Al-Quds Al-Arabi

تساؤالت آثمة حول املنطقة وتراثها

- توفيق رباحي٭ )ARCOM( ٭ كاتب صحافي جزائري

■ فتح مونديال قطــر 2022 عيون الغرب أكثر على منطقة اخلليج والشــرق األوســط وشــمال إفريقيا، على الصورة النمطية عن كونها مسرحا خصبا للحروب واألزمات واإلرهاب والتخّلف، وُأضاف فضوال سلبيا وتساؤالت آثمة حول املنطقة وسكانها وتراثهم وعاداتهم الضاربة في التاريخ.

الالفت أن النظرة الغربية املرتبطــة مبونديال قطر تكاد تنطلق من العــدم، على الرغم من أن عالقة هذه املنطقة بأوروبا أولا، ثم الواليات املتحدة الحقا، عميقــة بحكم املاضي التجاري واالســتعم­اري بعده، ثم العالقات االقتصادية واألمنية. لكن عندما تســتمع للنقاشــات في وســائل اإلعالم األوروبية ُيخّيل إليك أنهــم يتحدثون عن كوكب آخر يكتشفون سكانه ألول مرة.

مــن أكثر العناوين التي شــغلت النقاش العام فــي الغرب، قضايا املثلية اجلنســية. من كل همــوم املنطقة ومشــاكلها وثرائها وأحالم سكانها وطموحاتهم، توقف أمر بعض الغربيني عند املثلية اجلنسية.

لو ناقشــوا املوضــوع مرة أو اثنتــني أو ثالثا ومضــوا إلى قضايا أخرى، كان األمر ســيبدو مقبوال. لكن أن ُيختزل كل شــيء في املثلية اجلنســية دون غيرها، فهذا دليل على نوايا ناقصــة وغير بريئة. أن يحشر مسؤولون سياســيون ورياضيون والعبون أنفسهم بقوة في هذا املوضوع دون غيره، عالمة على رغبة في اإلساءة وافتعال مشاكل وأزمات.

هــدف محركي هــذا النقاش في أوروبا تنصيب أنفســهم أســيادا ميتلكون حــق تلقني اآلخرين دروســا ومواعــظ. ومنطلقهم أن هذه املنطقة متخلفة مقارنة بهم وليســت مختلفة عنهم. هذا احلكم اجلاهز الراســخ في أذهانهم ســلًفا أنهى كل نقاش. منطقة متخلفة يعني أنها تثير الشفقة وتستحق مســاعدتهم للخروج من ظلمتها. بينما النظرة إليها علــى أنها مختلفة كانت ســتتطلب االحتــرام والتفهم ومراعاة خصوصياتها.

ما يرفض «األســياد» التصريح به علنا أن موضوع املثلية اجلنسية «تابو» حتى في اجملتمعات الغربية. مخطــئ من يعتقد أن النقاش في املثلية اجلنســية مفتوح ُيطــَرق بحرية وبال قيود فــي أي مكان. لوال التشــريعا­ت الصارمة والقمــع املقنن الذي مينع مناقشــة األمر إال في اجتاه التفهم والتضامن والتعاطف، لســمعنا من الغربيني عن املثلية اجلنسية أسوأ مما نســمع عنها في مجتمعاتنا. عشت في الغرب زمنا طويال يكفيني إلبداء هذا الرأي.

مشــكلة الغرب «معنا» في هذه القضايا ليست وليدة اليوم. عندما فشــل في الوصول إلينا بلغته، قرر مخاطبتنــا بلغتنا. يكفي أن يتابع املرء مضمــون القنوات التلفزية الغربية الناطقة بالعربية التي ُأطلقت في العشرين ســنة املاضية، ليقف على تلك النظرة العرجاء احملكومة بصورة منطية عن هذه املنطقــة «املتخلفة واملتعصبة التي تكره اآلخر والباحثة ع َمن يخ ّلصها»، وفق أحكامهم.

دراسة محتوى ســريعة لبرامج هذه القنوات ستكشف بسهولة أن نسبة ال ُيستهان بها مما تبث تتمحور حول املثلية والعالقات اجلنسية واملرأة. أســوأ من ذلك أن النقاشــات تنطلق كلها من الصورة النمطية ذاتها عن أن املأســاة الوحيدة لهذه املنطقة هي جسد املرأة واحلرمان اجلنســي، وأن حتريرها من هذا الكبت ســيفتح عليها أبواب االزدهار والرقي.

يحزننــي أن بعــض مضمون قنــاة «فرانس »24 الفرنســية عدمي االحترام للمشــاهد. برنامج «في فلك املمنوع» ال ميكن مشــاهدته مع أفراد العائلة. من الصعب التصديق أنه ينشر الوعي والثقافة النفسية واجلنسية. هدفه، أدرك أصحابه ذلك أم لم يدركوا، التقليل من ما تبقى من حياء بني الناس حتت غطاء التوعية والتثقيف. (ما جدوى أن يبث حلقة مدتها ساعة تلفزيونية في بداية املساء عن قضايا حساسة؟ لقد عشــت نصف عمري في الغرب ولم أشــاهد يومــا برنامجا تلفزيونيا يناقــش مثل هــذا املوضــوع، دعك من توقيــت بثه). ومــن الصعب التصديق أنه حر يبث من عاصمة احلرية، كما يدعي شــعار أصحابه. هذه مجرد أكذوبة لن نصدقها.

مصيبة هذا البرنامج أنه يبث في وقت املشاهدة الكبرى.. اخلامسة أو السادســة مســاء بتوقيت دول املغرب العربي. أشك أن جهة ضبط وتنظيمالبث­التلفزيوني ستقبلببثال­برنامجفيمث­ل هذا التوقيت لو كان موجها للجمهور الفرنسي باللغة الفرنسية.

ال تختلف «دوتشــي فيلال عربي» األملانية في بعــض برامجها عن «فرانــس .»24 أحد مذيعي هذه القناة ال موضوع له في الشاشــة غير املثلية اجلنسية وتعدد الزوجات!

قناة احلرة األمريكية حتاول عبثا ركوب املوجة، لكنها فشلت مثلما فشــلت في مجاالت أخرى منذ يومها األول. ال غرابة بعد هذا أن يكون تأثير هذه القنوات أقرب إلى العدم.

ال أحد ينكر وجود مشــاكل جنســية ونفســية كبيرة فــي املنطقة العربية. هذا جزء من طبيعة مجتمعات شــابة تغلي في طور التكوين والتحّول. لكن مــن املعيب أن تهّب فئة من الناس الختزال كل مآســي املنطقة في املرأة واجلنس واملثلية!

قبل أن يفكر هؤالء في حترير اآلخرين من مآســيهم اجلنسية عليهم أن يتحرروا أوال من صورهم النمطية وتبعيتهم العمياء لنســق ثقافي غربي سام ومتعجرف.

حلســن احلظ أن في الغرب عقوال هادئة ومتزنة ميكن العثور عليها في تعليقــات القراء على التقارير واملقاالت الصحافية. هناك، حتى في الصحف الشــعبية الصفراء، ســتتكرر أمام عينيك عبارات من قبيل: علينا أن نتعلم احترام ثقافات اآلخرين عندما ندخل بيوتهم.

علينا أن ندرك أن الناس أشــكال وأنواع مختلفة إلى حد التناقض. ملاذا نريد أن جنعل العالم مثلنا ونحن لسنا أفضل َمن فيه؟

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom