Al-Quds Al-Arabi

فيلم «السباحتان» مساهمة في التزوير... حفرة سورية باملرصاد... أردوغان وجمعية األتراك املنتحرين

راشد عيسى ٭

- من ناديا الياس:

■ غزة - من نور أبو عيشة: ُيمّرر الفلسطيني أسامة املظلوم، قطعة من خشــب اخليزران على شعلة متوهجة من النار، ليتمكن من تشــكيلها وفق مقاسات محددة، كي تدخل في صناعة كرسي خشبي مبظهر كالسيكي جميل. داخل مصنع للخيزران مبدينة غزة، يحاول املظلوم ثني تلك القطعة التي ارتفعت درجة حرارتها، باستخدام أداة خشبية يطلق عليها اسم «ا َملع َد َلة»، ليضعها بسرعة داخل وعاء بالســتيكي مملوء باملياه من أجل تبريدها وضمان ثنيهــا. وفور انتهائه من تشــكيل كافــة القطع اخلاصة بصناعة الكرسي، ينشغل زميله اخلمسيني جهاد علوان بتركيبهــا وتثبيتها مــع بعضها البعــض بطريقة متقنة باستخدام القش والدبابيس احلديدية الصغيرة.

اللمسات النهائية

ليتم أخيرا إضافة اللمسات النهائية عليها عبر طالئها باللون املناســب والالمع وتوفير املقاعد االســفنجي­ة إن لزم ذلــك. وتعتبر هذه احلرفة، من التراث الفلســطين­ي حيث بدأت منــذ أكثر من قرن، وفق ما أفاد به عاملون في هذه املهنة وتقارير إعالمية.

واشــتهرت مدينة غزة بصناعة األثاث من أخشــاب اخليزران املســتورد­ة من اخلارج، حيــث تركزت غالبية املصانع العاملة في هــذا اجملال باملدينــة. وقالت وكالة األنباء الفلســطين­ية الرســمية «وفا»، إن الفلسطينين­ي افتتحوا في مدينة غزة نحــو 12 مصنعا للخيزران، فيما ضمت بلدة بيت جاال في الضفــة الغربية مصنعا واحدا. ومع مــرور الزمن، تقلصت أعداد تلك املصانع، بحســب قول العاملني في املهنة، وذلك لعدة أسباب منها األوضاع االقتصادية املترديــة في غزة والتي أثــرت على القدرة الشرائية للمواطنني فضال عن انتشار األثاث البالستيكي والعصــري الذي نافس نظيره املصنــوع من اخليزران، حيث توجه مواطنون القتنائه.

ويقول صاحب املصنع طــارق خلف 48( عاما)، الذي ورث هذه احلرفة عن آبائه وأجداده، إن عائلته من األسر القليلــة التي ما زالــت حتافظ على هــذا اإلرث العريق. ويضيف خلف وهــو حاصل على درجــة البكالوريو­س في االقتصــاد والعلوم اإلدارية، فــي حديثه لألناضول، إنــه يقدم كل ما يلزم كي يحافظ على وجود مهنة األجداد وصمودهــا أمــام التغيــرات االقتصاديـ­ـة واحلياتية املستمرة. وأوضح أنه التحق في هذه املهنة، منذ عشرات السنوات، حيثّ كان يقضي األوقات التي يتفّرغ فيها من الدراسة، في تعلم صناعة األثاث باخليزران.

ويســتكمل قائال: «كنت أطور من نفسي دائما وأتعلم صناعة أنواع جديدة من األثــاث وأدخل عليها تعديالت مبا يضفي لها جودة مميزة وشــكال جميــال». ويذكر أن أجداده بدأوا مبمارسة هذه احلرفة منذ عام 1929 حينما التحقوا مبدرسة لأليتام في مدينة القدس، وتعلموا فيها عددا من احلــرف اليدوية، وأتقنوا صناعــة اخليزران. وأشار إلى أن املدرسة قدمت آنذاك دعما لهم للبدء بشكل فعلي في صناعة املشــغوال­ت من اخليزران كما وفرت لهم كافــة املواد اخلام التــي يحتاجونها خــالل العمل. ومع ازديــاد العمل آنذاك، وصل األثــاث اخليزراني إلى مدن فلســطينية أخرى ودول عربية كالسعودية، وفق قوله. وجــراء النكبة التي عاشــها الفلســطين­يون عام ،1948 هاجر أجداد خلف وعائلته مــن مدينة يافا باجتاه قطاع غزة.

وعام 1948 اضطر نحو 800 ألف فلسطيني إلى مغادرة ديارهم، هربا من «مذابح ارتكبتها عصابات صهيونية»،

أدت إلــى مقتل نحو 15 ألف فلســطيني، بحســب تقرير حكومي فلســطيني. اعتقدت عائلة خلف في ذلك الوقت أن هذه الهجرة مؤقتة وســتعود حيــث منزلها ومهنتها، لكنها ومع طول فترة االنتظار عادت عام 1952 لصناعات اخليزران بافتتاح مصنــع في مدينة غزة بدال من الترقب بال عمل. ومن هنا بدأت رحلة العائلة في قطاع غزة، حيث ورثت هذه املهنة لثالثة أجيــال، فيما ينقل اجليل الثالث أبجديات هذه احلرفة للجيل الرابع الشاب، على حد قول خلف.

قال خلــف إن عددا مــن التحديات تواجــه صناعة اخليــزران فــي قطــاع غــزة، جــراء تــردي األوضاع االقتصاديـ­ـة واألزمــات العاملية. وأضاف أن أخشــاب اخليزران الطبيعية التي يســتوردها من غابات شــرق إفريقيا ويزيد عمر اخلشبة الواحد منها عن ‪20 -15‬ عاما، تضاعف ســعرها لنحو 3 أضعاف عما كان يستورده قبل أكثر من 10 سنوات.

االرتفاع في األسعار

وأوضــح أن االرتفــاع في األســعار جاء مــن الدول ا ُملص ّدرة (لم يســ ّمها) وذلك لرغبتها في اســتغالل املواد اخلــام التي تنتجها لتشــغيل األيــدي العاملــة لديها. واستكمل قائال: «بدال من تصدير املواد اخلام واألخشاب الطبيعية، باتــت هذه الدول ُتص ّدر ا ُملنتجات ا ُملص ّنعة من اخليزران، بتشــغيل اآلالف من األيــدي العاملة هناك». إضافــة إلى ذلك، فإن االرتفاع العاملي في تكلفة الشــحن والنقــل ألقى بظالله الســلبية على تكلفــة وصول هذه األخشــاب إلى القطاع. ويقــول خلف: «ارتفــاع تكلفة األخشاب يعني أن يرتفع ثمن املنتج النهائي على املواطن

مع حلول الذكرى السنوية الثامنة لوفاة الشحرورة صباح اســترجع العديد من الناشطني ومحبي الفنانة اللبنانية الكبيرة صورهــا وبعض اغانيها على مواقع التواصل االجتماعي، وأجرى عدد من وســائل اإلعالم تقارير عنها في املناســبة ركزت علــى رصيدها الفني الزاخــر واغانيها التي تركت بصمــة كبيرة إلى جانب فنانني كبار مثل فيروز ووديع الصافي ونصري شمس الدين وغيرهم.

ورغب البعض في إجراء حوار افتراضي مع صباح من وحي أغانيها الشهيرة، ورصدت «القدس العربي» أن املستشار االعالمي لرئيس حكومة تصريف االعمال فارس اجلم ّيل ر ّد على تساؤالت َمن س ّماها «الصبوحة» عشية ذكرى رحيلها كاآلتي:

* ليش لهلق سهرانني؟ تخمني؟كنا بالبيت مع العيلة مجموعني وعم نحكي.

* برد باجلرد الورد؟ كتير برد بس احلمدلله دفيانني.

* نام الليل بعب الذي يعاني أصال من أوضــاع اقتصادية صعبة». وأفاد أن املواطن بغزة كان يقبل بشــكل كبير على شراء املنتج قبل سنوات، إال أنه بفعل الوضع االقتصادي بات يفضل اقتناء املنتجات البالســتي­كية كبديــل وذلك النخفاض أسعارها. كما يشــكل انقطاع التيار الكهربائي ألكثر من 8 ســاعات يوميا معيقا آخرا أمام صناعة اخليزران، حيث يتوقف العمل داخل املصنع كونها تعتمد بشكل كبير على الطاقة. إلى جانب ذلك، فإن الغاز يشكل عنصرا أساسيا في هذه الصناعة فمع كل أزمة غــاز واجهها القطاع، كان املصنع يتوقف عن العمــل، وفق خلف. ويقول إن الطاقة اإلنتاجية احلاليــة للمصنع تصل لنحــو ‪12 -10‬ باملئة من إجمالي قدرته التشغيلية بســبب األزمات املتراكمة، ما أدى لتســريح غالبية العمال واإلبقاء على عدد قليل. وبالرغم من تلك األزمــات إال أن املصنع يواصل عمله في إنتــاج األثاث اخلشــبي بحيث يبيع بعضــا منها لتجار أو متاجر فــي الضفة الغربية وإســرائيل. ويســتكمل: «تصدير املنتجات للضفة الغربية تواجه أيضا تعقيدات بدءا من صعوبة احلصول على تصريح مرورا بالشروط اإلســرائي­لية اخلاصة بخروج املنتجات من غزة وتكلفة النقل والشــحن». ويعرب خلف عن آمالــه في أن تولي اجلهات املسؤولة بغزة «اهتماما بهذه احلرفة كونها تعد جزءا من التراث الفلســطين­ي الذي بدوره ميثل عنصرا جوهريا من الثقافة والهوية الفلسطينية».

ويعانــي قطاع غــزة، حيث يعيش أكثر مــن مليوني فلسطيني، أوضاعا اقتصادية ومعيشية متردية للغاية، جراء حصار إسرائيلي متواصل لنحو 16 عاما. وبحسب تقريــر أصدره اجلهــاز املركزي لإلحصاء الفلســطين­ي (حكومي)، في مايو/ أيار املاضي، فإن نســبة البطالة في قطاع غزة بلغت 47 باملئة. (األناضول) األرض؟ صار في سكون.

* والزنبق تكي عا احلساسني؟ كل الطبيعة نامت.

* وعا الشوق دفيوا سهرانني؟ونحنا شوقنا الك كبير صبوحة.

* وليش لهلق احللو؟ شوي ومنقوم عالنوم.

* وكيف لبنان بلدي - موجوع صليلو. *عم صلي من قلبي وروحي ...يا ربي تروق االحوال وتعود الراحة لهالبال... الثاني/ صليلنا صبوحة وانت بقلوبنا». وكانت صبــاح التي ولدت في 10 تشــرين نوفمبر 1927 توفيت في 26 تشــرين الثاني عام 2014 بعد مســيرة فنية غنية امتدت مــن منتصف عام 1940 حتى 2000 تاركة إرثًا تلفزيونيًا وسينمائيًا ومسرحيًا كبيرًا، فأثرت الفن ب 3000 أغنية والسينما ب 83 فيلمًا في مصــر ولبنان واملســرح ب 27 مســرحية. ووهي أوصت األقربني منها قبــل موتها أن ال يحزنوا وأن تتم جنازتها على وقع اغانيها والدبكة اللبنانية.

جتدر االشــارة إلــى أن قصة الشــحرورة وتعدد زيجاتها جســدتها الفنانة كارول سماحة في مسلسل تلفزيوني.

ســ ّلم ُت نفســي لفيلم «الســباحتا­ن»، ضمن ُت منذ حلظات املشاهدة األولى فيلم ًا مؤثر ًا، وقلت ال أريد أن أفســد املشاهدة بأسئلة السياسة، وال بأي نوع من األسئلة. منذ مشــاهده األولى امتألُت باحلزن والتأثر. يحدث ذلك أحيانًا جملرد أن تلمح التوهان والضياع في عيني الجئ، الالجئ الذي كنته، وال أزال. يحدث أيضا عندما يســتعاد مشــهد فيديو من بدايات الثورة في ســوريا، كيف كانت الدنيــا مليئة باألمل، ووضــوح احلقيقة، وباليقني. حتزن حني تســأل كيف لم يستطع العالم مشاهدة كل ذلك الوضوح، وحتار جوابًا.

و»السباحتان» مليء بالالجئني، سوريني وسواهم، كما يعرض في مشاهده األولى فيديو للتظاهرات األولى، مستعادا في بيت عائلة بطلة الفيلم. أي أنه، ال ب ّد، مليء بالدموع.

على سبيل التســليم أيضًا قررت أنني لن أكتب عن الفيلم، أساسًا بات لسان حال املــرء أن كل ما ينبغي أن يقال قد قيل، وأســئلة الكتابة قد تفســد عفوية املشاهدة والتلقي احل ّر.

ســيرة ســ ّباحتني ســوريتني تتدربان على يد أب، مدرب محترف للسباحة في دمشــق، ثم اســتثمار العالقة مع الســباحة واملاء في عبور بحر الالجئني، وصوًال إلى التمســك بحلم الوصول إلى األوملبياد، وحتقيــق ذلك بالفعل عبر منتخب خاص بالالجئني، كل ذلك كان قماشــة جميلة ومتينة لفيلم. ال شــك أن صّناع العمل متقنون، عارفون بصنعتهــم، بالغنى الدرامي الذي توفره حكاية السباحتني.

جميل مث ًال إظهار الفارق بني سباحتني، أختني، إحداهما متفوقة دائم ًا، مثابرة على التدريب، مثل ماكينة أملانية، وســتصل تاليا إلى األوملبيــ­اد، فيما الثانية متأخرة بفارق بســيط عن أختها، الفارق الذي سيتجسد بصورة أوضح عندما تقــرر الثانية العودة (بعد وصولهــا إلى أملانيا) إلى جزيرة يونانية لتســاعد الالجئني، ما يعرضها تاليا لالعتقال، واحملاكمة، بحسب تترات الفيلم اخلتامية.

ســينتهي الفيلم ســريعا 135( دقيقة)، ســينتهي في منتصفه، عندما تصل الالجئتان إلى الشــاطئ، بعــد صراع قــارب الالجئني مع البحــر، يكون فيه للســباحتن­ي دور البطلتني املنقذتني. ســينتهي وســيكون لنا وقــت مديد في التساؤل، خصوصا مع متابعة احلوارات غير املدروسة بني األختني، أو الرسائل الفيديوية بني األختني وعائلتهما في دمشــق، تقول لنفســك أال تتسع كل هذه الثرثرة لتلميحة واحدة عن الســبب األســاس في التســبب مبأساة الالجئني الســوريني، أما من أحد في الفيلم يضيق ببشــار األســد! وبالعكــس، عندما تستعرض الفيلم بحثا عن جواب ســتجد أن هناك قصدية مذهلة مبثابرتها في جتنب اإلشارة إلى نظام األســد. وعلى سبيل املثال، تتحدث إحدى السباحتني عن عدم رضا األب عن الوضع، فتقول إنه خسر املشاركة في األوملبياد ألنه رفض اخلدمة العســكرية اإللزامية (أي نعم، هكذا)، ملاذا؟ ألنه يرفض السالح. سبب كهذا لم يكن موجــودا قبل احلرب والثورة، أي في الفتــرة التي كان على األب أداء اخلدمة العســكرية، وهنا تفهم أن التمويه مقصود ومحســوب، وبالتالي فإن الفيلم يكتفي بالتحدث عن مجرد مأســاة الجئني هاربني لسبب ما، اخلدمة العسكرية، القذائف الهاطلة على دمشق من جهة غامضة، وقد تكون هذه اجلهة املعارضني السوريني، لو اضطر صناع الفيلم للجواب.

نفهم متامًا كيف ميكن لعمل فني ما، يتناول جزئية ما، أّلا يتطرق إلى النظام، فليس معقو ًال، وال هو شــرط قاهر، أن يشــتم الفن النظام حتــى مي ّر، لكن هذه القصديــة في جتنب قول احلقيقة هي املريبة. وبإمكان املرء أن مييز بني حبكة ال تتحمل السياسة، وبني هذا اإلصرار على جتنب قول احلقيقة.

لقد خسرنا فيلم ًا إذ ًا، خسرنا فيلم ًا كان بإمكانه بعبارة واحدة فقط أن ينجو، أن يصبــح فيلمنا، مهما حمل من أخطاء، ال أن يصبح الفيلم املشــغول بالتمويه واإلنكار، وبالتالي التزوير. «الســباحتا­ن» ليس فيلمنا. إنه، عندما ال يســمي األشياء بأسمائها، مساهمة أخرى جديدة في بؤس العالم. على ما يقول مفكر.

ندى داوود

ليس عصي ًا على التصديق لو قيل لنا إن أحد ًا ما، حتى لو كان شاب ًا، سقط في حفرة صرف صحي.. ومات. ففي شرقنا املنكوب نعرف ميتات عجيبة ال حتصى، هناك من فرمته فرامة ســيارة النفايات، ومن فرمته شــرطة األخالق بســبب حجاب فالت، ومن ُنشــر باملنشــار، من ســقط في بئر، من ألقي حيًا في حفرة، أو بإطــالق النار عليه ًفيما يقفز في حفرة «مطمــش»ً العينني، وفي البحر، وفي السجون، وفي املساجد أثناء الصالة والوقوف بني يدي الله.

في سوريا خصوصا لم يعد أي نوع من املوت غريبا، نعرف، حتى قبل الثورة واحلرب، أن حفر الصرف الصحي متأل الشــوارع واألمكنة املظلمة، من دون أي حتذيــر أو إنارة ليلية، وال بد أن كل ســوري اليوم يســتعيد حادثة ما، من هذا النوع، وقعت أمام ناظريه.

ما ال ميكن تصديقه الفشــل الشــامل، حتى األهلي، بإنقاذ الشابة السورية الثالثينية ندى داوود، التي ســقطت منذ أيام فــي حفرة صرف صحي مفتوحة منذ ثالثة أشهر أمام عيون اجلميع. بحسب فيديوهات عديدة، من بينها شهادات لعائلتها، زّلت قدم البنت، مع أمها، حوالى الساعة الثامنة مساء، ُأنقذت األم على الفور، لكن الصبية (مهندســة في اخلامسة والعشــرين من عمرها) بقيت هناك ساعات، مع محاوالت ضئيلة وبائسة إلخراجها.

احلفرة في بلدة مأهولة في الالذقية، املدينة الساحلية السورية، متاما لصق أوتســتراد الثورة، وعلى ما يبدو فإن قبالتها سكان، وقد شهد أحدهم بأنه قبل احلدث بقليل حّذر سيارة من السقوط، كما حّذر أربعة أو خمسة أشخاص. (هنا باإلمكان االفتراض أن الرجل يائس حتما من إمكانية اســتجابة اجلهات املعنية ملطالب إغالق احلفرة، فيما لو اتصل واستنجد قبل احلادثة، وقد يكون استنجد بالفعل). الكالم األهم في كل الشــهادات املصورة كان لشــقيق الشــابة، الذي حتدث بوضوح وأســى عن «مسخرة» جتمهر الناس الذين بدل أن يساعدوا في اإلنقاذ راحوا يوّثقون املشــهد بكاميرات املوبايل. اشتكى الشاب املفجوع أيضًا من أن أحدًا لم يسعفه بحبل يساعد في اإلنقاذ. تصّور! مئات السيارات العابرة لألوتوسترا­د، وعشــرات املتجمهرين، وسكان البيوت املقابلة، ولم يتمكنوا من إســعافها إال بعد ثالث ساعات، عندما جاءت سيارة إسعاف واهنة، حملتها إلى مركز غير مجهز، وبحســب أخيها فقد كان قلبها ما زال ينبض عندما وصلت، لو أن هناك أجهزة طبية تليق.

ستتفجع البالد برمتها على املوت احملزن واملأساوي، سيقال إن البالد برمتها حفرة صرف صحي هائلة، ســيغضب يوتيوبر معروف، ويبــث فيديو غاضبا يقول إنه الفيديو األخير، يصف الدولة بـ «جمهورية اجلرادين».

ســيعلق فنانون، وتتناقل الفضائيات تعليقاتهم، وســيتجرؤو­ن هذه املرة على املطالبة مبحاســبة املســؤولن­ي، وصوال إلى رؤســاء البلديات، احلكومة بدورها ستقيل بعض مسؤولي الصرف الصحي من مناصبهم.

وغد ًا؟ ســنعود، ك ٌّل إلى مقعده، نترحم ونحزن ونحــ ّذر بناتنا لتجنب حفر الصرف الصحي، في انتظار فاجعة جديدة.

جمهورية املنتحرين

تلمح خبرًا عن الرئيــس التركي أردوغان يقنع مواطنــًا بالكّف عن محاولة االنتحار على أحد جسور إسطنبول أثناء عبوره لتدشني سفينة حربية، تتذكر أنك شــاهدت ذلك من قبل. وفي الصور أردوغان «يقنع» املواطن التركي اخملفور من قبل حراســه األشــداء الكثر، هو البائس املذعور ذو الهيئــة الرثة. هل كان بإمكانه ألا يعدل عن قراره باملوت، هل كان له خيار أال يقتنع!

تقول لنفسك رمبا كان املشهد من نوع تلك اخلاطرة النفسية الشهيرة املسماة «ديجا فو- أو رأيت ذلك من قبل»، فتســرع إلى غوغل لتجد أنها بالفعل ليســت املرة األولى التي يصادف فيها أردوغــان مواطنًا قرر االنتحار ويتمّكن بإقناعه أيضا بالعودة إلى احلياة. إلى جانب أخبار أخرى تتناول انتحار أحد حراســه الشخصيني، وحوادث انتحار أخرى في البالد.

االنتحار يحدث في كل مكان، ورمبا كل يوم، لكن أن يصادف رئيس منتحرين ملرتني، ويتمكن من املرور في اللحظة املناســبة فهذه ليست سوى خراريف. ثم فــي أي حلظة بالضبط، وفي أي إمياءة اســتطاع الرئيس التركي أن يرى رغبة املنتحر باالنتحار، هل كان املنتحرون جادين فعال بالذهاب إلى العالم اآلخر!

إن كان أردوغان، في هذه التمثيلية اإلعالمية، مغرم ًا بصورة اخمل ّلص، املنقذ، خصوصا في حلظات املوت األخيرة، فلرمبا عليه أن يلعب لعبة غيرها، ألن هذه ستفضي إلى معنى آخر، فليس أمرًا طيبًا أن يقود الرجل جمهورية املنتحرين.

٭

 ?? ?? مشغوالت اخليزران
مشغوالت اخليزران
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom