Al-Quds Al-Arabi

عبد العزيز ناصر: املوسيقار القطري وهموم العرب

- مروة صالح متولي ٭ كاتبة مصرية

■ للموســيقا­ر القطري الراحــل عبد العزيز ناصر، مشروعه الفني اخلاص الذي أقامه على جذور قطرية، بحــث عنها واعتنــى بها وأعاد صياغتها، لتحيا من جديد وقد اكتملت عناصرها الفنية، وامتد بالفروع لتكون عربية عامة، تصل إلى اجلميع مشرق ًا ومغرب ًا.

ومــن يتأمل مــا تركه مــن أحلــان غنائية، ومعزوفات موســيقية بحتة، يستطيع أن يفهم فكره ورؤيته، وكيف كان ينظر إلى املوســيقى عمومــا. ومــا كان يريــده للمســتمع العربي، وللموســيق­ى العربية على وجــه اخلصوص، من تنوع واتصال عميق باحلياة، واشــتباك مع هموم العرب التي توحدهم وجتمع بينهم.

عاش عبد العزيز ناصر في الفترة من ســنة 1952 إلــى ســنة ،2016 أي أنه عاصــر أكثر من حقبة موسيقية، فنشــأ وتفتحت مسامعه على موســيقى عربية، تكمل نهضة بدأتها قبل عقود. ثم شهد انتكاساتها املتتالية، وتدهورها العنيف بكل ما فيــه من غرائب وأعاجيب، وانكماشــه­ا وتقلصهــا، ووجودهــا الضعيف في مســاحة محــدودة، وازديــاد تلك احملدوديــ­ة التي كان يرفضها هو في األصــل. وظل يعمل على حترير املوسيقى من قبضتها، حتى آخر فترات حياته، بوالء كامل للموسيقى واملستمع، فال يلتفت إلى ســواهما، وال يشغله ما يشــغل البعض، الذي يتخذ من الفن وسيلة، إلشباع نهم مادي ال يهدأ أبــدا، وإن كان الثمن حياة الفن نفســه، وموت التحضر وتبلــد الوجدان، وتوحــش اجملتمع وشراسة البشر.

في سبيل املوسيقى

كان عبــد العزيز ناصــر يحب املوســيقى، ويــدرك قيمتهــا ويحفــظ لهــا قدرهــا. يحب اإلنســان، ويعرف كم هو أمر عظيــم، أن يكون اإلنســان إنســانًا حقًا، وأنه ال حــدود للرقي اإلنســاني، وكان يساهم باملوســيق­ى في تنمية هــذا الرقي. يحــب وطنــه، وأرضــه وبحره وســماءه، فكان البلد صغير املساحة كبيرا في قلبه، وكان يريد لقطر أن تعرف موسيقاها، وأن تنطق هذه املوســيقى مبشاعر قطرية، تعبر عن الثقافة واألصل والهوية. يحب أوطانه العربية األخرى، يأسى لضياعها واحتاللها وانهيارها، ويجرحــه تكســرها وحتطمهــا. يحــب أخاه العربــي، وال يرضى له الهــوان والظلم واملوت البشع، يريده حرًا عزيزًا، ال أسيرًا حتت سطوة الطغــاة واجلبابــر­ة، يتمنــى أن يأخذ فرصته الكاملة في احلياة، وأن يتمكن من حتقيق شيء على هذه األرض. وإلى جانب كل هذا، رمبا كان فــي قلبه حب لم يكتمل، ولــم يتحول إلى زواج وأســرة وأبناء، لكنه ظل ســاكنًا مقيمًا في ذلك القلب، صامتا ال يبــوح، وفي صمته هذا يفيض رقًة وعطفًا ووداعة على الشــعور الفني. هكذا كان عبــد العزيز ناصــر محبًا كبيــرًا، ذا حس إنســاني مرهف ووعي مؤلم، لكــن كيف ملن لم يعرف عبد العزيز ناصر، أن يقرأ في شــخصيته كل هــذه األمور؟ إنــه يســتطيع أن يقرأها من خالل موســيقاه، واختياراته وقراراته الفنية، وذهابه نحو أفكار معينة، ونوع وطبيعة الكلمة التي تســتهويه، وجتذبه إليها ليقوم بتلحينها. فعندما يســتمع املرء إلى منجــزه اإلبداعي، ال يكون قد اســتمع إلى أعمال موســيقية حسب، وإمنا اطلــع على مشــروع فكــري وثقافي، له أبعاده وأهدافــه، وفيه إعالن صريح عن بعض التوجهــات، واملواقف اإلنســاني­ة واألخالقية،

والفنية والوطنية.

عاش عبــد العزيــز ناصر طفولة ســعيدة، كما يــروي هو بنفســه فــي بعــض حواراته التلفزيوني­ــة، نِعم في هــذه الطفولة باحلنان والــدالل، مــن األب واألم واإلخــوة الذين كان هو أصغرهم. وكان البيــت منفتحا على الثقافة والفنون، فتعــرف ناصر على آلــة الكمان منذ طفولته، وبــدأ في العزف عليهــا، وكان يعزف علــى العود أيض ًا. وعندما وجد في نفســه مي ًال إلى السينما ومشاهدة األفالم، أحضر له الوالد شاشة عرض سينمائية في البيت. إال إنه وعلى الرغم من هذا االنفتــاح الثقافي، وعندما وصل األمــر إلى الرغبة في احتراف املوســيقى، أظهر الوالد بعضا مــن التردد واخلــوف على االبن احلبيب، نظــرا ألنه كما يذكر ناصر، كان يواجه ضغطا مجتمعيا، وحتذيرات من أن ابنه يســير فــي الطريق اخلطــأ، وإلى ما هنالــك من أفكار سلبية حول الفن واملوســيق­ى. لكن ناصر الذي لــم يفقد إميانه يوما باملوســيق­ى، متكن من بدء طريقه ومواصلة مسيرته، وقد فعل ذلك مبكرا، وهو في الرابعة عشــرة من عمره تقريبا، حيث قام الفتــى املوهوب بتكوين فرقة «األضواء» مع بداية تأسيس اإلذاعة القطرية في الستينيات. وكانــت هــذه الفرقة تقــدم فنون املوســيقى واملســرح عبــر األثير، وقــد جمع فيهــا ناصر املوهوبني من أهل قطر، وكل من لديه القدرة على الغناء والعــزف والتمثيــل، وكان هو من يدير ويشــرف على هذه الفرقة، التي رمبا كان بعض أفراده يكبره سنا.

ويبدو أن األفكار الســلبية حول املوســيقى، ظلت ســائدة بعد ذلك لكثير مــن الوقت، فنجد في أحد املقــاالت، التي كتبها ناصــر بقلمه في مجلة «الدوحة» ســنة 1980 هذا القول: «كانت املوســيقى عند علماء املســلمني، منــذ أكثر من ســتة قرون، علما مــن العلوم، يجــرون عليها أبحاثهم، وتتناولها أقالمهم وأفكارهم بالدراسة والتحليل، ويعقدون عالقــة بينها وبني العلوم األخرى، كعلــم الرياضيات والطب وعلم الفلك، وإذا بهــا في القرن العشــرين، وهــذا هو مثار دهشــتي، تصبح عارا على دارسها واملشتغلني بهــا». ويقــول في جزء آخــر من املقــال ذاته: «وتزداد دهشــتي حينما أجد التردد، من رجال العلــم واملعرفة ونحــن في القرن العشــرين، في إدخال مــادة التربيــة املوســيقي­ة، كمادة دراسية، في املراحل الدراســية العامة». ويدل ما كتبه ناصر في هــذا املقال، على مدى اهتمامه باملوســيق­ى، وحرصه على وجودها السليم في وطنه، وفي مجتمعه العربي بشكل عام.

املراحل الفنية

بعد أن أمت عبد العزيز ناصر دراسته الثانوية في قطر، كانت مصر هي الوجهة، واملرحلة التالية من املســيرة الفنية. فهو مــن خريجي أكادميية الفنون، حيث درس في معهد املوسيقى العربية، وعاش في مصر لســنوات أخــرى، امتدت بعد حصوله على بكالوريوس املعهد بتقدير امتياز. أنتج في هذه الســنوات بعض إبداعاته الفنية، وتعاون مع عدد من الفنانني والفرق املوســيقي­ة املصرية، وكان دائم التــردد على مصر بطبيعة احلال، حتى بعد أن عاد إلى قطر ليتولى منصبا إذاعيا مهما، وليكمل مشــروعه املوسيقي، الذي ينقســم إلى مراحل متميزة، منها مرحلة العودة إلى اجلذور، املتمثلة في ألبوم «من وحي التراث القطري» ومرحلة احملاوالت املوســيقي­ة البحتة

بعيــدا عن الغناء، ومرحلــة التلحني لألصوات الفرديــة، وللنجوم مــن املطربــني واملطربات العــرب، في األلــوان املعتادة مــن الغناء، وقد غنت أحلانه مجموعة كبيرة من األســماء، التي تنتمي إلى بلــدان مختلفة مــن الوطن العربي مشرقًا ومغربًا. كاملطربة املغربية نعيمة سميح، ولطفي بوشــناق ولطيفة من تونــس، وماجد املهندس مــن العراق، وعبد الله الرويشــد من الكويت، وطالل ســالمة وعبد اجمليــد عبد الله من الســعودية، وأصالة من سوريا، وفرج عبد الكرمي من قطر، ومدحــت صالح وعلي احلجار وهاني شــاكر وريهــام عبد احلكيــم من مصر. ومن كبار املطربني الذين ينتمون إلى جيل أقدم، املطربة املصرية اللبنانية سعاد محمد، واملطرب املصري الراحــل كارم محمود. ومرحلة التلحني لألصوات اجلماعيــة أو للمجموعــة، وهي من املراحل الالفتة جدا في هذا املشــروع املوسيقي. ومرحلة األحلان الوطنية، التي لم ترتبط بفترة زمنية معينة، والزمته بطبيعة احلال منذ البداية وحتى النهاية، وتعــد هذه األحلان الوطنية من أجمل أعماله، ذلك أنهــا تفيض باحلب الصادق اخمللص لوطنه قطر، وبعضها يجذب املســتمع غير القطــري، جلمالها اإليقاعي وحلنها البديع، كأغنية «الله يا عمري قطر». وقد نال عبد العزيز ناصر، شرف أن يكون هو من قام بتلحني النشيد الوطني القطري «قســما مبن رفع السماء» وأن يخلد اســمه في تاريخ بلده بهذا العمل اجلليل، إلى جانب أعماله األخــرى بالطبع. وأن تتردد مشاعره الوطنية التي جتسدت موسيقيا، على مســامع القطريني جيال بعد جيل، وأن ينتقل ما كان يدور في وجدانه من أحاسيس وطنية، إلى وجدان كل قطري.

وهناك أيضا مرحلة األحلان العربية العامة، والتي ميكن تسميتها أيضا مبرحلة تلحني الشعر،

وفيها اجته عبد العزيز ناصــر إلى قصائد كبار الشعراء العرب، كنزار قباني ومحمود درويش، وسميح القاســم وهارون هاشم رشيد وغيرهم من الشعراء. ليلتمس في هذه القصائد، تعبيرا عما يؤرقه من هموم العرب جميعا، وآالمهم التي يعايشــها، ومآســيهم التي تتحقق أمام عينيه. وليبحث أيضا لدى هؤالء الشعراء، عن الكلمات التي يريد أن يعبر عنها هو باملوســيق­ى. وتزخر هذه املرحلــة باألحلــان الرائعة، ولفلســطني النصيب األكبر من هذه األحلان، كقضية راسخة في القلــب العربي. ونراه كان فــي حالة بحث دائم، عن أجمل القصائد التــي تتناول القضية الفلســطين­ية، وفي قائمته من األشعار امللحنة، جند قائمة فرعية أخرى خاصة بفلســطني، ومن بعــض عناوين هذه القائمــة: «أحبك يا قدس» «يا قــدس يا حبيبتي» «ألجلك فلســطني» «أيها احملتل أرضي» «يا قــدس يا مدينة األحزان» «آه يا جرحي املكابر». كمــا حلن للبنان قصيدة «آه يا بيروت» وحلن للعراق «مرحبا يا عراق». ولم تكن أعماله في هذه املرحلة، مقتصرة على تلحني القصائد الوطنية أو القوميــة، فقد قام بتلحني بعض القصائد العاطفية، كقصيدة «تكبر تكبر» حملمود درويش. أما الشــعر السياســي، فيكاد أن ميثل مرحلة مســتقلة في مسيرة عبد العزيز ناصر الفنيــة، وما قام به مــن تلحني للقصائد السياســية، التي تعود في أغلبها، إلى الشاعر الســوري الراحل نــزار قباني، يعد مــن أكثر ما مييزه عن غيــره من امللحنــني العرب، ومن األعمال املهمة، التي تكاد تكون نادرة في املكتبة املوســيقي­ة العربية، وكان للموسيقار القطري عبد العزيز ناصر، الفضل في شغل جزء من هذا الفــراغ على أفضل نحو ممكــن. وكما هو احلال لدى الكثير من امللحنني، كان عبد العزيز ناصر، يجيد الغناء، أو يستطيع أن يغني غناًء سليمًا، على الرغــم من أنه لــم يحترف الغنــاء، ومن يستمع إلى بعض التسجيالت املتاحة بصوته، يجد أنه كان ميتلك صوت ًا جمي ًال هادئ ًا، ال ينقصه بعض جماليات وفنيات الصوت الرجولي، ومن هــذه التســجيال­ت، أغنية بعنــوان «مغربية» وأغنية «في يوم من األيام».

البحث عن اجلذور واألسلوب اللحني

كان عبد العزيز ناصر، يبحث عن املوســيقى في وطنه وداخل نفســه أيضا، وأخذ يجمع كل مــا كان ُيغنى فــي قطر قدميــًا، وكل حلن تناثر في هذه املنطقة أو تلــك. وأعاد تقدميه بصياغة حلنية متطورة، وتوزيع موســيقي ثري، يظهر اجلمال األصلي لهذا اإلبــداع الفطري، والقطع الغنائية التراثيــة أو الفولكلوري­ة، كأم احلنايا، ويا العايدو، والقرنقعوه، وحناج عيني، واحلية بيــة، وغيرها مــن األغنيات. وتعــد أغنية «أم احلنايا» مــن أجمل األحلان القطريــة، وتتميز نسخة عبد العزيز ناصر، من هذا العمل بالروح األصيلة والهوية اخلالصــة، إلى جانب التطور الفنــي والرقي الشــديد، واخليال املوســيقي املرتبط بالبحر، والســفر فــي رحالت الغوص بحثا عن اللؤلؤ. وكذلك فعل عبد العزيز ناصر، في أغنية «يا العايدو» املرتبطة باملرح الطفولي في األعياد. وأغنية «قرنقعــوه» املرتبطة بذلك االحتفال امللــيء باحللوى، في منتصف شــهر رمضان الكرمي. وأغنية «حناش عيني» املرتبطة باألفراح وحفالت الزفاف. وأغنية «احلية بية» املرتبطة بطقس قطري قدمي، حيث يقوم الصغار بإلقاء نبتــة مزروعة في إنــاء صغير، في مياه البحر ويكون ذلك في يوم عرفة، وتقول األغنية في بعــض مقاطعهــا: «حية بيــة، راحت حية ويــات حية، على درب احلنينية، واشــربي من ماي زمزم، عشيتج غديتج، نهار العيد ال تدعني علي».

لم يكن ذهــاب عبد العزيز ناصــر إلى تراثه القطري، مجرد رغبة في العــودة إلى اجلذور، واحلنني إلى األصــل وتعميق االرتباط به، بقدر ما كان بحثًا حقيقيًا عــن كيانه الذاتي اخلاص، كموســيقار قطري أوال، وموسيقار عربي بشكل عــام. وحتقيق االلتقــاء والتناغم بــني الهوية القطرية، والهوية العربية في املوســيقى، وهو ما نلمح نتيجته في موســيقاه، حيث يظهر األثر القطري اخلليجي، وقد اندمج بنعومة وسالسة مع األثر العربي الشرقي، فال يشعر املستمع بأي انتقاالت عنيفــة بني هذا وذاك، وهو يصغي إلى بعض أعماله، أو بأن النغمات تتراص إلى جوار بعضها، دون أن جتمعها عالقة.

ومن يســتمع إلى مثــل هذه األعمــال التي متزج بــني اللونني، يقف علــى ناحية من تفكير الفنان وفكره املوســيقي، ورغبته في أن يتجه مبوســيقاه إلى العرب جميعا. ويتميز أسلوبه اللحني أيضــا بجمال التعبير، ســواء التعبير عن الكلمة نفســها ومعانيها، أو عما خلقته هذه الكلمة في نفســه من أثر، ومــا ولدته من معان أخرى تدور في إطار الفكرة الرئيســية، ويعبر عنها باملقاطع املوســيقي­ة البحتة داخل األغنية. كمــا تتميز أحلانــه بوجود الفكرة املوســيقي­ة والــروح املوســيقي­ة أيضا، فال تطغــى الفكرة فيكون اللحن جافا، وال تطغــى الروح، فيكون األمــر مجرد مشــاعر غير منضبطــة أو محددة االجتاه.

على العكس من أغلب املوســيقي­ني وامللحنني العرب، الذين تنافســوا على تلحني أشعار نزار قباني العاطفية، ذهب املوســيقا­ر القطري عبد العزيز ناصر، إلى شــعر نزار قباني السياسي، وحلــن الكثير مــن قصائده القويــة اجلريئة، بكلماتها احلادة الصادقة، دقيقة الوصف لكل ما كان يجري وال يزال في األوطان العربية. وعلى الرغــم مــن أن األوضاع صارت أســوأ بصورة مذهلــة، عما كانت عليــه أثناء حياة الشــاعر الســوري الراحل، إال أن كلماته ال تزال تالمس الكثير من اجلروح، وتضع مرآة ضخمة في وجه البلدان العربية، لكي ترى نفسها جيدا، وتشاهد واقعهــا كما هو بال جتميل مصطنع، أو تشــويه مبالغ فيه. وفي أحلــان عبد العزيز ناصر، تبدو قصائد الشاعر الكبير ذات املواضيع السياسية احلارقة، في وئام كامل مع املوســيقى، كما لو أن نــزار قباني ال يرضى إال أن يكــون ُملهم ًا عظيم ًا للموســيقى، حتى من خالل شــعره السياسي. فال يخفى بالطبع كم كان شعره العاطفي، ملهما لكبار املوســيقي­ني العرب، الذين حلنوا قصائده في احلب والغزل، بداية من محمد عبد الوهاب، وصوال إلى األجيال احلديثة من امللحنني.

وال شك في أن شــعر نزار قباني سيظل هدفا كبيرا، يريد أن يبلغه كل موسيقي موهوب بحق مــن األجيــال القادمة، وقد يكون تلحني شــعر نزار قباني السياســي، أشق وأعصى من تلحني شــعره العاطفي، لكن عبد العزيز ناصر، جنح في هذا جناحًا كبيــرًا، ومنح قصائد نزار قباني السياســية، أحلانا رائعة بليغة التعبير، تصف مشاعر اجلموع من الشعوب العربية، ومن أجمل ما حلنه من هذه القصائــد، قصيدة «معتقلون» التي تقول في بعض مقاطعها: «معتقلون داخل النــص الذي يكتبــه حكامنا، معتقلــون داخل احلزن وأحلى مــا بنا أحزاننــا، مراقبون نحن في املقهى وفــي البيت وفي أرحام أمهاتنا، حيث تلفتنا وجدنا اخملبر السري في انتظارنا، يشرب من قهوتنا، ينام في فراشنا، ال تفكر في عصافير الوطن، وبأشجار الوطن وأنهار وأخبار الوطن، ال تفكر بالذين اغتصبوا شمس الوطن».

وكذلك قصيدة «قمعســتان» التي حلنها عبد العزيــز ناصر ســنة ،2010 قبل عــام واحد من انــدالع ثورات احلرية ســنة ،2011 وشــاركت في هذه األغنيــة الطويلة مجموعــة كبيرة من املطربــني واملطربات العرب. وتعــد مثاًال رائعًا ميكــن من خاللــه التعــرف على، قــدرات عبد العزيز ناصر املوسيقية، وأسلوبه في التلحني، وهــو ينتقل من خاطر موســيقي إلى آخر، وفي غضبات املوسيقى وهدآتها، وحزنها الذي يكاد أن ينطق بال كلمات، وتقول األغنية في مطلعها: «قمعستان.. قمعســتان، لم يبق فيهم ال أبو بكر وال عثمــان، جميعهم هيــاكل عظمية في متحف الزمان».

ومن أجمــل مقاطعها التي أبــدع عبد العزيز ناصر في تلحينها، ذلك املقطع الذي يقول: «هل تعرفــون من أنا؟ أنــا مواطن يســكن في دولة قمعســتان، أخاف ان أجلس فــي املقهى، لكيال تطلع الدولة مــن غياهب الفنجــان، أخاف أن أدخل أي مســجد، كي ال يقال إني رجل ميارس اإلميان، كي ال يقول اخملبر السري، أني كنت أتلو سورة الرحمن».

 ?? ?? عبد العزيز ناصر
عبد العزيز ناصر
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom