Al-Quds Al-Arabi

اليورانيوم الوفير ال يجلب الكثير للنيجر

-

تأثير العقوبات حققت جناحا كبيرا بشهادة صـنـدوق النقد الـدولـي، الــذي يتوقع أن ينكمش االقتصاد الروسي بنسبة 3.4 في املئة فقط على مدار العام بأكمله، وهو ما يقل إلى حد بعيد عن التوقعات الكارثية التي راجت في أعقاب احلرب األوكرانية وفرض العقوبات. وأشار الصندوق بشكل خاص إلى «صمود صادرات النفط اخلام والطلب احمللي، مع دعم متزايد للسياسات املالية والنقدية، واستعادة الثقة بالنظام املالي». وتقدر احلكومة الروسية حاليا أن االنكماش االقتصادي سيكون في حدود 3 في املئة فقط. ومــن أهــم املـشـروعـ­ات املستقبلية التي يتبناها فالدميير بوتني، مشروع ربط صادرات الغاز الطبيعي الروسي بأوروبا عن طريق خطوط أنابيب عبر تركيا بدال من أوكرانيا أو أملانيا، وتوسيع نطاق التعاون مع اليابان في استخراج الغاز وتصديره من جزيرة سخالني، إلى جانب توسيع نطاق التعاون مع الصني والهند. كما تستخدم روسيا معدالت خصم على األسعار لعمالئها املفضلني، كأحد أساليب كسر العقوبات على صادرات النفط الروسي. ويتردد االن في أسواق ناقالت النفط أن روسيا تعمل لالستعانة بأسطول ناقالت في السوق الـرمـاديـ­ة لتصريف نفطها فـي اخلــارج، إضافة إلى استبعاد الــدوالر من التمويل والتسويات التجارية.

آليات السوق في جانب الطلب

ال حتـتـاج الـــدول الصناعية الغربية املستهلكة للطاقة، الستخدام اتفاقيات فيما بينها لتثبيت أو تخفيض األسعار في السوق، ألن مثل هـذه االتفاقيات تؤدي إلى إرباك السوق وتشويهها وإثارة عوامل عـدم االستقرار لفترة طويلة. كما إنها ال يجب أن تعتمد على العقوبات االقتصادية من أجل حتقيق أهـداف سياسية. وتثبت جتربة الواليات املتحدة بعد األزمة النفطية األولى عام 1973 أن آليات السوق العادية توفر للدول املنتجة واملستهلكة الوسائل االقتصادية الكفيلة بتحقيق أهدافها، وذلـك من خالل أدوات للتأثير في الطلب مثل آلية اخملــزون االستراتيج­ي للنفط، الذي يتم استخدامه في أوقات األزمات أو نقص اإلمــدادا­ت أو حتى ارتفاع األسعار في السوق إلـى مستويات غير مقبولة. وكذلك سياسة اخملزون التجاري بواسطة الشركات ومحطات الكهرباء ومصافي التكرير. ويتم السحب من اخملزون بدال من الشراء في أوقات األزمات، وهو ما يؤدي النخفاض الطلب واألســعــ­ار، ســواء في أوقات نقص اإلمدادات أو ارتفاع األسعار. ومن املفترض في قواعد إدارة اخملزون أن يتم تعويض الكميات التي مت سحبها بعد تراجع األسعار. كذلك فإن من بني أدوات التأثير على السوق، رفع كفاءة االستثمار في قطاعات الطاقة املتجددة، واستخدام التكنولوجي­ا املوفرة للطاقة، والتحول عن الـوقـود األحــفــو­ري، إضـافـة إلــى حتويل التجارة بطرق غير سياسية، باستخدام املزايا النسبية، وعقد اتفاقات مضمونة طويلة األمد مع موردين آخرين. ونظرا ألن أوروبا ترتبط جيوقتصاديا بسهول األورال وبحر قزوين، فإن فصلها اقتصاديا عن روسيا يحمل مخاطر كثيرة. ومن النتائج التي نشهدها بسبب ذلك ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى في الــ04 عام األخيرة، وأزمـة إمــدادات الطاقة، وتراجع معدالت النمو االقـتـصـا­دي إلــى حـد الــوقــوع في مصيدة االنكماش.

تواجه النيجر التي تعتبر مزودا رئيسيا باليورانيو­م لالحتاد األوروبي، صعوبة في تأمني موارد من هذا املعدن اخلام بسبب انخفاض األسـعـار وصعوبة استغالل االحتياطات واملستثمري­ن الدوليني الذين يبدون جشعني جدا في بعض األحيان.

ويــأســف وزيــــر املــنــاج­ــم النيجري يعقوبة هاديزاتو أوسيني ألن «صناعة اليورانيوم على املستوى العاملي تشهد توجها متواصال لهبوط األسعار». وذكر خصوصا «الضغط البيئي» بعد كارثة مفاعل فوكوشيما الياباني أو استغالل «رواسب غنية في كندا خصوصا».

ويعني ذلك عمليا توقف العمل منذ 2014 في موقع البناء الضخم حلقل إميورارين الذي كان يفترض أن ينتج خمسة آالف طن سنويا ملدة 35 عاما «نظرا لظروف السوق» كما أوضحت مجموعة «أورانو» الفرنسية التي كان يفترض أن تدير املوقع.

وخفضت مجموعة «أريـفـا» السابقة مؤخرا عملياتها في هذا البلد الذي يؤمن ألوروبا عشرين في املئة من احتياجاتها من اليورانيوم. والعام املاضي، أوقفت شركة «كوميناك» أحد فروعها املوجودة منذ سبعينات القرن العشرين في منطقة أرليت الصحراوية، أنشطتها بعد نفاد املوارد.

وانخفض إنتاج موقعها الثاني الذي تديره شركة «سومير» التابعة لها، مع استخراج ألفي طن في ،2021 مقابل ثالثة آالف طن قبل تسع سنوات.

هــل هـــذا يعني انـتـهـاء الـيـورانـ­يـوم النيجري؟ واجلواب: ليس بالضرورة.

فبعد سـنـوات مـن تراجعها، تشهد األسـعـار بعض االرتـفـاع إذ وصـل سعر الرطل من اليورانيوم إلى 50 دوالرا، وهو رقـم بعيد عن الـــ011 دوالرات في 2007 ولكنه أعلى من االسعار التي سجلت في نهاية .2010

ويقول خبير فرنسي في هـذا اجملال طالبا عدم الكشف عن هويته، ان «األسعار منخفضة مقارنة بكلفة اإلنتاج ومت أغالق عــدد كبير مـن املـنـاجـم لـهـذا السبب». ويضيف أن «التعافي اليوم بطيء وعلى األمــد الطويل، هناك احتياجات كبيرة خصوصا حملطات الطاقة في روسيا أو الصني».

فرنسا لم تعد وحيدة

وهـذا العاملية.

فقد حصلت شركات صينية وأسترالية وأميركية وبريطانية وإيطالية وكندية وهندية وروسية على تصاريح للتنقيب في السنوات األخيرة.

ويوضح وزير املناجم النيجيري «اليوم لدينا 31 امتيازا للتنقيب عن اليورانيوم و11 املستقبل

يثير شهية الشركات تصريحا لتعدين اليورانيوم سارية».

في اخلامس من تشرين الثاني/نوفمبر، قامت شركة «غلوبال آتوميك كوربوريشن» بأول عملية استخراج رمزية لإلعالن عن بدء تعدين اليورانيوم في موقعها الذي يبعد حوالى مئة كيلومتر جنوب أرليت.

ووعدت بضخ حوالي 121 مليار فرنك أفريقي 184.4( مليون يورو) في بناء منجم في عام .2023 وأكـد الرئيس النيجيري محمد بـازوم في نهاية العام املاضي أن «اليورانيوم مفتوح ألولئك الذين لديهم القدرة التقنية الستغالله».

وقـــال خلبير الـفـرنـسـ­ي إن «هـنـاك مستقبال لليورانيوم في النيجر لكن ليس بالضرورة مع فرنسا».

تاريخيا، لم تستفد النيجر كثيرا من ثراء تربتها. ففي 2020 لم تتجاوز مساهمتها في امليزانية الوطنية الـ2.1 في املئة.

وحتـول هـذا املوضوع مـرات عـدة إلى مواجهة سياسية اقتصادية مع القوة االستعماري­ة الفرنسية السابقة.

في ،2007 طالب الرئيس مامودو تاجنا بــزيــادة تصل إلــى نسبة 40 فـي سعر شراء اليورانيوم من قبل شركة «أريفا» الفرنسية. وكان خليفته محمدو إيسوفو وهـو موظف سابق في «أريـفـا» غاضبا من أن عائدات اليورانيوم الذي تعد بالده رابع أكبر منتج له في العالم، ال تشكل اكثر من «خمسة في املئة من إيرادات امليزانية الوطنية» في ذلك الوقت.

وفي 2014 وبعد مفاوضات مطولة، مت التوقيع على اتفاق حتصل مبوجبه النيجر على فوائد أفضل من خـالل بناء منجم إميورارين العمالق، الذي ال يزال منتظرا.

ويؤكد منسق شبكة النيجر ملنظمات الشفافية وحتليل امليزانية وهي ائتالف ملنظمات غير حكومية، علي ادريسا لوكالة فرانس برس أنه «ال توجد شراكة رابحة: النيجر لم يكن لديها ربـح من استغالل اليورانيوم».

ويقول تشيروما أيسامي مامادو اخلبير النيجري إن اليورانيوم «لم يجلب لنا سوى اخلراب وكل الفوائد لفرنسا» مشيرا إلى االحتكار شبه الكامل من قبل «أورانــو» (أريفا سابقا) حلوالي نصف قرن .

وتــقــول «أورانـــــ­و» أنــه «مـنـذ إنشاء شركات التعدين في النيجر، وحتى نهاية 2021 استفادت النيجر من 85 في املئة من االنعكاسات االقتصادية املباشرة لشركات التعدين التي تتألف من رسوم التعدين والضرائب والرسوم األخـرى، واألرباح».

وتـضـيـف الـشـركـة الفرنسية أنها استثمرت عشرات املاليني من اليورو «في مشاريع لتحسني صحة السكان، وتعليم األطفال، واحلصول على املياه، والتنمية االقتصادية للبلديات في املناطق التي تقع فيها مواقع التعدين». (د ب أ)

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom