Al-Quds Al-Arabi

انشغال كبير بظاهرة ركوب شباب موريتانيا األخطار من أجل الهجرة إلى أمريكا

-

نواكشوط ـ «القدس العربي»: عبد الله مولود

تتالت في موريتانيا مناشدات الساسة واحلقوقيني واملدونني للحكومة املوريتاني­ة بالنظر في ظاهرة ركوب شباب موريتانيا األخطار للهجرة إلى أمريكا متسللني عبر حدود تسع دول بينها البرازيل وكولومبيا وبنما وغواتيماال.

وجاءت هذه املناشدات بعد تداول صور لشباب مهاجرين أثناء نومهم في العراء بني الغابات املوحشة، وآلخرين وهم يتسلقون السور الفاصل حلدود املكسيك الدولية، وبعد ورود أخبار عن وفاة أو غاصبة شاب بعد سقوطه من السور اخمليف.

وأعـاد مهتمون بهذه الظاهرة أسبابها لعدة عوامل في مستهلها ارتـفـاع أعـداد العاطلني املوريتاني­ني بفعل ضيق سوق العمل وتـدنـي األجـــور، ومنها مـا يقرؤه الشباب عن الشهرة واملــال التي حصل عليها عبر العقود املاضية، مهاجرون أفارقة بينهم موريتانيون يتصدرون اليوم واجهة اجملتمع، وبينها حلم الشباب املوريتاني بالرفاه والثراء الذي جعل أعداد مهاجريهم تـزداد شرقا وغربا، شماال وجنوبا على مدى العقود األخيرة.

ومـع هــذا، تصل إلـى موريتانيا أخبار الشبان الذين غامروا بالهجرة إلى أمريكا، وحققوا في ظـرف وجيز مداخيل مالية كبيرة، اختصرت لهم الطريق وحمتهم من طول املعاناة.

ومن أسباب هذه التدفق نحو األراضي األمريكية، حسب متابعي هذا الشأن، تشدد القنصلية األمريكية في موريتانيا في منح التأشيرات للمتقدمني لها من الشباب،

وهو تشدد يعيده األمريكيون لتأكدهم من أن نيات طالبي التأشيرات ليست السياحة والعدوة، بل العمل واإلقامة.

أمــا مـسـارات وســيــرور­ة هــذه الهجرة الشاقة فهي غريبة ومتنوعة، ويبدأها من موريتانيا الشباب ذوو الدخل احملدود حيث يسافرون برا ثم بحرا إلى البرازيل وتتولى شبكة متخصصة استقبال القادمني وترحيلهم عبر طــرق خـاصـة، بواسطة مندوبني للشبكة متخصصني في قانون الهجرة وفي سراديبها.

ومير املهاجرون بأصعب محطات الهجرة التي تتم بالتنسيق مع عصابات التهريب والسمسرة محترفني، وقد ينتظر املهاجر أسابيع الكتمال العدد الكافي من املتسللني الذي ميكن للشبكة اعتمادا على ما سيدفعه املغامرون، من تسيير مربح للرحلة.

حافالت وزوارق وسير

ميـر املهاجر فـي مغامرته بعدة دول متسلال بني بوليفيا وغواتيماال وبنما، مستخدما شتى وسائل النقل من حافالت وزوارق، وفي مقاطع كثيرة يسافر املهاجر سيرا على األقدام لتفادي احلواجز األمنية.

ويضطر املهاجرون في كثير من األحيان للتخفي داخل حاويات معدة لهذا الغرض، إلى حني الوصول للمكسيك، حيث يقترب املهاجر من حتقيق حلمه.

أما الشبان امليسورون فيختزلون املسار بالسفر إلى أوروبـا ودخـول املكسيك عبر املـطـار، متفادين بذلك تدقيقات شرطة احلـدود املفروضة على الداخلني برا إلى املكسيك، ومن ثم يتمكنون من اخلروج من احلدود املكسيكية باجتاه أمريكا.

وبعكس املهاجرين الـفـقـراء، يحظى املهاجرون من ميسوري احلــال مبتابعة ذويـهـم عبر الـهـاتـف، وبحصولهم على مـا يحتاجونه مـن أمـــوال عبر حتويالت واحلواالت.

وللهجرة املوريتاني­ة خالل العقود الثالثة املاضية، أمناط عديدة وقد جاء بعضها على أشكال موجات، وفقا لتقرير نشرته اجلالية املوريتاني­ة في أمريكا.

ومن هذه األمنـاط الهجرة االقتصادية والسياسية إلى أوروبا وأمريكا الشمالية، وقد بـدأت في أوائـل التسعينيات حينما واصلت الوضعية االقتصادية والسياسية تدهورها في موريتانيا.

ويتألف مهاجرو هـذه الوجهة الذين يعدون باملئات، من شريحة شابة ومتعلمة غالبا، لكنها كانت تصارع ضآلة فرص التوظيف املهم في موريتانيا.

ويــدعــي الـكـثـيـر­ون حاجتهم للجوء السياسي عند وصولهم للدول الغربية. ولبيان كثرة عدد املهاجرين املوريتاني­ني إلى أمريكا، يؤكد التقرير أنه في الواليات املـتـحـدة وحــدهــا، قــام مكتب اإلحـصـاء األمريكي سنة 2000 بتحديد 2225 مولودا موريتانيا في الواليات املتحدة رغم ميل املكتب إلـى التقليل من املواليد األجانب بسبب عدم توفر اإلقامة القانونية.

ومن املنقول املتواتر أن غالبية سائقي سيارات األجرة في مطار سنسناتي إحدى أكـبـر مــدن واليـــة أوهــايــو األمريكية هم موريتانيون، مت االعتراف، من قبل السلطات البلدية األمريكية بجهودهم، وتفانيهم في العمل. ومن هجرات املوريتاني­ني للخارج، هجرة األدمغة أو هجرة النخبة وهي شريحة صغيرة، ولكنها مهمة لكونها متعلمة، إذ

يوجد من بينها املهندسون واألكادميي­ون والدكاترة، ورجال االقتصاد، ويتم توظيف هؤالء بسهولة في مؤسسات دولية شهيرة، وفي جامعات، وشركات خصوصية.

وهناك الهجرة نحو دول غرب ووسط أفريقيا، وميارس املوريتاني­ون املهاجرون فـي هــذه املنطقة، مهنة الـتـجـارة ممثلة في الدكاكني واجملمعات التجارية، وقد سيطروا تاريخيا على قطاع التجارة في عدة دول مجاورة مثل السنغال ومالي وساحل العاج.

وحافظت موريتانيا كمستعمرة فرنسية سابقة على عالقات اقتصادية وثقافية وسياسية مع فرنسا، التي تخرج منها الــطــالب املـوريـتـ­انـيـون األوائــــ­ـل، وبقي الكثيرون منهم في فرنسا.

وكانت أكبر موجة هجرة إلـى فرنسا حدثت منذ بدايات الستينيات إلى وسط الثمانينيا­ت عند ما كانت فرنسا ترحب بالعمال األقل مهارة من أجل تعزيز منوها االقتصادي وإعادة إعمارها.

جدل حول حلم أمريكا

هذا وأثـارت قصص ومغامرات وصور املهاجرين املوريتاني­ني املـنـشـور­ة على شبكات التواصل هـذه األيـــام، جـدال بني الساسة واحلقوقيني.

وكتب القيادي اإلسالمي محمد جميل منصور «الشباب يشكو، وأخبار الهجرة ومحاوالتها متداولة، مغامرات ال يلوي كثير من أصحابها على شيء، في الشارع وأمام بعض الوزارات وفي بعض مطارات العالم يوقفك شاب ليبثك همه وهموم أصحابه وأقرانه». وتساءل ولد منصور «أال تستحق

هـذه الوضعية انتباها حكوميا ودراسـة جــادة تتوقف عند أسباب هـذا الهروب من أرض الوطن، ومبادرات على مستوى الـتـحـدي تفتح األمـــل لــهــؤالء الشباب، وتدمجهم في مجاالت استغالل الثروة القائمة واملتوقعة؟».

وقال «ال بد من سياسة فعالة وسريعة في اجتـاه شباب حائر يرى شبح الثروة والشغل بعيدا وراء البحار».

أما وزير اإلعـالم السابق سيدي محمد ولـد محم فقد أكـد، من زاويــة أخـرى «أن الهجرة والهجرة املضادة ظاهرة إنسانية ساهمت في تالقح الثقافات واحلضارات وساعدت على تبادل اخلبرات وتقاسم الثروات، ولم تكن يوما في حياة أية أمة أمًرا سلبيا، وبقدر ما لها من فوائد ال تقدر فإن لها أحياًنا ثمنا».

وللهجرة فوائد

ويـــرى وزيـــر اإلعـــالم السابق سيدي محمد ولد محم أن للهجرة فوائد كثيرة، فهناك مناطق موريتانية عديدة في واليات وكيدمياغه والعصابة ومناطق أخـرى، شيدت بسواعد املهاجرين املوريتاني­ني وحتويالتهم من عرق اجلبني والسفر الذي ال يتوقف، وعليهم تعتمد أالف العائالت في قوتها اليومي، وفي تعليم أبنائها وصحة أفرادها».

وأضــــاف فــي تـدويـنـة ضـمـن اجلــدل املشتعل عن الهجرة «ميثل آالف املهاجرين املصريني واملغاربة والتونسيني إلى أوروبا واخلليج واألمريكيت­ني أهم رافد من روافد اقتصادات هذه البلدان، كما تكتظ املدن األوروبـيـ­ة وضواحيها بـآالف املهاجرين الـقـادمـن­ي مـن اجلــزائــ­ر (وهـــي مـن أكبر مصدري الغاز والنفط في العالم) مشكلني قوة ضغط هائلة ومؤشر حتول كبيرا في دميوغرافيا القارة العجوز، ناهيك عن آالف املهاجرين األتـراك إلى أملانيا، والهجرات التي ال تنقطع من شرق أوروبا إلى غربها وباجتاه أمريكا».

وزاد «أثمرت هجرات العرب واألفارقة إلــى أوروبـــا واألمريكيت­ني رؤســـاء دول من أبناء هذه اجلاليات وعلماء فطاحلة وأثرياء من احلجم الكبير ساهموا في شد االنتباه إلى بلدانهم األصلية والتعريف بها ومساعدتها في مختلف اجملاالت».

أمــا عـن الهجرة إلــى اخلليج، يضيف ولـد محم، فحدث بال توقف حيث تقوم اقتصادات دول عربية وآسيوية عديدة كالهند وباكستان ومـصـر وبنغالدش والفلبني على عائدات الهجرة إلى اخلليج دون أن يعتبر ذلك أمرا سلبيا لدى أي كان في هذه الدول، بل بتشجيع ودعم كبير منها دائما.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom