البلدة القديمة في غزة تاريخ عريق تعاقبت عليها العديد من الحضارات
إسماعيل عبدالهادي
تعتبر مدينة غـزة القدمية أو ما تسمى البلدة القدمية الواقعة إلــى الـشـرق مـن قطاع غــزة، من أقـــدم املـــدن امل ـت ـج ـذرة فــي عمق التاريخ، تعاقبت عليها العديد من احلضارات عبر العصور القدمية، ومن أبرزها احلضارة الكنعانية والرومانية واليونانية والبيزنطية واململوكية واآلشـــوريـــة، حيث اكتسبت املدينة أهمية بالغة وكانت مقصدا للحضارات التي أقامت فيها، ملوقعها اجلغرافي احلساس عند ملتقى قارتي آسيا وأفريقيا. ورغـم تعاقب تلك احلضارات إال أن اسمها بقي خالدا دون تغيير أو تبديل، وأطـلـق عليها العرب قـدميـا اســم غــزة هـاشـم، نسبة إلى جد الرسول (ص) هاشم بن عبد مناف، الذي دفن فيها أثناء وفاته خالل إحدى الرحالت، كما أن اإلمبراطور نابليون بونابرت، وصفها بأنها بوابة آسيا ومدخل
أفريقيا لتؤكد حساسية وأهميتها اجلغرافية.
وتروي مدينة غزة القدمية على أرضها حكايات عشقها الساكن فيها، فقد بنيت على هذه الطريقة املعمارية، لتبقى لوحة مسكونة بخطوات من مروا عليها عبر الزمن وأقاموا فيها من أقوام وشعوب. فغزة العتيقة حتمل عبق آالف السنني من معمار أثري، ومن يسير فـي طرقاتها تصادفه اجلــدران القدمية واألقــــواس التي تتميز بلونها الرملي والتي تعود إلى احلقبة العثمانية، وجزء آخر يعود للحقبة اململوكية، حالها كحال املدن العريقة كأريحا الفلسطينية وبابل العراقية ودمشق. لكن موقع املدينة املميز عن دونها من املناطق اإلقليمية األخرى، جعل العديد من احلضارات تتعاقب عليها، وهذا ساهم فـي رســم طابع معماري خاص بها في كل حقبة تاريخية، ولـكـن حاليا ومــع تـزايـد أعــداد السكان في تلك املدينة، امتدت
موقعها
وتوسعت مساحتها ومتدد البناء اخلرساني اجلديد، وساهم ذلك في هدم واندثار العديد من املباني القدمية، وتدريجيا اختفت مالمح البلدة القدمية ولم يبق إال القليل من املباني األثرية. فاجلزء املتبقي عبارة عن املباني العامة كاملساجد والكنائس والــزوايــا واملـــدارس واملقابر واألســواق واحلمامات، ومعظم هــذه املباني تـعـود إلى الفترة اململوكية والعثمانية.
االحتالل دمر كنوزا أثرية
وتتوزع البيوت التقليدية على أحـيـاء الـبـلـدة الـقـدميـة وتتركز فـــي أحـــيـــاء الـــــدرج والــزيــتــون والشجاعية، والعدد األكبر منها مهجور وغير مستخدم، ومنها ال يـزال مسكونا كمبنى سكني أو كمراكز ثقافية خلدمة الناس، ومع وجود بعض املعالم األثرية العريقة بــني أزقـــة هـــذه األحـــيـــاء، تبقى املدينة تستقبل الـــزوار احملليني
واخلارجيني للتمتع بالنظر إلى تلك املعالم، التي بنيت بطابع هندسي معماري خـالب، وال ميكن إغفال بعض املسببات التي أدت إلى اندثار البعض من هذه املعالم إلى جانب الزحف السكاني، ومن ذلك العوامل املناخية التي لعبت دورا في طمس بعض املعالم، إضافة إلى أن االحتالل اإلسرائيلي كان له دور كبير في تدمير جزء من هذه الكنوز األثرية، من خالل القصف العشوائي خالل احلروب املتعاقبة على قطاع غــزة، حيث تعرضت املـديـنـة الـقـدميـة لـضـربـات من القذائف العشوائية اإلسرائيلية خـالل الـعـدوان على غـزة صيف .2014
وتشمل البلدة القدمية العديد مــن األحـــيـــاء الـسـكـنـيـة ومنها حـي الـزيـتـون والــــدرج والتفاح والشجاعية، وهذه األحياء تطورت بشكل كبير مـن حيث العمارة والـطـرقـات وغيرها مـن املرافق األخــرى، لكنها ما زالـت حتتضن الـعـديـد مــن املـعـالـم التاريخية القدمية، ومـا زالــت بحالة جيدة بفعل عمليات الترميم التي أجريت مؤخرا عليها حلفظها من الضياع.
املسجد العمري الكبير
ومـن أبـرز هـذه املعالم املسجد العمري الكبير والذي يقع في حي الـــدرج، ويعتبر من أقــدم وأعـرق املساجد في مدينة غزة، حيث سمي باملسجد العمري نسبة إلى اخلليفة عمر رضي الله عنه، وبالكبير ألنه أكبر جامع في غزة وتبلغ مساحته 4100 متر مربع، ويحمل 38 عامودا من الرخام اجلميل واملتني، إضافة إلــى البناء الـــذي يعكس جمال وروعـــة الـفـن املـعـمـاري الـقـدمي. وكـان املسجد في السابق عبارة عـن كنيسة شيدها أسقف غزة آنـذاك برفيريوس، وحتولت إلى مسجد عندما فتحت غزة في عهد عمر بن اخلطاب، حيث أقيم فيه محراب ومنبر واتخذ منه املسلمون
مسجدا للعبادة والصالة، وال يزال هذه املسجد يستقبل املصلني إلى هذا الوقت ويحتوي على العديد من الزوايا األثرية.
أما مسجد السيد هاشم الذي يقع فـي حـي الـــدرج، فيعتبر من املساجد ذات األهمية في مدينة غـــزة الــقــدميــة، ويـحـمـل طابعا تاريخيا ألن قبر هاشم بن عبد مناف جد الرسول (ص) موجود في إحدى غرفه اجلانبية وارتبط اسمه باسم املدينة، كما توجد على جوانب املسجد مجموعة من الـغـرف، كانت سابقا عبارة عن مدرسة لتعليم املذاهب اإلسالمية.
سوق الذهب
سوق القيسارية أو ما يسمى سوق الذهب، يقع في حي الدرج بـالـبـلـدة الـقـدميـة مبـديـنـة غـزة ومالصق للمسجد العمري، هو عبارة عن شـارع ضيق مسقوف بقبو مدبب وطوله قرابة 60 مترا