تحالفات حزب العمال الكردستاني مع األحزاب الكردية العراقية
أثـــارت العمليات العسكرية الـتـركـيـة األخــيــرة ضــد مـقـرات ومــعــســكــرات حــــزب الــعــمــال الـكـردسـتـانـي املـــوجـــودة على األراضــــي الـعـراقـيـة، تـسـاؤالت مـجـددا عـن أسـبـاب تـواجـد هذا احلـزب على األراضــي العراقية، وحقيقة عالقاته ببعض األحزاب الـعـراقـيـة الـتـي تـوفـر لــه الدعم وتساعده على التواجد والتحرك في العراق.
وكــانــت العملية اإلرهــابــيــة األخيرة في إسطنبول التي أعلنت احلكومة التركية ان حزب العمال الكردستاني يقف وراءهـا حسب اعــتــرافــات اخلـلـيـة الـتـي نفذت العملية والـتـي ألقت السلطات التركية القبض عليها، كانت سببا لقيام تركيا بشن عملية جديدة ضد مواقع احلزب في سوريا والعراق.
ومن املهم تأشير انه إذا كانت الظروف والتطورات في املنطقة العربية ساهمت في تعزيز قوة ومكانة حزب العمال واتساع رقعة حتركاته، وأبرزها انهيار الدولة العراقية عقب االحتالل األمريكي واحلــــرب األهــلــيــة فــي س ـوري ـا عقب ثورة الربيع العربي وظهور التنظيمات اإلرهابية مثل «داعش» فإنه ليس سـرا ان بعض القوى السياسية والفصائل العراقية، ومـنـذ سـنـوات ترتبط بعالقات حتالف وتعاون وتخادم مع حزب العمال الكردستاني وتسمح له بالتواجد على األراضـي العراقية الستخدامه كـورقـة ضغط ضد تركيا وضد حزب بارزاني.
وعن العالقة بني حزب العمال التركي واحلـزبـني الكبيرين في اإلقـلـيـم (احلــــزب الـدميـقـراطـي واالحتـاد الوطني) حتدث النائب ورئيس برملان كردستان السابق محمد يوسف لـ«القدس العربي» قــائــال «هــنــاك شــد وجــــذب في الـعـالقـة فـي الـفـتـرات اخملتلفة، ويــســودهــا الــتــوتــر والـــصـــراع وخاصة مع احلـزب الدميقراطي الكردستاني، وكذلك مع القيادة اجلــديــدة فـي االحتـــاد الوطني، ولكن فـي بعض األحـيـان هناك عالقة تخادم أيضا. فمثال احلزب الدميقراطي لديه صراع مع قوات ســوريــا الـدميـقـراطـيـة وخـاصـة وحـدات حماية الشعب السورية القريبة من حـزب العمال، ولكن في الوقت نفسه يتم بيع النفط من هذه املناطق عن طريق احلزب الدميقراطي، لذلك السمة العامة في العالقة بني احلزبني الكرديني وحــــزب الــعــمــال هـــو الــصــراع والتعاون معا».
وحــول مـبـررات تـواجـد حزب العمال الكردستاني على األراضي العراقية، أكد يوسف «انها مرتبطة
بتراكمات تاريخية سابقة، وان وجـود حـزب العمال في العراق وخاصة في جبال قنديل، يرجع إلـى نهاية الثمانينات من القرن املاضي وحتى اآلن» منوها إلى ان «جبال قنديل مناطق وعرة ال ميكن السيطرة عليها من جانب السلطات في بغداد أو كردستان».
وأشار النائب إلى اتفاق السالم الــذي عقد بني احلكومة التركية وعـبـد الـلـه اوجـــالن زعـيـم حزب الـعـمـال فـي عــام 2013 وسماح أنقرة مبوجبه بانسحاب مقاتلي حزب العمال من تركيا نحو جبال قنديل في العراق، مشددا على «ان وجودهم في العراق كان مبوافقة احلكومة التركية».
ويــرى النائب الـكـردي «انــه ال يوجد توازن بني القدرات العسكرية للحكومة التركية وحزب العمال، ومن األجـدر بحزب العمال إلقاء السالح بصورة نهائية، والبدء بعملية سلمية سياسية ألخذ احلقوق الكردية في تركيا» معربا عـن امكانية احلكومة العراقية للقيام مببادرة حللحلة هذه املسألة بـصـورة سلمية، والضغط على الطرفني، إلبعاد صراعاتهما عن املناطق العراقية، مـشـددا على قناعته بأن حل القضية الكردية يكون من خالل عملية سلمية في تركيا ليعم السالم.
حتالفات العمال
وعموما يتمتع حـزب العمال الكردستاني بعالقات متباينة مع احلزبني الكرديني في إقليم كردستان الـعـراق (الدميقراطي الكردستاني واالحتــاد الوطني) ويتأثر باخلالفات بينهما وبني بغداد وأنقرة.
وفيما تتميز عالقة حزب العمال بـحـزب بــارزانــي (الـدميـقـراطـي الكردستاني) بالعداء والتنافس على زعــامــة القضية الـكـرديـة، ورفض تواجد عناصر العمال في األراضــي العراقية، بالتزامن مع تعاون بارزاني واحلكومة التركية، فـــإن االحتــــاد الــوطــنــي (حــزب جالل الطالباني) يرفض اعتبار حزب العمال تنظيما إرهابيا، بل أعلن مـرارا التعاون فيما بينهما، وخاصة أثناء التصدي لتنظيم «داعش» في العراق وما بعده.
وكــان ظهور تنظيم «داعــش» وسيطرته على بعض احملافظات العراقية عام 2014 فرصة ذهبية حلزب العمال، في توسيع مساحة تواجده على األراضــي العراقية عندما سمحت له السلطات في إقليم كردستان العراق باملشاركة في التصدي للتنظيم وخاصة في مناطق سنجار وكركوك، إال انه رفض بعد ذلك االنسحاب من تلك املناطق رغم تكرار مطالبات حزب بارزاني ذلك.
وفـــي املــقــابــل فـــإن لـ الحت ـاد الـوطـنـي الـكـردسـتـانـي مواقف مؤيدة لتوجهات حـزب العمال، حيث طالب االحتاد في وقت سابق بإلغاء االتفاقية املوقعة مع تركيا في زمن نظام صدام حسني، والتي تسمح للجيش التركي مبالحقة حــزب الـعـمـال داخـــل األراضـــي العراقية. كما دأب االحتــاد على
شجب العمليات العسكرية التركية ضــد معسكرات وقــيــادة حزب العمال في العراق.
وخالل زيارة صحيفة «القدس العربي» إلى جبال قنديل عام 2016 اعترف قــادة في حـزب العمال، بانهم يتواجدون في املنطقة منذ تسعينات القرن املاضي، وان هناك تنسيقا وتعاونا واسعا بني حزب العمال واالحتاد الوطني الذي يدير محافظة السليمانية، في إدارة املناطق التي يسيطر عليها حزب العمال هناك، بحيث أصبحوا دولة داخل الدولة. كما أعلنوا رفضهم اعتبار حزب بارزاني ممثال للكرد وعــدوا حركتهم املمثل احلقيقي ألكـــراد تركيا وإيــــران وسـوريـا والعراق.
وقد تسبب قيام حزب العمال عام 2017 بخطف مواطنني أتراك من مدينة السليمانية التي يديرها االحتــــاد الــوطــنــي واق ـت ـي ـاده ـم إلـى جبال قنديل، باتهام أنقرة لالحتاد بالتعاون مع حزب العمال ومعاقبته بإغالق مكتب االحتاد الوطني في تركيا وقطع الرحالت اجلوية بني تركيا والسليمانية.
الدعم الشيعي للعمال
وألن دعـــم حـــزب الـعـمـال لم يقتصر على أحزاب كردية عراقية فقط، فـان اتهامات وجهت إلى األحزاب والفصائل الشيعية بدعم غير مباشر حلـزب العمال، رغم إعـالن حكومة بغداد انها تعتبر احلزب تنظيما إرهابيا.
واتـــهـــم بــعــض قـــــادة حــزب
بـارزانـي، احلشد الشعبي بدعم فصائل تابعة حلزب العمال في سنجار غـرب املـوصـل، ومنحهم رواتـــب وأسلحة بحجة كونهم ضمن احلشد الشعبي.
وبـرزت مؤشرات عدة في هذا السياق، مثل زيـارة رئيس أركان «احلشد الشعبي» القيادي في ميليشيا «كتائب حزب الله» عبد العزيز احملمداوي «أبو فدك» إلى ضواحي سنجار، ثم حديث رئيس منظمة بدر، املوالية إليران، هادي العامري، عن نوايا تركية القتحام سـنـجـار، ومـطـالـبـتـه احلكومة بالتحرك ملنع ذلك، ملوحا بـ«عدم سكوت احلشد حيال أي عملية من هذا النوع». وتال ذلك تنفيذ عدد من الفصائل الوالئية،عملية انتشار واسعة في سنجار وضواحيها، كان أوسعها في 20 شباط/فبراير املاضي، مع تهديدات بالتصدي ألي عملية تركية في سنجار ضد العمال.
ويـــذكـــر أن مـسـلـحـي حــزب العمال الكردستاني رفضوا أي انتشار لقوات من خارج سنجار، مثل اجليش الـعـراقـي والـقـوات الكردية األخرى مثل «البيشمركة» كما وقعت اشتباكات مــرارا بني عناصر حزب العمال والبيشمركة واجليش العراقي، ملنع تواجدهما في منطقة سنجار. ويعد حزب العمال السبب الرئيسي في عرقلة تنفيذ اتفاق بني حكومتي بغداد واإلقـلـيـم، لبسط سلطة القوات االحتادية على منطقة سنجار.
ويعتقد بعض املراقبني بوجود عالقة تخادم بني حـزب العمال
والنظام السوري أيضا، انطالقا من عقد مؤمتر احلـزب األول في ســوريــا فــي متـوز/يـولـيـو 1981 برعاية الرئيس السوري السابق حافظ األســد، ثم خـروج احلزب الحقا من سوريا واستقراره في شمال العراق.
وكــان الرئيس التركي رجب طيب اردوغــــان، أكــد مـــرارا «إن بالده ال تأخذ إذنا من أحد ملكافحة اإلرهــاب، وان أمريكا عجزت عن منع االرهـاب ضدنا». ولذا جلأت الــقــوات التركية فـي السنوات األخيرة، إلى شن عمليات عسكرية برية إضافة إلى القصف باملدفعية والطائرات املسيرة، ضد األهداف التابعة حلزب العمال في شمال العراق، عبر تنفيذ القوات التركية سلسلة عمليات عسكرية ضد معسكرات وقــادة حـزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان، ومـنـهـا عمليات «قـفـل اخملـلـب» و«مخلب النمر» و«مخلب النسر».
ويبدو واضحا ان الصراعات السياسية الداخلية وغياب القرار السيادي العراقي بإخراج حزب العمال الكردستاني من األراضي العراقية يساهم في اتساع مجاالت نشاط احلزب شمال العراق، التي تعود بالدرجة األولى إلى حتالفاته مع العديد من القوى السياسية الكردية والشيعية، إضافة إلى عالقاته مع القوى اإلقليمية، التي مـا زالـــت تــرى فيه ورقـــة فاعلة فـي صراعها مـع تركيا والقوى السياسية العراقية املنافسة.