Al-Quds Al-Arabi

لبنان: فراغ دستوري شامل واستقرار برسم القلق

-

■ يطــوي اللبنانيون الشــهر األول على الشــغور في الســدة الرئاســية. ليســت هي املــرة األولى التي يدخلون فيها في الفراغ الدستوري. إال أن الفراغ الذي يأتــي ليتوجه انهيارا اقتصاديــ ًا ومالي ًا متمادي ًا ليس كمــا قبله. زد على أنه فراغ شــامل. ال رئيس في قصر بعبــدا، ال حكومة عاملــة بحكم حصــول االنتخابات النيابية وعدم تشــكل حكومة مــن بعدها وفي ضوء نتائجهــا. فقــط حكومة تصريــف أعمــال. ومجلس نواب ليس له دســتوريا حق التشريع طاملا لم ينتخب الرئيــس العتيد، وليس يســلك أي مســار من شــأنه إفســاح اجملال لهذا االنتخاب، رغم تتالي اجللســات املعقــودة ألجل ذلك، والتي ســتبقى ألمــد غير منظور بال طائل.

في هذا الوقت يعاود ســعر صرف الدوالر ارتفاعه وأسعار السلع تسابق هذا االرتفاع أصال وال تنتظره. «كهرباء الدولة» التي ال يعرف املرء متى تأتي ساعتها اليتيمة مــرة أو مرتني في اليوم، أخلــت مكانها متاما لــكل مــن «كهربــاء موتــور احلي» الــذي عنــده أكثر وأكثر ميل لفرض التســعيرة بالعملة الصعبة حصرا، و«لكهرباء الطاقة الشمســية» التي باتت جتسد حلم املواطــن الــذي بإمكانــه تأمــني كلفتها باالســتقا­لل عــن الدولــة املتعثــرة، وانتــزاع حصــة من الســيادة الكهربائية تخفف عليه ثقل الظالم.

جلســة برملانية النتخاب الرئيس من بعد جلســة، تخف متابعة اللبنانيني لهذه الطقوس التي هي أشبه ما تكــون بطقــوس مناجاة الفــراغ الرئاســي املديد. الشــعور العارف بأن بلدهم معلق فــي الهواء، وأن ال مخارج في األفق، وليس ثمــة أي مفتاح داخلي فاعل حلــل أي عقدة. بعــد عقود من اجلدل احمللــي إذا كان البلد مستقرا ألن عنده حوافز على «التماسك» أو ألنه «ممسوك» بوصاية خارجية أو بغلبة عنصر فيه على سواه، باتت صورته كبلد «متروك» هي التي تطغى.

من ناحية االستحقاق الرئاســي التقنية الصرف، ال ميكــن حلزب اللــه ايصال أحــد حليفيه، ســليمان فرجنية، من دون االتفاق على ذلك مع حليفه املسيحي اآلخر، جبران باســيل، وهذا ليس بســهل وهو بحكم املتعــذر. وفــي املقابل، حتى لو اقترب مرشــح القوى الســيادية من نصف عدد أعضــاء اجمللس، وحتى لو تعداهــا، فإن تأمــني حضور ثلثــي أعضــاء البرملان، حســب التفســير الذي يعتمده رئيس مجلس النواب للدستور أمر متعذر. النتيجة : حلقة مفرغة.

عام 2007 دخل لبنان أول جتربة فراغ رئاسي بعد احلــرب، دامت لنصف العام. لكن ارتســمت فيها منذ البدء معالم التفاوض على قائد اجليش آنذاك ميشال سليمان كرئيس توافقي. قبل أن يحدث التفاوض في النهاية حتت قوة الســالح، من خالل أحداث 7« أيار» 2008 وينتخب في إثرهــا الرئيس بعد أن اقترب البلد من شفير االحتراب األهلي.

عــام 2014 كابــد البلــد عامني ونصف مــن الفراغ، كانت كافيــة المتثال أقطاب حتالف 14 آذار املفترض أنهــم في مواجهة مع «حزب اللــه» الرادة هذا احلزب تباعا، وانتخابهم حليفه ميشال عون.

اليوم، تختلف. فاحلزب إذا حبذ فرجنية ال يســعه حتى اآلن إقناع عون وصهره باسيل، وفكرة الرئيس التوافقــي في املقابل تبــدو غير محبــذة. ال التوافقي متــاح وال املنحاز ممكن وصولــه. كل هذا فيما يجري اإلصرار علــى الطمأنة بأن االســتقرا­ر بحــده األدنى محافظ عليه ومضمون. مضمون حسنا، لكن في ظل وضع كهذا، مــن انهيار وفراغ وشــغور وتعطيل، هو مضمون الى متى؟

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom