Al-Quds Al-Arabi

اردوغان يقضم «المنطقة العازلة» عن أكراد سوريا: َمن سيمأل الفراغ؟

-

عملية «اخمللب-السيف» 2022 التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب اردوغـان ضد الفصائل الكردية املسلحة في الشمال والشمال الشرقي لسوريا هي العملية الرابعة بعد «نبع الفرات» ،2016 و«غصن الزيتون» ،2018 و«نبع السالم» .2019

في كل عملية عسكرية، كانت تركيا-اردوغان تحكم السيطرة على جزء من األراضـي السورية احملاذية حلدودها اجلنوبية، فُتحِّقق جـزءًا من املطلب الذي رفعه الرئيس التركي بقوة منذ 2015 بإقامة منطقة آمنة وعازلة بعمق 30 كيلومترا داخل سوريا على طول الشريط احلـدودي مع بـالده، معلنا هدفني: األول، حماية األمن القومي التركي بإبعاد خطر الفصائل الكردية املرتبطة - بنظر أنقرة - بـ«حزب العمال الكردستاني» العدو اللدود لها. والثاني، إعادة مليون الجئ سوري من تركيا إلى املنطقة اآلمنة، مبا ُيخِّفف من عبء اللجوء السوري إليها، إذ تستضيف ما يزيد على 3.5 ماليني الجـئ حتولوا إلـى جـزء من املـادة السياسية بني املواالة واملعارضة في كل استحقاق انتخابي.

لم يلَق مطلب اردوغـــان قبوًال أمريكيًا وغربيًا، خصوصا وأن «وحـدات حماية الشعب» و«وحدات حماية املـــرأة» املصنفتني مجموعتني إرهابيتني لـدى تركيا ُتشّكالن املكونني األكبرين في «قـوات سوريا الدميوقراط­ية»، واللتني أنشئتا بدعم من الواليات املتحدة األمريكية لتتحَّوال إلى شريٍك على األرض لـ«التحالف الدولي» في دحر تنظيم «الدولة اإلسالمية» M داعــش. وكـان اردوغـــان في كل مرة يقتنص الظروف اإلقليمية والدولية لتنفيذ عملياته،

ُُ ويفعل ذلك اليوم، سواء في ما خص األمريكيني، أو الروس واإليرانين­ي الشريكني على طاولة «اجتماعات أستانا»، واللذين سبق أن أبديا في لقاء قمة طهران في متوز/يوليو معارضة للقيام بعملية جديدة، ولكن بدا الصوت خافتًا في اجتماع أستانا الـ91 الذي ُعقد في العاصمة الكازاخستا­نية قبل أيام في 22 و32 تشرين الثاني/نوفمبر.

يريد الرئيس التركي اإلفادة من الفرصة الذهبية الراهنة لديه إقليميا ودوليا، على وهج موقع بالده في احلرب الروسية على أوكرانيا، الستكمال مشروعه بإقامة املنطقة العازلة واآلمنة بعمق 30 كليومترا داخـل األراضــي السورية. في عملية «درع الفرت» أجهضت تركيا والفصائل احلليفة لها إمكانية الربط بني منبج وعفرين التي كانت بيد الفصائل الكردية وتريد إقامة ممر بينهما، وفي عملية «غصن الزينون» سيطرت وحلفاؤها على عفرين، وفي عملية «نبع السالم» وصلت إلى املنطقة املمتدة من تل أبيض إلى رأس العني بعمق 30 كليومترا. كانت أنقرة في حينها قد أجنـزت اتفاقني منفصلني مع كل من واشنطن وموسكو إلخـراج «قـوات سوريا الدميقراطي­ة» من مدينتي تل رفعت ومنبج الواقعتني غـرب الفرات والتابعتني حملافظة حلب، واستكمال إبعاد العناصر الكردية املسلحة إلى عمق األراضــي السورية على طول احلدود، بحيث تسيطر تركيا وفصائل املعارضة السورية احملسوبة عليها على الطريق السريع الدولي املعروف بـ«إم .»4

متلص اجلانبان األمريكي والروسي، كل حلساباته اخملتلفة، من الضغط على الكرد لتنفيذ االتفاق. اليوم ما عاد بإمكانهما املناورة في وقت يعمل كل منهما على خطب ود األتراك. بوتني يتكأ على تركيا كبوابة اقتصادية، وأمريكا والغرب يريدون ضمان موافقة الشريك في «الناتو» على القادمني اجلدد، ويرون أن الرجل أضحى عقدة الوصل إلى حد كبير بني موسكو والغرب. فباألمس القريب حقق نصرًا دبلوماسيًا في اتفاقية احلبوب التي يحتاجها العالم لتفادي خطر جوع البشرية.

في شـرح ملعنى عملية «اخمللب-السيف» يعزو محللون اخمللب إلى ضربات جوية دقيقة األهداف، والسيف إلـى عمليات برية. في قــراءة املتابعني، فإن الضربات اجلوية التركية بطائرات حربية أو «مسيرات» حظيت بغطاء ضمني أمريكي-روسي، ولكن من غير الواضح ما إذا كان غض الطرف يشمل «الغزو البري». يقول اردوغان إن العملية البرية ضد «وحدات حماية الشعب الكردية» ستنفذ عندما يحني الوقت املناسب. قول يعني في السياسة عدم وجود موافقة من األطراف الدولية املعنية حتى اآلن.

شريط اردوغــــا­ن األمـنـي يغطي كامل احلــدود اجلنوبية من احلـدود مع سوريا وحتى احلـدود مع العراق. والسؤال: من سيمأ فراغ انسحاب القوات الكردية إن حصل؟ وهل أجرت أنقرة الترتيبات الالزمة ملا بعد العملية لكيفية ضمان أمن حدودها الطويلة؟ وهل فصائل املعارضة احلليفة لها قادرة على ملء الفراغ في تلك املنطقة؟ وماذا عن املناطق ذات الكثافة الكردية مثل القامشلي؟

يشير متابعون إلى سلسلة خيارات لدى أنقرة، بعضها كان قيد البحث. سابقا جرى طرح تولي قوات «البشمركة» التابعة لـ«إقليم كردستان-العراق» خط احلدود، وهي موجودة في عني العرب راهنا. وهناك إمكان أن يكون دوٌر للمكِّون العربي الذي ينضوي، بشكل أو بآخر، ضمن «قوات سوريا الدميوقراط­ية» وهو مكِّون له ثقل عشائري (قبيلة شّمر في اجلزيرة السورية). وسبَق أن أنشأِت القبيلُة في احلسكِة قـوات ضمن «قسد» حملاربة «داعــش»، وهي قوات «الصناديد» بقيادة بندر احلميدي ابن زعيم القبيلة الشيخ حميدي دهام اجلربا الذي توفي هذا الشهر 11( تشرين الثاني/نوفمبر). بعض املراقبني يرون أن ثمة خيارًا أمام أنقرة أن ُتسِّلـَم مبوجب االتفاق التركي-الروسي مناطق في إدلب، وتسحب بعض الفصائل احملسوبة عليها باجتاه مناطق احلسكة لتعبئة الفراغ والنقص هناك بالتنسيق مع قوات العشائر. هؤالء يلفتون إلى أن األتراك كانوا جسوا نبض نظام بشار األسد للقيام بهذه املهمة، لكن النظام ليس لديه القدرة العمالنية لتغطية أمن احلدود في تلك املنطقة، وهو أساسا كان يتكئ في اتفاقية أضنة على اجلانب التركي.

النظام، وفق محلليه، ُيريد أن يستفيَد من العملية التركية لدفع األكراد لإلتيان إلى دمشق ومصاحلته. أساسا، هؤالء يتحدثون عن أن النظام السوري أقدم بعد اندالع الثورة السورية على االنسحاب من املناطق الشمالية احلدودية تاركا املنطقة بعهدة مقاتلي «حزب االحتاد الدميوقراط­ي»، النسخة السورية من «حزب العمال الكردستاني» الذي كان زعيمه عبد الله أوجالن في أحضان دمشق يوم كانت على خصومة حادة مع أنقرة.

كان النظام السوري يظن أنه يترك منطقة الشمال السوري في يد «حليف كـردي مـاض ومستقبلي» الستالم احلدود واملؤسسات احلكومية وآبار النفط، لكن تطورات املشهد السوري بعد هجوم «داعـش» على كوباني، وعدم قدرة النظام على تلبية األكراد نظرا إلى ضعفه حينذاك، والدخول األمريكي على اخلط، جعل األكراد يشعرون بـ«فائض قّوة»، فعّزز «احللم الـكـردي» بإقليم كردستان-سوريا على غرار كردستان-العراق. هذا أمر ال قدرة للنظام على أن مينحه لـأكـراد، أو أن يضمنه لهم لالصطفاف إلى جانبه، ألنه بتلك اخلطوة يكون قد رسم معالم املستقبل السوري والقبول بالتقسيم.

في رأي متابعني لواقع املنطقة، فإن» قوات سوريا الدميوقراط­ية» أخطأت بتهميشها املكونات األخرى مـن عــرب وسـريـان ومسيحيني، وأخـطـأت القوى الكردية السورية حني لم تقرأ جيدا الرسائل التركية ولم جتلس مع األتراك على طاولة واحدة ولم حتترم حسن اجلوار. ويقول هؤالء إن قرار الفصائل الكردية في سوريا كان لدى قادة جبال قنديل شمالي العراق. تتقاطع تلك القناعة بني جانب من املعارضة السورية وجانب النظام الذي يعتبر أن «الكلمة الفصل» ليس ألكراد سوريا بل لـ«قادة قنديل» ومعهم يتم االتفاق.

في صراع الفيلة الكبار، يذهب الصغار «فرق عملة» إذا لم يبرعوا في فهم خيوط اللعبة، فكيف إذا كان الصراع يدور في منطقة حساسة وحيوية ال تتعلق فقط بحسابات األمن القومي التركي بل مبن سيكون صاحب النفوذ الرئيسي من الالعبني الكبار في تلك البقعة اجلغرافية ملا لها من تأثيرات تبدأ من مغامن حقول النفط والغاز الواقعة حتت اليد األمريكية وال تنتهي عند مشروع إيـران التوسعي وعقدة الوصل التي تشّكلها بني العراق وسوريا امتدادًا إلى لبنان!.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom