Al-Quds Al-Arabi

إيران تشتعل والعرب ينتظرون التصفيات

-

منذ عدة أســابيع وأنظار كثير من العرب تتجه نحو إيران، منشغلة مبا يحدث فيها، تبحث عن أخبارها الشــحيحة بني الســطور، وعبر ما يتم تسريبه، في الوقت الذي شــكل فيه البعض إعالما موازيا مساندا، ينشــرون آخر األخبار عبر صفحاتهم اخلاصة على وســائل التواصل االجتماعي وينتظرون بفارغ الصبر ما ســتؤول إليه هذه األحداث غير املسبوقة منذ اســتالم اإلمام اخلمي دفة احلكم عام ،1979 واملتفجرة في شــوارعها منذ اغتيال الشابة مهســا أميني على أيدي شرطة األخالق، والتي حسب تقرير لوزارة الداخلية اإليرانية أنها لم متت حتت الضرب والتعذيب مطلقا، بل ألســباب صحيــة وأمراض مزمنــة كانت تعاني منها املســكينة. مما ذكر بتقارير بعض األنظمــة في بالدنا حول انتحار معارضيها حتت التعذيب بثالث رصاصات في الرأس ورمبا خمس...!

التصفيات النهائية

ومما ال شــك فيه أن فرحة شعوبنا ســتكون كبيرة عند سقوط هذا النظام، ليس لنا األحياء فقط بل حتى لألموات الشهداء الذي اغتالتهم أذرع هذا النظام ورجال مخابراته... وســتكون أكبر بكثير من فرحتهم يوم ســقوط الشــاه الذي عانت منه بالدنا األمرين، والذي شــكل مع الكيان السرطاني اإلسرائيلي فكي كماشة أطبقت على بالدنا وشعوبنا، وهددت أمنها وكيانها ووجودها...

نعم كثيرون يترقبون النتائج باهتمام بالغ، ألن التصفيات النهائية ســتكون عندنا حتما، وعلى أرض أوطاننا من اليمن وصوال إلى لبنان، مرورا بالعراق وسوريا...

إن النهاية الفعلية لهذا النظام سوف تكتبها شعوبنا العربية، وذلك باإلجهاز على منظوماته وأذرعه وميليشــيا­ته الضاربة التي أنشــأها في بالدنا مبســميات مختلفة، وتســيطر على مفاصــل الدولة واحلكم فيما أســموه بـ « العواصم األربع » ومتارس تفتيت مجتمعاتنا، بعدما

فجرت بني مواطنيها حقدا ظن كثيرون يوما أنه قد مت وأده وأصبح نسيا منســيا، والتي من خاللها أيضا ترعب إيران بشكل أو بآخر بقية الدول العربية...

مــن املؤكد أنه لن ينتج عن هذه األحداث احلالية ســقوط فعلي لهذا النظام الذي ســوف يســتخدم كل الوســائل القمعية املتاحة للحفاظ على وجــوده، ككل األنظمة الدكتاتوري­ة، ولــو أدى ذلك إلى موت آالف اإليرانيني، واملثال الســوري خير شاهد على ما نقول... ولكن في الواقع فإن نظام املاللي قد تهشــمت صورته، وأصبح فــي موقف ضعف أمام العالم على أيــدي طالبات رفعن أصواتهن عاليــا بال خوف، وقصصن شعورهن على املأل... بل نســتطيع القول بأن النظام اإليراني قد سقط نظريا، ألن احلكم في األساس هيبة، وعندما تسقط الهيبة تتالشى معها السلطة وكل مشاريعها السياســية، وتنتهي منظومة احلكم جماهيريا وإنسانيا، وتبقى الســلطة مطبقة على رقاب العباد باحلديد والنار، إال أن ذلك ال ولن يدوم طويال...

اخلطوط احلمر

إن قوة أي نظام تكمن في مــدى التفاف املواطنني حوله، واحترامهم لنظمــه وقوانينه ورموزه، وهو ما يفتقده نظــام املاللي في إيران هذه األيــام، بعدما دخل فــي مواجهة مع فتيــات وفتيان بصــدور عارية، قامــوا مبا لم يجرؤ عليه غيرهم، وتخطــوا كل اخلطوط احلمر، وكل ما كان ُيْعتَبر من املقدســات قبل فترة قصيرة، حيــث مزقوا صور آية الله اخلميني مؤســس اجلمهورية اإلســالمي­ة، واخلامئني املرشد احلالي، رافعني أصابعهم الوســطى فــي وجه قوات األمــن القمعية بال خوف، هاتفني شامتني املرشد وكل رموز احلكم بأقذع العبارات، وكذلك جنحوا في األيام األخيرة بتنظيم حملة إسقاط عمائم رجال الدين عن رؤوسهم في شوارع املدن اإليرانية والدوس عليها، مما أسقط بالتالي الهالة التي كان يتمتع بها رجــال الدين، وفقدوا كثيرا من احترامهم لدى هذا اجليل اجلديد...

لم يكن اهتمامنا بإيران أيام حكم الشــاه وما يدور فيها باألمر الذي يعنينــا بنفس الدرجة التي نحن عليها اليــوم، إذ كنا نكتفي باعتبارها حليفــة للكيان الصهيونــي، وخنجرا في خاصرتنــا... ولكن املوضوع قــد اختلف اليــوم جذريــا، وذلك منذ أن ســلك نظام املاللي أســلوب املســتعمر­ين في ابتداع وإتقان صناعة اخلناجر في داخل جســم أمتنا ومجتمعاتنا لتمزقها وتقطع أوصالها من داخلها، مســتخدما شــعارات دينية شــعبوية، تســتدر املشــاعر، وتتالعب بالعواطف، مستغال في الدرجة األولى فساد أنظمتنا، وفقر كثير من فئات اجملتمع، فأطل برأسه من خالل بعض ضعاف النفوس املرضى نفســيا، احلاقدين على بالدهم وأمتهــم وتاريخهم... الباحثني عن مكان لهم فــي الصدارة وما أكثرهم بيننــا، خصوصا لدى فئة بعض املهمشــني، أو أربــاع املثقفني واملدعني بالثقافة وصال... أو لدى فئة ممن يطلق عليهم « أقليات »، والتي وجدت في دعم نظام املاللي لها فرصة، وذلك من أمثال احلوثيني، ومؤخرا لدى مجموعة من البوليساري­و في الصحراء الكبرى...

واألنكــى من كل ذلك، هــو تأييد فئات من اليســارين­ي املاركســي­ني الثوريني والتروتســ­كيني القدامــى، الكارهني للديــن وللعمائم أصال، وكذلك مجموعــات من العروبيــن­ي الوحدويني على اختــالف ألوانهم والذيــن ال يــرون أو ال يريدون أن يروا مــا يقوم به النظــام اإليراني وميليشياته من ممارسات في بالدنا التي يسيطر عليها، والتي ال تخفى على أحــد. وكأنهم أميون ال يجيــدون قراءة األحــداث وحتليلها، وال يقدرون خطورة كل ذلك على مستقبلنا ومستقبل أجيالنا... ولم يلحظوا لألسف، أنه نفس الدور الذي كان مرسوما يوما إلسرائيل وعمالئها على أيدي من أوجدها وخطط لوجودها في قلب أمتنا وأحضانها...!

إن نظــام املاللي فــي طهران قبل اغتيال الشــابة مهســا أميني، لن يكون هو نفســه بعدها، وخير دليل على ما نقول هــو ما يحدث حاليا في بلوشســتان ومناطق األكراد حيث ال تستطيع قوات األمن واحلرس الثــوري منذ اندالع االحتجاجــ­ات التنقل بحرية في تلــك املناطق، إن لــم يكونوا أصبحوا محرومني مــن الدخول إلى بعــض مدنها وقراها، وأن النظــام اإليرانــي اليوم واقع بــني نارين: إما اللجــوء إلى القمع

واالســتئص­ال اجلذري، وهذا ســوف يعمق الهوة بينه وبني املواطنني إلى حد كبير، وقد يعجل بسقوطه... وإما أن يخضع ملطالب املتظاهرين واحملتجني، فيتراجــع عن بعض قوانينه ويقــوم ببعض اإلصالحات، ويطلق بعض احلريات... وهنا مكن اخلطر بل املقتل بالنســبة له، ألنه يعرف جيدا أن احلرية ال ميكن املزاح معها وإطالق بعض من بصيصها، ألن نارها تسري في الهشيم وال ميكن فيما بعد إيقافها... وخصوصا في بلد قمعي أصاب نظامه الترهل، ويعاني من فشل ذريع في تقدمي مشروع مستقبلي لشــبابه، وأيضا من عدم املقدرة على حتديث منظومة الدولة وتطويرها في عالم جديد متغير باســتمرار، أصبــح يأتي إليك ويقرع أبوابك عبر اإلنترنيت ووســائل التواصل االجتماعي اخملتلفة، من دون أن تتحــرك من مكانك... خصوصــا وأن اجليل اجلديد فــي إيران ككل الشــباب في أنحاء العالم، يريد أن يعيش كما يريد ويختار، وليس كما ُرِســَم له من ِقَبل رجال الدين الذين يعيشون في املاضي وبني صفحات الكتب الصفراء، وأن ما كان يقتنع به اآلباء، قد أصبح اليوم من الطرف وحكايات املاضي...

ويبقى السؤال األحجية، الذي ال ميكننا اإلجابة عنه اآلن، بل متروك لأليام وهو:

هل سيتخلى الغرب عن منظومة آيات الله، وبالتالي يتركون الشعب اإليراني يحقق انتصارا على نظام قمعي بكل املعايير...؟

ال أحد لديه إجابة واضحة عن هذا السؤال في الوقت احلالي، واأليام وحدها الكفيلة باإلجابة عن ذلك الســؤال، خصوصــا في هذه املرحلة التــي يحتاج الغــرب فيها خلدمــات النظام اإليراني في قمع شــعوب املنطقة وترهيبها في ظل انشغاله في حربه مع روسيا، التي يقف النظام اإليراني إلى جانبها وهذا من املفارقات، وذلك ألن ترك شــعوب املنطقة دون كابح، قد يؤدي إلى خروج كل املنطقة من حتت عباءتهم وخصوصا أن املنطقة تعيــش على فوهة بــركان... وهما بالنســبة للغرب أمران أحالهما !...رم

٭

كاتب وباحث مقيم في باريس

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom