بعد فترة وجيزة، نشرت عصائب أهل احلق وهي ميليشيا شيعية أخرى مقربة من طهران، مقطع فيديو إلطالق صاروخ استهدف القاعدة العسكرية التركية في بعشيقة فـي الـعـراق. عــالوة على ذلـك، هاجمت امليليشيات الشيعية مطار أربيل وقتلت مـقـاوًلا مدنًيا، وجرحت تسعة آخرين، من بينهم جندي أمريكي واحد. فـي غـضـون ذلـــك، أرسـلـت امليليشيات الشيعية املدعومة من إيران تعزيزات إلى منطقة سنجار لنسف االتفاق بني احلكومة املركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق.
كــل هــذه احلــــوادث مثلت جـــزءا من استراتيجية إيـران حلماية حزب العمال الكردستاني واستغالل اجلماعة املصنفة ضمن قـوائـم اإلرهــــاب األمـريـكـيـة ضد الوجود التركي في العراق. ويرى املراقبون أن امليليشيات الشيعية في الـعـراق قد اكتسبت الكثير من القوة والنفوذ، وكان للسياسة األمريكية املتذبذبة آثار جانبية متثلت في متكني إيران في العراق، والتي استخدمت امليليشيات الشيعية لتهديد الوجود التركي في كردستان العراق، وتقويض اتـفـاق سنجار، ومنع حزب العمال الكردستاني من االنهيار.
نقرأ في تقرير أمني أمريكي تناول العمليات التي جرت في الربع األول من عام 2022 التأكيد على التعاون الواضح بني امليليشيات الشيعية العراقية القريبة
من طهران وحزب العمال الكردستاني. وأشـــار التقرير إلـى أن «سنجار كانت تاريخيا حتت سيطرة احلزب الدميقراطي الكردستاني، لكن منذ عام 2017 هيمن احلــزب الدميقراطي الكردستاني على النصف الشرقي من سنجار فقط، بينما أسس حزب العمال الكردستاني قواعد لــوجــوده فــي غـــرب سـنـجـار مبساعدة ميليشيا أيزيدية تعرف باسم وحـدات حماية سنجار التي حتافظ على عالقات وثيقة مع امليليشيات الشيعية املقربة من إيران».
دعا اتفاق تشرين األول/اكتوبر 2020 بني احلكومة املركزية العراقية وحكومة إقليم كردستان إلى إخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني وإنشاء قوة أمنية جديدة قوامها 2500 عضو في املنطقة. وقد فشلت محاوالت عديدة لتنفيذ هذا اجلزء من االتفاقية حتى اآلن، ووقعت اشتباكات متعددة بني اجليش العراقي وميليشيا حماية سنجار االيزيدية »YBS« في املنطقة. الواقع على األرض ينبئنا بأن منطقة سنجار باتت معقلا حلزب العمال الكردستاني بعد أن عجز العديد من األيزيديني عن العودة إلى ديارهم وبقوا في معسكرات حكومة إقليم كردستان.
طرق إمداد حزب العمال
شنت احلكومة التركية هجمات عديدة بطائرات وبدون طيار ضد حزب العمال الكردستاني فـي سنجار فـي محاولة لكبح جماح »PKK« في املنطقة التي يتواجد فيها التنظيم. في غضون ذلك ، متكنت تركيا من إغالق طرق إمداد حزب العمال الكردستاني إلى تركيا مبساعدة حكومة بارزاني في أربيل وقضت على الـعـديـد مــن معسكرات حــزب العمال بالقرب من احلدود التركية. ومن املعتقد أن هذه اخلطوات ستقلل من وجود حزب العمال الكردستاني في سنجار وبالتالي سينحصر وجوده في جبال غارا وقنديل فقط. كل ذلك جعل األمر أسوأ بالنسبة إليـــران، وبالتالي «حـــذر» وكــالء إيــران في العراق حكومة إقليم كردستان عبر مهاجمة مطار أربيل، وهو هجوم شنيع أدانته الواليات املتحدة وتركيا والعديد من الدول األخرى.
تشير األدلة املتزايدة إلى زيادة التعاون بني اجلماعات املرتبطة بحزب العمال الكردستاني العاملة في شمال العراق والفصائل املسلحة املرتبطة باحلرس الثوري اإليراني، والتي لها أيضا وجود في املنطقة. ولطاملا هــددت امليليشيات املوالية إليران القواعد التركية في شمال العراق، وخاصة القاعدة التركية بالقرب من بعشيقة. هـذا األمــر يعني أن إيـران وتركيا تلعبان لعبة جتاذبات القوة في العراق، واألكـراد هم املفصل الذي تقوم عليه سياسات التوتر لهاتني الدولتني، وأن هذا الصراع البد وأن مير عبر هذا املفصل.
وجـــاءت هجمات تركيا على حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بعد اجتماعات مع مسؤول حكومة إقليم كـردسـتـان. تلعب تركيا لعبة قــوة في كردستان العراق، إذ تدعي أنها تقاتل حزب العمال الكردستاني، لكنها تقيم قواعد عسكرية وتستخدم اجملال اجلوي العراقي وتتدخل بقوة في شؤون إقليم كردستان العراق. فتركيا لديها عالقات وثيقة مع حكومة إقليم كردستان. وتشمل مصاحلها هناك جتارة الطاقة واالستثمار، وتريد أن تراقب عن كثب حزب العمال الكردستاني، الــذي تقاتله تركيا منذ
سنوات. وأشارت صحيفة «ديلي صباح» التركية إلـى أن «أحــد مجاالت التعاون بني أنقرة وأربيل هو مكافحة اإلرهاب، ال سيما أن جماعة حزب العمال الكردستاني اإلرهـابـيـة لديها معاقل فـي أجـــزاء من شمال العراق حتت سيطرة حكومة إقليم كردستان».
كذلك احلال في امللف السوري املرتبط بامللف العراقي في هذا الشأن، فعندما أطلقت القوات التركية وفصائل اجليش الـسـوري احلـر عملية «غصن الزيتون» العسكرية في مطلع عام 2018 على مواقع قوات سوريا الدميقراطية «قسد» املدعومة من حزب العمال الكردستاني واملتواجدة في محيط مدينة عفرين السورية، أرسلت إيران ميليشيات شيعية وأسلحة وذخيرة دعما للقوات الكردية في معركتها ضد اجليش السوري احلر والقوات املسلحة التركية. في ذلك الوقت، نفذت طائرات تركية بـدون طيار ضربات ناجحة ضد امليليشيات اإليرانية التي كانت حتاول الوصول إلى عفرين.
ينظر إلى تصور تركيا للتهديد الذي يشكله حزب العمال الكردستاني على أنه وشيك أكثر من الذي تشكله امليليشيات الشيعية. ومن الواضح أكثر من أي وقت مضى أنه إذا كانت أنقرة ترغب بالقضاء على تهديد حزب العمال الكردستاني، فعليها التركيز على وجـود امليليشيات الشيعية التي تسيطر عليها إيــران في العراق وسوريا. ويشير موقف امليليشيات املدعومة إيرانيا والهجمات املتزامنة ضد حكومة إقليم كردستان وتركيا والواليات املتحدة إلـى أنـه يتعني على احلكومات الثالث العمل معا للحد من التغول اإليراني في املنطقة.