Al-Quds Al-Arabi

من «خطوة اردوغان» إلى مصر «الرابحة مرتني» ... ونساء الشرق األوسط: ال نثق بـ«شؤون املرأة» في «النظام الرجل»

-

املسافرون بواسطة امليترو في إسطنبول، الذيــن أرادوا اجلمعــة املاضي النــزول قرب ميــدان تقســيم، تفاجــأوا بســماع أن القطار لــن يتوقف فــي احملطات القريبة مــن امليدان. املشــاة الذيــن كانــوا ينــوون الوصــول إلى امليــدان وإلى شــارع االســتقال­ل املتفــرع عنه تفاجــأوا بإغــالق الشــارع وامليــدان بقواطع مؤقتــة، وقف قربهــا رجال شــرطة ووجهوا اجلمهور إلى شــوارع جانبيــة. وتوقفت على بعد مســافة معينة ســيارات للشرطة مزودة باملدافــع املائيــة وقربها حافــالت لنقل من ال ينفذون التعليمات.

قبل أسبوعني، حدث في شارع االستقالل عملية قتل فيها ســتة أشخاص وأصيب أكثر من ثمانني. ولكن امليدان لم يغلق أمام احلركة بســبب ذلــك؛ ففي اليوم نفســه، 25 تشــرين الثانــي، وهو اليــوم الذي يحتفــل فيه باليوم العاملي ملناهضة العنف ضد النساء. مبناسبة هذا اليوم، بادرت منظمات نســوية في تركيا إلــى إجراء مســيرات وعــروض، دعــت فيها احلكومة للعمل بشــكل حــازم أكثر الجتثاث هذه الظاهرة الفظيعة.

فــي الســنة املاضيــة انســحبت تركيا من «ميثــاق إســطنبول» الــذي صاغــه مجلــس أوروبــا فــي 2011 بذريعــة أنــه يضــر بالقيم العائليــة ويشــجع علــى الطــالق. يبــدو أن العاصفــة الدوليــة التــي ثــارت علــى ذلك لم تقــض مضاجــع الرئيس التركــي رجب طيب اردوغان. في احلقيقة، أمر بســن بعض املواد

في القانون بخصوص معاقبة عنف الرجال. ولكن اعتقل رجال الشــرطة يوم اجلمعة نحو 100 امــرأة قررن خــرق هذه التعليمــا­ت التي حظرت إجراء املسيرة.

حسب معطيات منظمات نسوية في تركيا، فقد قتل في هذه الســنة 327 امرأة، من بينهن 16 علــى يد اآلبــاء، و73 قتلهن أبنــاء العائلة، 31 على يد الرجال الذيــن طلنب منهم الطالق، ولم يتم حتى اآلن حل احلــاالت املتبقية. رغم القوانني املتشــددة فإن احملاكم، ال ســيما في املناطــق القرويــة، تتعامــل مع القتــل داخل العائلــة بصــورة مخففــة مقارنة مــع حاالت القتــل األخــرى. ولكن النســاء لــم ينتفضن فقط ضــد يــد الســلطات اللينة فــي تعاملها مــع حــاالت القتل، وضــد االغتصــاب داخل العائلــة والتنكيــل والعنف، ومؤخــرا العنف في الشــبكات االجتماعية ضد النساء، الذي حتول إلى ظاهرة سائدة. وكلها حتصل على معاملة «لينة».

تركيا ليســت الدولــة الوحيــدة أو البارزة أكثر فــي هذا اجملــال. األبحاث التي نشــرت مبناســبة يوم مناهضة العنف ضد النســاء، تؤكــد العالقــة بني مــا يعتبــر «قيــم العائلة» فــي اجملتمعــا­ت العربيــة واإلســالم­ية، وحجم العنــف ضد النســاء. اجملتمع األبوي واستخدام التفسيرات الدينية التي تسمح بـ «العنف احملدود» ضد النساء كخطوة تربوية وســيطرة األنظمة املطلقة فــي صياغة حقوق اإلنسان، منها حقوق النســاء، تخلق أرضية خصبة وحتى شرعية لهذه الظاهرة.

الباحث والصحافي املصري هشام جعفر،

يعــرف احتكار النظــام حلقوق النســاء بأنه «غطــاء مت تصميمــه ملنــع االنتقــاد والضغط الدولي واملعارضة الدولية»حســب قوله، من خالل التشــريعا­ت التي تظهر كليبرالية، وعن طريق إشــراك النساء في البرملان واحلكومة، وحتاول هذه األنظمة خلق انطباع بأنها تطبق املعايير الغربية.

في البرملان املصري مثــال 162 امرأة، وفي احلكومة 8 وزيرات. ولكنها معطيات تشير إلى تقدم كبير للنســاء في أروقة احلكم، وتطمس حقيقة أنه مت اختيــار الوزيرات وتعيينهن من قبل النظام، والعضوات في البرملان هن جزء من احلزب احلاكم. لذلك، النظام يربح مرتني، مرة ألنه يطرح نفسه كنظام دميقراطي ويقلل الضغــط الدولي عليه من أجــل تطبيق حقوق اإلنســان، ومرة ألنــه مينع املنافســة من قبل

منظمــات حقوق اإلنســان. هذا األمر يســري أيضــا علــى املنظمــات النســوية. النظام في مصــر شــكل وزارة لشــؤون النســاء، وهــو يســمح بوجود منظمات نســوية تؤيده. وهو فــي الوقــت نفســه، يقــوم بقمــع واضطهاد املنظمــات النســوية التــي حتــاول بلــورة حــركات جماهيريــة أو تتظاهر بشــكل علني وجتــر اجلمهور خلفهــا. هذا التناقــض ُيعّبر عنه أيضا بالطريقــة التي يعرض فيها النظام قيمة العائلة كقيمة لألمة. في اجملتمع العربي، تنــص هذه القيم للعائلة علــى أن األب هو رب األســرة وصاحــب الســلطة، وأن ليــس على النســاء واألوالد إال الطاعــة. ال ميكن لألنظمة التــي حتدد قيم العائلة بهذه الطريقة أن تدعم في الوقت نفســه حقوق النســاء واملســاوا­ة لهن. واالمتثال لرب األســرة، الرجل، تفرضه الدولــة أيضــا علــى طاعتهــا والنظــام الذي يديرهــا، ألن الدولــة التــي يعــد فيها شــرف العائلــة قيمة عليا يتحول إلــى قيمة وطنية ال ميكن االحتجاج عليها.

مــن هنا ميكــن اســتنتاج الفائــدة التي قد تســتخلصها النســاء مــن املبــادرة اجلديدة للجامعــة العربيــة التــي أعلنــت عــن حملــة ملناهضة العنف ضد النســاء، التي ستستمر 16 يومــًا، بــدءًا من 25 تشــرين الثاني وحتى 10 كانــون األول، والتي ُيحَتفــل فيها باليوم العاملــي حلقوق اإلنســان. املبــادرو­ن للحملة يتحدثون عن «اســتراتيج­ية جديدة وشــاملة للتعامــل مع كل أنواع العنف ضد النســاء، ال سيما العنف اجلنسي».

لكن النســاء في الشــرق األوســط تعلمن بأنــه كلمــا كان العنــوان براقــا تقــل فــرص جناحه. النســاء يثقــن مبنظماتهــ­ن أكثر مما يثقــن بــوزارات «شــؤون املــرأة» احلكومية، املليئــة بالثقة بالنفس والتي تترأســها وزيرة «مضخمــة»، والتي تعرض إجنــازات للنظام، في حني يستمر قتلهن.

هآرتس 2022/11/28

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom