Al-Quds Al-Arabi

عندما تدافع روسيا «األوتوقراط­ية» عن حرية التجارة وتحاربها الدول «الديمقراطي­ة»!

-

تعكس حــرب «تسقيف» األسـعـار في سوق النفط والغاز حتوال في سياسة الدول الصناعية السبع الكبرى بقيادة الواليات املتحدة، إلــى «الـتـدخـل» بــدال مـن «حرية السوق» وهو ما ينطوي على تناقض شديد في مواقف الدول التي تزعم إن سياستها تهتدي بقيم احلرية والدميقراط­ية. وكانت قمة الدول السبع األخيرة قد قررت وضع سقف ألسعار النفط الروسي على أساس التكلفة، مبا يضمن استمرار تدفق النفط الروسي مجانا تقريبا، وحرمان روسيا من إيرادات التصدير، التي متكنها من مواصلة متويل حربها في أوكرانيا. هـذا املوقف من جانب «الــدول الدميقراطي­ة» يتناقض مع رفضها اتفاقيات حتديد األسعار، وهو الرفض الـذي تتبناه بالعمل على إصـدار تشريعات تنص على جتـرمي التدخل في حتديد األسعار، مثلما هو احلال في مشروع قانون «نوبك» الذي يتضمن فرض عقوبات على أوبـك، ونـزع احلصانة السيادية عن الـدول األعضاء فيها مثل السعودية أمام احملاكم، وفرض عقوبات عليها بزعم أنها متارس دورا احتكاريا في حتديد األسعار. املثير للدهشة هـو أن الــواليــ­ات املتحدة والدول الصناعية الرأسمالية األكثر تقدما في العالم ال ترى إنها تتدخل ضد «حرية السوق» عندما تضع سقفا لسعر البترول الروسي. أوروبا تبدو منقسمة على نفسها إزاء تلك السياسة، واألمور تسير في اجتاه فرض سقف بال معنى، هذا في حال االتفاق.

العقوبات املفروضة على روسيا التي مت االتفاق على تعزيزها ثماني مرات في األشهر األخيرة، متثل منوذجا فجا للخروج عن قواعد حرية التجارة، واالجتـــا­ه إلى عسكرتها لتحقيق أهــداف سياسية. وما أزمات الطاقة والغذاء والغالء احلالية في أوروبا والعالم إال مظاهر تثبت أن احلروب التجارية قد تؤذي من يشنها مبقدار أكبر من األذى الذي قد تتعرض له الدول املستهدفة. إضافة إلى ذلك، فإن اخلسائر ال تطول طرفي احلرب فقط، وإمنا تنتشر في العالم كله. صندوق النقد الدولي يحذر من أن تقسيم العالم جتاريا ميكن أن يكلف االقتصاد العاملي كله حوالي 1.4 تريليون دوالر، أي ما يعادل 1.5 في املئة من الناجت احمللي اإلجمالي للعالم. روسيا سوف تتضرر بال شك من فرض سقف ألسعار صادراتها، لكنها ستقلل هذا الضرر باستخدام أدوات الـسـوق، وذلــك بتحويل صـادراتـهـ­ا إلى الصني والهند وبلدان أخـرى، مع احتمال تخفيض اإلنتاج أيضا، وزيـادة اإليـرادات احلكومية بفرض ضرائب أكبر على شركات النفط. كما ستصبح الدول املصدرة للنفط ومنها مجموعة أوبك في حاجة لتخفيض إنتاجها، للمحافظة على مستوى مستقر

لأسعار يتناسب مع احتياجات املالي وطموحاتها التنموية. توازنها

روسيا ترد باستخدام آليات السوق

بـسـبـب الــعــقــ­وبــات ارتــفــعـ­ـت أسـعـار الصادرات السلعية الروسية حتى منتصف العام احلالي، حسب مؤسسة املعلومات اإلحصائية «ستاتيستا» بنسبة 69 في املئة للفحم، و06 في املئة للقمح، و55 في املئة للغاز املسال، و64 في املئة للنيكل، و92 في املئة للنفط، و42 في املئة للذرة، و12 في املئة للبالتينوم و11 في املئة للزنك. ونتيجة الرتفاع األسعار فإن إيــرادات روسيا من تصدير الفحم والنفط والغاز ارتفعت بعد العقوبات إلى 922 مليون دوالر في شهر أيار/مايو 2022 مقابل 661 مليون دوالر فـي الشهر نفسه مـن الـعـام املـاضـي، أي بنسبة زيادة تقترب من 40 في املئة. وخالل األشهر الثمانية األولـى من العام احلالي بلغت إيرادات روسيا من صادراتها النفطية 117 مليار دوالر. ومع ارتفاع األسعار فإن احلكومة الروسية تعتزم زيادة الضرائب على شركات النفط والغاز الثالث الرئيسية (غازبروم، روسنفط، لوك أويل) بحوالي 50 مليار دوالر بدءا من العام القادم وحتى عام .2025

وفـي مقابل انخفاض اإلمــــدا­دات إلى أوروبــا والـواليـا­ت املتحدة، ردت روسيا بــزيــادة صـادراتـهـ­ا إلــى أســـواق ضخمة على رأسها الصني والهند، وفتح أسواق جديدة، خصوصا في الدول اجملاورة مثل تركيا. غير أن الـصـادرات الروسية ميكن أن تتأثر سلبا بسبب رفض شركات النقل البحري التعاقد على حتميل وشحن النفط الروسي، ورفض شركات التأمني إصدار وثائق لتأمني احلموالت، ورفـض البنوك ومؤسسات التمويل قبول طلبات لتمويل شـراء النفط من روسيا. وتتوقع روسيا انـخـفـاض أسـعـار نفطها بسبب حتديد سقف األسعار عامليا، وحظر دخوله إلى أسواق االحتاد األوروبـي اعتبارا من 5 من الشهر املقبل، ثم وقف استيراد املشتقات النفطية اعتبارا من 5 شباط/فبراير املقبل. وقـد وضعت احلكومة الروسية ذلـك في االعتبار في تقديرات امليزانية للعام املقبل، إذ تتوقع انخفاض املتوسط العام لأسعار إلى 70 دوالرا للبرميل من خام األورال، وأن االنخفاض سيستمر حتى عام 2025 حيث يبلغ متوسط السعر املتوقع 65 دوالرا.

املــشــاو­رات التي جتــري حاليا لوضع الترتيبات الفنية والتجارية حلظر دخول النفط الروسي الروسي احملمول بحرا إلى دول االحتاد االوروبـي، ثم حظر املشتقات النفطية في العام القادم تتضمن حتديد سقف أسعار خـام األورال الـروسـي مبا يتراوح بني 65 إلى 70 دوالرا، وهو سعر يدور حول متوسط أسعار السوق في األسبوع األخير، كما أنه أعلى من أقل سعر منذ بداية العام احلالي 60.47( دوالر للبرميل). ومع أن الفكرة الرئيسية التي عرضتها مجموعة الدول السبع لتحديد سقف األسعار كانت تقوم على إضافة هامش ربح ضئيل جدا إلى تكلفة إنتاج النفط الروسي، فإن املدى السعري املقترح قد اتخذ أسعار السوق أساسا له وليس قيمة التكلفة، وهـو ما سيقلل من أثر حتديد سقف لأسعار.

ويشكك كثير من اخلبراء ومؤسسات االسـتـشـا­رات االقتصادية املستقلة في قــدرة الــدول الصناعية على فـرض حظر كامل على النفط الروسي داخل أسواقها، كما يشككون في قدرتها على إلزام العالم بسقف األسعار الـذي تعتزم فرضه على السوق. وقد وصف وزير اخلزانة األمريكي السابق ستيف منوتشني اقـتـراح فرض سقف ألسعار النفط الروسي بأنه أكبر فكرة مثيرة للسخرية سمعها في حياته، إلى جانب عدم إمكانية تنفيذها. وقالت

مؤسسة بلومبرغ أن العقوبات األوروبية املتعلقة بحظر دخول النفط الروسي اعتبارا من 5 من الشهر املقبل لن متنعه من الدخول بالكامل. وفـي الوقت نفسه، هـدد وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بأن روسيا لن تتعامل مع الــدول التي تعرض شراء النفط الروسي على أساس سقف األسعار، وأكـد على رفض بـالده ألي نوع من أنواع التدخل في السوق لتحديد األسعار. وال شك أن ما يهم روسيا هو حتقيق ثالثة متطلبات: األول جتنب التقلبات احلادة في األسعار، الثاني هو إتاحة أسواق كافية الستيعاب صادرات روسيا الضرورية للتنمية ومتويل اإلنفاق، والثالث هو أال يقل سعر السوق عن السعر املقدر في امليزانية السنوية. وفي حال انخفاض املتوسط العام لسعر خام األورال إلى ما دون تقديرات امليزانية، فإنه من املرجح أن تنفذ روسيا تهديدها بتخفيض إنتاج النفط، ومن ثم دفع املستوى العام ألسعار النفط العاملي إلى أعلى، وذلك على العكس مما يعتقد املسؤولون في وزارة اخلزانة األمريكية.

روسيا تتجاوز ذروة تأثير العقوبات

اإلجـراءات التي اتخذتها روسيا لتقليل

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom