Al-Quds Al-Arabi

كرة القدم وما حولها كمرآة لنا ولهم!

- عمرو حمزاوي٭ ٭ كاتب من مصر

■ أعقب فوز الفريق املغربي لكــرة القدم على نظيره البلجيكي في منافســات الدورة احلالية لــكأس العالم املقامــة في قطر حدوث أعمال شــغب مــن قبل مواطنني بلجيكيني مــن أصول مغربية يعيشــون فــي العاصمة بروكسل ومواجهات عنيفة بينهم وبني قوات الشرطة.

واألمــران، من جهة تعاطف بعــض البلجيكيني ذوي أصول مغربية مع فريق املغرب وابتعادهم عن تشــجيع فريــق البلد الذي يحملون جنســيته ومــن جهة أخرى تورط القليل منهم في أعمال شــغب وعنف، يســتدعيان التأمل والتفسير.

يتشابه سلوك بعض البلجيكيني من أصول مغربية، أو املغاربة اجملنســني في بلجيكا، مع سابق سلوك مواطنني أوروبيني من أصول شــرق أوسطية في منافسات كروية متنوعة. فعادة مــا ينحاز بعض الفرنســين­ي من أصول مغربية وجزائرية وتونســية إلى فــرق املوطن األصلي علــى حســاب فرق الوطــن الفرنســي فــي املواجهات الكرويــة خصوصــا والرياضية عمومــا. وميارس ذات الســلوك بعض األملان من أصول تركية الذين يحرصون على احلضور اجلماهيري الكثيف ملنافســات فرق تركيا الرياضية مع الفــرق األملانية إلى احلد الذي دفع يواخيم لوف، املدرب الســابق للفريق الوطني لكرة القدم، وفي أعقاب مباريات ودية جمعت بني فريقه والفريق الوطني التركي خالل السنوات املاضية وأجريت في مدن أملانية، إلى انتقاد أال يسمع في استادات بالده سوى الهتاف ضد فريقها الوطني.

يدلل تشابه الســلوك التشــجيعي جملموعات داخل اجلاليــات العربيــة والشــرق أوســطية علــى امتداد غــرب أوروبا، إن فــي بلجيــكا وبالتبعية فــي هولندا ولوكســمبو­رغ أو في فرنســا وأملانيا، على حضور أزمة هوية وانتماء لألوطان اجلديدة.

ال تقتصر أزمــة الهويــة واالنتماء هــذه على اجليل األول من املهاجرين الذيــن قدموا من بالدهم بغية العمل أو الدراسة وعاشــوا على هوامش اجملتمعات األوروبية دون أن ينخرطوا في حياتها الثقافية والفكرية ودون أن ينفتحوا على عاداتها وتقاليدها من غير خوف من رفض أو عنصريــة. بل أن أزمة الهويــة واالنتماء إلى األوطان األوروبيــ­ة اجلديدة ال تتــرك األجيــال الالحقة للجيل األول من أبناء وأحفاد العرب والشــرق أوسطيني الذين يتعلمون في مــدارس أوروبا وجامعاتهــ­ا ويعملون في مصانعها وقطاعاتها اخلدمية ويسكنون مدنها وقراها، ال تتركهم وشأنهم وتدفعهم إلى اعتناق نظرة مثالية للبالد التي قدم منها اآلباء واألمهات ونظرة رافضة إلى أوطانهم األوروبية وغاضبة من مجتمعات األغلبية.

تتشــبث األجيال الالحقــة للجيل األول مــن العرب والشــرق األوســطين­ي بعادات وتقاليد املواطن األصلية وطقوسها الدينية وحفريات لغتها الدارجة (كما يتذكرها اآلباء واألمهــات وينقلونهــ­ا إلى األبنــاء واألحفاد في مفردات وتعابيــر جتاوزتها حتوالت اللغــات الدارجة في بــالد العرب والشــرق األوســط)، مثلما تتشــبث أيضــا بالنجاحات فــي مواجهات الرياضــة إن حدثت واالنتصارا­ت فــي معارك السياســة إن وجدت للتدليل على شــيء من التفوق. يفعلون ذلك وهــم أبناء وأحفاد

من قدموا مــن مجتمعات تعاني مــن التأخر االقتصادي واألزمــات االجتماعية والسياســي­ة وتصارع في بعض األحيان مــن أجل البقاء في ظل حــروب أهلية وارحتال وهجرة.

يفعلونه أيضــا وهم يواجهون عنصرية وشــعبوية البعض فــي مجتمعات األغلبيــة الذين يرمــون عموم العرب والشرق أوســطيني باجلهل والرجعية األخالقية والتطــرف الديني والفكــري وأحيانا مــا يدفعون بهم جماعيا إلى خارج سياقات الهويات الوطنية للمجتمعات األوروبية كمجــرد «مرتزقة» قدموا القــارة «البيضاء» لالعتياش علــى تقدمها االقتصادي واملالي واســتغالل­ه كمورد لرزقهــم ورزق أســرهم دون رغبــة حقيقية في االندماج مع مجتمعات األغلبية ودون اســتعداد حقيقي الحترام إن عاداتها وتقاليدها أو املبادئ املنظمة لوجودها واملنصوص عليها في الدساتير والقوانني األساسية.

تشــجيع فــرق املواطــن األصلية على حســاب فرق األوطان األوروبية هو، إذا، تعبير مباشر عن أزمة الهوية واالنتماء التي يشعر بها البعض داخل اجلاليات العربية والشــرق أوســطية. وهو أيضا رد فعل متمرد وغاضب في مواجهة العنصرية التي تواجههــا تلك اجلاليات من املنتمني إلى واملتعاطفن­ي مع اليمني املتطرف والشــعبوي الصاعــد فكريا وسياســيا بقــوة في عديــد اجملتمعات األوروبيــ­ة، وفي مواجهة التشــكيك املســتمر في نوايا وتفضيالت عموم اجلاليات العربية والشــرق أوسطية مهمــا اندمج الكثير منهم مع األغلبيــا­ت واحترم عاداتها وتقاليدهــ­ا ومبادئ عيشــها املشــترك. هــي، إذا، أزمة الطرفني، جاليــات ومجتمعات أغلبية.

أما أعمال الشغب التي تورط بهــا في بروكســل القليل من البلجيكيــ­ني ذوي األصول املغربية فــي أعقاب انتهاء مواجهــة املغرب وبلجيكا في كأس العالم، وهي تتشــابه مع أعمال شــغب حدثت في املاضــي القريب في ضواحي بعض املدن الفرنســية بعد مواجهــات كروية لفــرق مغاربية، فهــي ترجمة عنيفة ألزمة الهوية واالنتماء ولشــعور الغضب الذي يســيطر على بعــض القطاعات بــني صفوف اجلاليــات العربية والشرق أوسطية. وال تنفصل الترجمة العنيفة للغضب، وبجانب كل ما يرتبــط بالعنصرية من طرف العنصريني والشعبويني في مجتمعات األغلبية، عن تردي األوضاع االقتصاديـ­ـة واالجتماعي­ــة فــي ضواحي املــدن التي تســكنها اجلاليات مبعدالت مرتفعة وتنتشر بها اجلرمية وتنخفض بها مستويات اخلدمات التعليمية والتثقيفية.

ليس عنف بعض العرب والشرق أوسطيني في أوروبا بالظاهرة اجلينية التي ال تدعنا أبدا وحال سبيلنا، بل هو ترجمة ألزمات وأوجاع مجتمعية تعاني منها جالياتنا في الغرب األوروبي وتأن حتت ضغطها مثلها مثل األغلبيات. وليس فــي االبتعاد عن الوقــوف وراء فــرق األوطان اجلديدة الرياضية ومتني خسارتها من بعض القطاعات داخل اجلاليات العربية والشــرق أوسطية سوى تعبير عن أزمة الهوية واالنتمــا­ء وتعثر االندماج الذي تتحمل مسؤوليته اجلاليات واألغلبيات على حد السواء.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom