Al-Quds Al-Arabi

عمان ـ رام الله: «الفصل العنصري» و«حق تقرير املصير»... خطة «مواجهة» أم «تكيف»؟

-

عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

ملاذا يقرر األردن مخاطبة جلنة احلقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلســطين­ي مبناسبة يوم التضامن العاملي مــع الفلســطين­ين وبكثافة فــي الوقت الذي تشكل فيه مالمح حكومة فاشية إسرائيلية ويوقع فيه الرئيس محمــود عباس على وثائق إطالق املشــروع اجلديد بعنوان التركيز على دولــة الفصل العنصري اإلســرائي­لية؟ ســؤال عريض لكن تفاصيل شــيطان التحليالت بن ثناياه واســتخالص إجابة مباشــرة عليه يعني االسترســا­ل مجــدد ًا أردني ًا وفلســطيني ًا بتجــاذب وجــدل ونقاش اخليــارات املتاحــة. ومن املرجح جــدا أن بعضها اســتنفد في محــور رام الله عمــان وبعضها اآلخر قــرر اللجوء لنمــط جديد من الدبلوماسي­ة ليس على أساس االشتباك والصدام مع الفاشية التي تبرز بقوة في األرض احملتلة إسرائيليا.

ولكن على أساس اللعب مجددا باملتاح والتخفيف من حدة وحمأة االنفعال اإلسرائيلي حتى ال تضطر كل من الســلطة وعمان معا للخوض في الســؤال األعمق واألخطر: ما الذي يتحتم فعله واالستعداد له مرحليا ملواجهــة التصعيد اإلســرائي­لي احملتوم والوشــيك؟ ســؤاالن األصغر فيهما أعقد من األكبــر، لكن مجددا ال خيارات إال املتاحة.

ومجــددا فــي ثنائية املصيــر التي تظهــر اليوم بالتراسل بن عمان ورام الله لم تفقد الدبلوماسي­ة في اجلانبن األمل فــي التخفيف من حدة القادم وتتجنب االستثمار في أوراق القوة الفاعلة واحلقيقية في إطار حســابات اجملتمع الدولي، وهو مجتمــع يصر اليوم وزير البــالط األردني األســبق وخبيــر املفاوضات، الدكتور مروان املعشــر، على أنه غــارق في اللفظيات واإلنشــائ­يات وليــس في موقــع تقدمي أي شــيء ال للفلسطينين وال لألردنين وال حتى ملا تبقى مما سمي في املاضي بعملية سالم.

بالتزامــن يــزور الوفد الفلســطين­ي الــذي كلف بتأسيس وحدة التركيز على دولة العنصرية والفصل العنصري اإلسرائيلي، عمان، ثم تبرز الرسالة امللكية األردنية العميقة واملهمة حتت عنوان "التضامن العاملي مع الشعب الفلســطين­ي وحقه األممي" والتي تضمنت

شــرحًا مفصًال ملواقف األردن حظي بــه رئيس جلنة احلقوق غير القابلة للتصرف للشــعب الفلســطين­ي. القرارات في عمق اخليارات أردني ًا وفلسطيني ًا واضحة املالمح وقوامها اليوم التمســك بالثوابت املعلنة التي ترفصها إسرائيل يوميا هنا وبكل اللهجات. ومواجهة والدة حالــة فاشــية إســرائيلي­ة وميينيــة متطرفة بالعودة إلى األدبيــات ذات الصلة مبلف احلقوق غير القابلة للتصــرف وحتذير العالم من نتائج وخيمة في حال تقويض األمر الفلسطيني الواقع. يعلم األردنيون يقينا بأن حل الدولتن انتهى، ويعلم الفلســطين­يون بدورهم بأن اخلطــوة املقبلة لالئتالف اإلســرائي­لي احلاكم هي ضم األراضي احملتلة وفرض وقائع جديدة عليها في مقايضة بوجود الســلطة نفسه. معلوماتيا يطــرح األمر على مســتوى اللجنــة التنفيذية ملنظمة التحرير فيصدر توجيه رئاسي فلسطيني يحدد خيار املرحلــة وهو التركيز علــى دولة الفصــل العنصري اإلســرائي­لية فــي املرحلــة املقبلة. ويبحــث مجلس السياســات األردني فــي خياراته الســيادية فيتقدم األردن مبداخلة صلبــة قوية عنوانها اليوم حق تقرير املصير األممي واألمــل في اجلانبن أن حتد اخلطوتان من جموح الكيان وحكومته اجلديدة لكنهما لن تفعال، وتظهران باملقابل حجم ومنسوب الزوايا الضيقة التي تتحرك فيها اليوم إســتراتيج­ية التجاوب أو التفاعل والتكيف مع احلالة اليمينية اإلسرائيلي­ة.

من بــاب التحليل فقط ميكــن القــول إن التكتيك الضمني في اخلطوتن الفلســطين­ية واألردنية يستند إلى ســحب الشــرعية مســبقا من أي ســلوك مييني إسرائيلي على األرض في تكرار لتجربة إحباط صفقة القرن على األقل باملعنى السياسي اإلعالمي العلني.

وفــي األثنــاء، توجيــه رســائل لإلســرائي­لين واألمريكين تفيد بــأن عمان ورام اللــه بدأتا وقررتا التحــرك مع اجملتمــع الدولي في فضــاء جديد يزعج اإلسرائيلي­ن ويقلقهم لم حترك العاصمتان فيه سابقا وهــو البعد اجلنائي فــي ملف الفصــل العنصري ثم البعــد اإليحائي في انضمام دولة مثــل األردن بثقلها إلــى مواجهة أو معركة دبلوماســي­ة حق تقرير املصير للشعب الفلسطيني.

عمليــا لم يســبق لألردن أن شــارك في مســرح عمليات دولي ضد اإلســرائي­لين من الصنف احلقوقي األخالقي. وطوال سنوات كانت السلطة الفلسطينية ورئيســها مينعان أو يقمعان كل محاوالت الصراع مع اإلسرائيلي عبر مساحات جنائية دولية أو عبر ركوب موجة الفصل العنصري التي يعتبرها املعشــر وصفة سليمة وبناءة ومثمرة شريطة حسن األداء واملواجهة ودفن كل الكالم عن عملية ســالم لم تعــد قائمة وعن تطبيع غير منتج وعن حل دولتن يردده كأغنية بعض الغربين فقط وفقًا للتعبير الذي استخدمه يومًا املفكر الراحل عدنان أبو عودة.

خياران قــرر األردن والســلطة االســتثما­ر فيهما بالتزامــن أمال في حتقيق ردع ما للحالة اإلســرائي­لية التأزميية اجملنونــة اليوم. لكن دون ضمانات إنتاجية أو حتريك في الوقائع وهما خياران أقرب إلى رسالتن متالزمتن ال أكثر وال أقل، حيث ال تعرف الســلطة وال احلكومــة األردنية بعــد ما هي ثمار خــوض مواجهة دبلوماسية صعبة في األقنية الدولية حتاول مقايضة أو ابتزاز اليمن اإلســرائي­لي الفاشل املتطرف بعنوان الفصل العنصــري وحقــوق تقرير املصير للشــعب الفلسطيني. لكن السؤال حول إنتاجيتهما وتأثيرهما يحتاج إلــى فترات أطول قد ال تســعف ال رام الله وال عمان في االســتدرا­ك، فإسرائيل جتاوزت كل مراحلها في التأسيس لدولة يهودية وفي اجتاهها اليوم لوضع السلطة في ســياق زاوية حرجة جدا عنوانها مواجهة شــعبها أو التقويض واملغادرة وإســرائيل اجلديدة املتطرفة اليوم تدفع باجتاه "أردنة" مشــكالت الضفة الغربية احملتلة وبدون نقاش وحتضير مع األردن.

وضع صعب ومحــرج ومعقد. وفــي الوقت الذي تشكل فيه الرســالتا­ن هنا حراكا ما أو خطة في اجتاه االشــتباك إال أنهمــا تظهران برأي بعــض احملللن أن عمــان ورام الله أبعد عن مســافة ومســاحة الصدام واملواجهة أو حتى عن مســاحات املواجهة واالشتباك مــع خيارات العدو ال بل هما برســم منــط التكيف مع وقائع موضوعية علــى األرض وإن كان بدون تفريط بالثوابت.

ما ال تقوله رســالة األردن لرئيــس جلنة احلقوق غيــر القابلة للتصــرف واضح أيضا أكثــر مما تقوله وخيــارات الرئيس عبــاس دوما في الســياق لكن ما هو غامض حتــى اللحظة متعلق بالســؤال اخلتامي: إذا اجته اليمن اإلســرائي­لي لســيناريو الفوضى في األرض احملتلــة وتصديــر األزمة شــرقي األردن فهل يصبح الصدام أو حتى املقاومة في الســياق احلتمي؟ وتبقــى اإلجابة بانتظار ردة فعل اليمن اإلســرائي­لي على اخلطوتن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom