مونديال قطر الذي أعاد فلسطني للواجهة
ما حققته قطر باستضافة مونديــال كأس العالــم لــم يحققــه العــرب مجتمعــون في مئــة ســنة. هــذه حقيقة وليســت مبالغــة، إذ إن جملة التحركات واألنشــطة الدبلوماســية التي شــهدتها الدوحة بالتزامن مع مباريات كأس العالم، وحجم الرســائل السياســية التــي خرجت مــن هناك إلى العالم يعادل أنشــطة وجهودا ومســاعي كان من املفترض أن تستغرق في الوضع الطبيعي، سنوات طويلة.
من مشــهد االفتتاح، إلى مشــاهد اجلماهير في املباريات، وأغانيهم وسلوكياتهم وأعالم فلسطني التــي رفعوها، وصوًال إلى اجتماعــات ُعقدت على أعلى املســتويات ومصاحلات سياســية بني دول مهمــة في املنطقة، كل هذا مت على هامش املونديال وجنحت دولة قطر في إجنازه، بينما لم يكن العالم
ُُ بأكملــه ســينجح به ولو ظــل لعقود طويلــة يعمل لتحقيقه.
ال تنتهــي حكاية مونديــال قطــر 2022 عند هذا احلد، بــل إن األهم في هذا اجملال هو أن الرســائل التــي تتعلق بفلســطني والدعاية التــي حظيت بها القضيــة الفلســطينية انطالقــا مــن الدوحــة، إلى مختلــف شــعوب األرض، لم يســبق أن حظي بها الفلســطينيون من قبل، كما لم يســبق أن شــهدت مناســبة عامليــة ضخمة بحجم املونديــال مثل هذا الكم من التعاطف والتأييد مع الشعب الفلسطيني، واالستفادة من هذا اجلمع البشري الهائل للتعبير عــن تأييد احلــق الفلســطيني، ورفــض االحتالل اإلســرائيلي وانتهاكاتــه. مــا حــدث ويحدث في مونديــال قطــر ُيشــكل هّبــة شــعبية عامليــة غيــر مســبوقة لتأييد الفلســطينيني ورفض التطبيع مع االحتــالل االســرائيلي، بــل إن الَعَلم الفلســطيني رفع خــالل املونديال أكثر من العلــم القطري ذاته، أي أن فلســطني كان حضورهــا ال يقل عن حضور الدولة املســتضيفة ذاتها، وهذا لم يسبق أن حتقق للفلسطينيني من قبل على املستوى العاملي.
ثمــة أبعــاد ودالئل كثيــرة ملوجــة التضامن مع الفلسطينيني التي تشهدها مدرجات مونديال قطر ،2022 وتهيمن على الدوحة هذه األيام، فالرســالة األهــم املقبلة مــن هناك تفيــد بأن موجــة التطبيع األخيرة مع االحتالل فشلت، وإن التطبيع محصور فــي األنظمــة الرســمية التــي قــررت ذلــك، دون شــعوبها، وهذا مــا قرأناه بوضوح مــن اجلمهور املغربي، الــذي رفع العلم الفلســطيني عاليا خالل املبــاراة مــع بلجيــكا، وأطلــق العديد مــن األغاني املؤيدة للحــق الفلســطيني واملنــددة بالتطبيع مع االحتالل. وهناك أمر آخر أشــعل موجة التضامن مع الفلسطينيني في الدوحة، وهو أن قطر تتوسط البلديــن اخلليجيني اللذين وقعــا اتفاقات أبراهام للتطبيع مع إســرائيل، فضال عن وجود انطباع بأن دول اخلليــج تتجه بشــكل كامل إلــى التطبيع مع االحتالل واالعتراف باســرائيل، ليأتــي مونديال قطر ويجدد التأكيد على الرفض اخلليجي للتطبيع، ويعزل الداعني لالعتراف بإسرائيل والتطبيع معها أكثر من أي وقٍت مضــى. املؤكد أَّن احلاضر األبرز في مونديــال قطر 2022 هو القضية الفلســطينية، ويكفــي أن يذكــر لهــذا املونديــال أنه حتــول الى استفتاء شعبي على التطبيع مع إسرائيل، وانتهى برســالة موحــدة مفادها أن هــذا التطبيع ينحصر في األنظمة الرســمية دون شعوبها، واملؤكد أيضا هــو أن هــذه الرســالة وصلــت إلى اإلســرائيليني وقرؤوهــا جيدا، ولذلك خرجــت جريدة «يديعوت أحرونوت» بصــورة على صفحتهــا األولى، يظهر فيها مشجعون يحملون العلم الفلسطيني، وكتبت بوضوح: «نحن محاطون مبشــاعر العدائية وعدم الرغبة بوجودنا في املونديال».
واخلالصــة هــو أن التضامــن مــع القضيــة الفلســطينية والدعاية السياســية التي حظيت بها خالل األيام األولى ملونديال قطر لم يكن مســبوقًا، وهو أحــد إجنازات هــذا املونديال على املســتوى العربــي، إذ أعــاد املونديــال قضية فلســطني الى واجهــة الصــدارة واالهتمام، وهو إجنــاز لو أنفق العــرُب عقــودًا طويلــة مــن الزمــن، مــع مليارات الــدوالرات لشــركات العالقــات العامــة والدعاية واإلعــالن، ملــا متكنوا مــن حتقيقه. إذ في شــوارع الدوحة يــرى املاليني من مختلف شــعوب األرض أعالم فلســطني ويســمعون األغاني الفلسطينية، وذلــك إلــى جانــب التعريــف بالثقافــة العربيــة واإلســالمية وتعاليم الدين اإلسالمي، وهي حالة رمبا لن تتكرر في املدى القريب واملنظور.