Al-Quds Al-Arabi

ملاذا ال يلعب الهنود كرة القدم؟

- فيصل القاسم* ٭ اعامي سوري

■ إســطنبول – األناضول: مــن قمة "لم الشــمل" باجلزائر إلى كأس العالم في قطر، أثبتت كــرة القدم أنها أقدر من السياســين­ي على تذكيــر العرب بانتمائهــ­م ألمة واحدة، تخفق قلوبهم وتهتز ألي نصر يحققه أي من منتخباتهم مهما اختلفــت األعالم، فالفرحة واحدة من اخلليج إلــى احمليط. والفوز غير املتوقع الذي حققه املنتخب الســعودي على نظيره األرجنتيني بقيادة أسطورته الكروية ليونيل ميسي، فجر فرحة جماهيرية واحدة في اليمن اجلريح، وغــزة احملاصرة، كما أي مدينــة عربية وكأنك في مدن ســعودية. لم يخطر على بــال أحدهم أن "األخضر"- الذي خسر في البداية بهدف لصفر وثالثة أهداف ملغاة في الشوط األول- سينهض من حتت الرماد، ويســجل هدفني في الشوط الثاني، ويحــول الهزمية إلى نصر علــى أحد الفرق املرشــحة لنيــل كأس العالــم، ويجعل من اإلحباط فرحة عارمة لم تسع األرض العربية مبا رحبت.

ولم يســبق أن حقــق أي منتخب عربي نصرا مدويا في كأس العالم بهذا الصدى منذ عام ،1982 عندما فاز املنتخب اجلزائري على نظيره األملاني بنفــس النتيجة ،)1-2( رغم أن بعض العبي األخيــر وجماهيره حاولوا التقليل من منافســهم العربي، قبل أن تأتيهم املفاجأة الصادمة.

فنصر السعودية على األرجنتني، لم يكن مجرد فوز بكرة القدم، بــل كانت جرعة أمل لكل عربي، تذكره أنه مهما حاصرته املشاكل واألزمــات وتغولت عليه النكبات، فإنه قادر علــى الوقوف وحتقيــق ما لم يكــن يخطر على بــال. وعلــى الطرف املقابــل للخليج، حقق املنتخــب املغربي نصــرا مفاجئا على نظيره البلجيكي املصنــف الثاني عامليا بعد البرازيل، واملرشح األول لتصدر مجموعته، بعدما ســجل عليه هدفني نظيفــني. ويبدو أن االنتصــار الذي حققــه املنتخب املصري على بلجيكا وديا قبل تســعة أيام من مباراة املغرب، بهدفــني مقابل هدف، ســاهمت في كســر هيبــة الشــياطني احلمر، وكشــفت نقاط ضعفهم. لكن فــي املدرجات كان هناك نصر آخر لألخوة العربيــة، عندما حضرت جماهير جزائرية لتشجيع املنتخب املغربي، وردا جلميل دعــم اجلماهير املغربية ملنتخب اجلزائــر في كأس إفريقيا مبصــر في ،2019 وهتفت بالشعار املشــترك "خاوة خاوة.. ما شــي عداوة"، أي "أننا إخوة ولسنا أعداء". كما أن تعادل املنتخبان املغربي والتونســي في اجلولة األولــى كان بطعم النصر، عندما اصطدمــا على التوالي باملنتخــب الكرواتي وصيــف بطل كأس العالم في نســخة 2018 الســابقة في روســيا، وجنمــه مودريتش،

واملنتخب الدمناركي بطــل أوروبا في .1992 وبحسب إعالم قطري، فإن مشجعي البلدان العربيــة األربعة املشــاركة فــي املونديال (الســعودية وقطر واملغرب وتونس) اتفقوا علــى تأســيس رابطــة مشــجعني العرب، وإعــداد أغــان مشــتركة لتشــجيع الفرق األربعــة، في مبادرة هي األولــى من نوعها. وهذا يعكــس حجم الوعــي والتضامن بني اجلماهيــر العربية، رغم أنــه ليس باجلديد وجتلى في أكثر من مناسبة كروية وبأشكال مختلفة، خاصة في كأس العرب في نسختها األخيرة التــي احتضنتها قطر العام املاضي. كذلــك أصبح اخلــالف الســعودي القطري من املاضي، بحســب ما تبديه حرارة اللقاء بني أمير قطر الشــيخ متيم بن حمد آل ثاني، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، الذي حضر حفــل افتتاح كأس العالــم بالدوحة. وارتدى ابن سلمان، وشاحا عليه علم قطر، بينما حضــر األمير متيم مباراتــي املنتخب

أم عربية تشجع منتخبات األمة العربية في مونديال قطر

الســعودي لتشــجيعه من املدرجات، التي امتألت باملشــجعن­ي القطريني، الذين ارتدو قمصان املنتخب األخضر، وتوشحوا األعالم السعودية. ولم يقتصر األمر على اجملامالت، بــل وجه ولــي العهــد الســعودي، جميع الوزارات والهيئات في اململكة بتقدمي أي دعم إضافي حتتاج إليه اجلهات النظيرة في قطر، ملســاندة جهودها في اســتضافة املونديال، وكلــف وزيــر الرياضة مبتابعــة ذلك ورفع التقارير له "أوال بأول".

وتكمن أهميــة الدعم الســعودي، في أن اململكة الســعودية هــي الدولــة الوحيدة املتصلــة بريــا بقطر، ما يســهل مــن تنقل املشــجعني من الســعودية إلى قطر بأسرع وقت وبأقــل التكاليف. وجتلــى أهمية هذا الدعم عندما قامت بعض املطارات األوروبية بعرقلة توجه مشــجعني مباشــرة إلى قطر، فتوجه بعضهــم إلى الســعودية ومنها إلى قطر جوا أو بــرا. فتنظيم كأس العالم بقطر،

من شــأنه أن يعود باملنفعة على دول اخلليج األخرى ســواء من خالل الســياحة أو عبر زيــادة التبــادل التجاري مع قطــر، خاصة في ظل تدفق أكثر من مليون مشــجع أجنبي عليها، ميثلون أكثر من ثلث السكان.

وحتى بعد قطــع العالقات بــني اجلزائر واملغــرب، فــإن حبل الــود لــم ينقطع بني الشعبني، وجتلى ذلك بتأكيد مدرب املنتخب اجلزائري لكــرة القدم جمــال بلماضي، أنه سيشــجع املنتخبين املغربي والتونسي في مونديــال قطر، بعــد الدعم الــذي حظي به اجلزائريــ­ون فــي كأس أمم إفريقيــا "مصر "2019 من الشعبني املغربي والتونسي.

كمــا يحظــى املنتخــب القطــري بدعم املشــجعني العرب، خاصة وأنه يضم العبني من أصــول جزائرية ومصرية وســودانية وعراقيــة، ما يجعلــه منتخبا لــكل العرب بامتياز. أما قضية العرب املركزية (فلسطني)، فكانت حاضرة في مونديال قطر حتى وإن لم

يتأهل منتخب فلســطني إلــى كأس العالم. فاملشجعون التونســيو­ن رفعوا علما ضخما لفلسطني، مكتوب عليه باإلجنليزي­ة "احلرية لفلســطني"، وذلك عند الدقيقــة 48 من عمر مبــاراة منتخبهــم مع أســتراليا في اجلولة الثاني، للتذكيــر بنكبة عام امك.1948 ارتدى العديد من املشــجعني التونسيني واملغربيني قمصانــا حتمل علم فلســطني أو توشــحوا بالكوفية الفلســطين­ية، للتعبير عن دعمهم للقضية املركزية للعرب.

بينما أطلــق قطريون حملة "هــذا املكان داعم ملقاطعــة الكيان" علــى أبواب احملالت إلظهار الرفض الشعبي إلسرائيل. فمونديال قطر فرصة أخرى تعبر من خاللها الشــعوب العربية عن نبضها املشترك، وفرحها التلقائي بأي نصر، كما أن الهزمية تؤلم اجلميع، لكنها ال تكسر حماسهم وعزميتهم، وتبقى فلسطني عنوانا لقضيتهم الرئيسية حتى وإن اختلفت حكوماتهم في التعامل معها.

ليس صحيحًا أبدًا أن لعبة كرة القدم لعبة عاملية، أو أنها اللعبة األولى في العالم، فهناك تضليل في مثل هذا التعميم.

هل تعلم مثــال أن أكبر بلد من حيث عدد الســكان، وهو الصني بدأ يشــق طريقــه إلى عالم الكرة فقــط مؤخرا ولم يتأهل إلى كأس العالم إال مــرة واحدة، ناهيك عن أن ثاني أكبر بلد وهو الهند ال حتظى فيه كرة القدم بشــعبية كبرى، إذا حتتل اللعبة مرتبة ثانية ورمبا ثالثة. وال ننســى أمريكا التي لديها لعبة كرة قدم مختلفة متامــا عن اللعبة الدولية املشهورة. وبعد مقالني عن تاريخ وشعبية اللعبة في أمريكا والصني، ســنتعرف اليوم على تدني مســتوى شعبية كرة القدم في الهند التي يزيد عدد ســكانها على مليار نســمة، ومع ذلك لم نســمع يوما عن فريــق أو العب كرة قدم هندي ذي شــعبية عاملية. وكما أن لعبة البيســبول أكثر شعبية من كــرة القدم في أمريــكا مبرات ومرات، وكمــا أن دوري كرة الســلة األمريكــي يحظى باهتمام أكثــر مما حتظى به كرة القدم في الصــني، فإن أهم لعبة تشــتهر بها الهند هي لعبة "الكريكيت" التي تفوق شعبية كرة القدم أيضا مبرات ومــرات. وبالتالي عنــد التفكير في الهند مــن وجهة نظر رياضية، حســب موقع "فول ســبور" الفرنسي، فإن أول ما يتبــادر إلى الذهن "الكريكيت" وال لعبــة غيرها، التي جنح االســتعما­ر البريطاني في نشــرها في البالد وباتت حتطم األرقام القياسية من حيث نســب املشاهدة واملداخيل. ففي سنة ،2015 مثال، وصلت مداخيل حقوق البث إلى 2.5 مليار دوالر وساهم الدوري الوطني للكريكيت بنسبة 182 مليون دوالر في الناجت احمللي اإلجمالي الهندي.

فــي املقابل، حتتل كــرة القدم الهندية التي اســتحدثها جنود بريطانيون في منتصف القرن التاســع عشر املرتبة الثالثــة بني الرياضــات األكثر مشــاهدة فــي البالد بعد الكريكيت والكابــاد­ي. وباملقارنة مع االحتــادا­ت الوطنية األخــرى، فإن االحتاد الهندي لكرة القدم فقير نســبيا، وال يضم ســوى ثالثة أندية محترفة. ورغم هشاشة وضع كرة القدم في البالد فإن االحتاد الدولي لكرة القدم يبدي اهتماما كبيرا بالهند، ال ســيما بعد تنظيمها أول مســابقة عاملية لها السنة املاضية "كأس العالم دون ســن الـ71 عاما"، والذي استضاف أفضل الفرق في العالم دون سن السابعة عشرة. ورغم فشل الفريق الهندي في الصعود على منصة التتويج، إال أن عدد حضور اجلمهور في املالعب تخطت الـ2.1 مليون متفرج. وقــد فتح تنظيم هذه املباريات الباب لتجديد البنى التحتية القدمية، مبا في ذلك بنــاء 26 ملعبًا جديدًا وجذب رعاة جدد للدوري الهندي للمحترفني. وال ننســى أن أندية الكريكيــت العمالقة صاحبة املوازنــا­ت الضخمة في الهند تشــفق أحيان ًا على لعبة كرة القــدم وحتاول النهوض بها، ففي ســنة ،2009 قررت رابطــة الكريكيت التبــرع بـ052 مليــون روبية (ما يعــادل 3.1 مليون يــورو) إلى االحتاد الهندي لكرة القدم واالســتثم­ار في مجــال البنية التحتية. لكن حتى بوجود بعض النجاحات وتأييد احلكومة، يغيب الطموح السياسي الكفيل بتطوير هذه الرياضة. وفي حال حققت "املهمــة "11 التي تعنــي جذب 11 مليــون طفل إلى أندية الهواة، التي نظمت مبناســبة كأس العالم دون ســن الـ71، جناحًا كبيرًا، فإن عــدد املدارس املهنية لتطوير كرة القدم في البالد ما زال يعد على أصابع اليد. وحسب بعض املواقع الرياضية اخملتصة فإن أحد أهم أســباب ضعف كرة القدم في الهند أن العائــالت الهندية كنظيراتها الصينية ال حتفز أطفالها على االنضمــام إلى األندية الرياضية معتبرة أن التعليم هــو الطريق الوحيد نحو ضمــان حياة كرمية. وتفضل عائالت هذين البلدين إنفاق أموالها على الدروس اخلصوصية بدال من األنشطة الرياضية.

ومن الالفت جــدا أن املنتخب الهندي تأهل لكأس العالم مرة واحدة في عام ،1950 لكن يقال إنه انسحب من املشاركة لرفض الفيفا طلبه باللعب حفاة األرجل وبدون أحذية كرة قدم، لكن هناك من ينفي هذه الكالم ويعزو انســحاب الهند إلى عدم قدرتها على دفع تكاليــف الرحلة. ولكن حتى هذه التبرير غير صحيح، حيث عرض منظمو الدورة دفع معظم تكاليف السفر إليصال املنتخب الهندي إلى البرازيل، وذلك ألن عدم مشاركة الهند كان يعني غياب منتخب ممثل آلسيا، وهذا ما حدث بالفعل. غير أن مصادر محايدة تؤكد أن عدم مشــاركة الهند في تلك البطولة من بطوالت كأس العالم لم تكن بســبب العوائق املالية وال بســبب منع الفيفا لالعبني الهنود باللعب بدون أحذية رياضية، بل بسبب عدم اكتراث املســؤولن­ي الهنود بكرة القدم وال بأهمية املشاركة في كأس العالم أصال. ويرى خبراء الرياضة في الهند أنه لو شــارك بلدهم في بطولة كأس العالم بالبرازيل عام ألف وتسعمئة وخمسني لكانت كرة القدم الهندية اليوم على مستوى آخر. لكن هناك من يتوقع لكرة القدم الهندية اليوم أن تنمو بشكل متسارع مع النمو الصاروخي لالقتصاد الهندي بعد مرحلة سبات عميق جتاوزت السبعني عاما.

 ?? ??
 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom