Al-Quds Al-Arabi

بهاء طاهر في رحلة السفر البعيد إلى واحة الغروب

- كمال القاضي ٭ كاتب مصري

■ رمبــا ألنه عكــف طــوال حياته على الكتابة واإلبداع والترجمة فقط، ولم يشغل نفسه باألضواء والشهرة، ظل لفترة طويلة األقل شــهرة بني الروائيني الكبار من أبناء جيلــه، إنه الكاتب الروائي والقــاص واملترجم بهــاء طاهر، صاحب النفــس الروائي املتميــز والنكهة اخلاصة في مذاق القصة القصيرة، تلك التي بدأ بها مشواره كعادة األدباء الذين مييلون إلى اإلبــداع القصصي كُمنتــج ُتختبر فيه القدرات األدبية قبل اقتحــام عالم الرواية برهبته واتساعه وزخمه وتفاصيله املبهرة.

القص والترجمة

لقد أكد األديب الراحــل امتالكه الكامل ألدوات القاص احلصيــف، اخلبير باللغة ومداراتهــ­ا ودروبها حــني كتب مجموعته القصصية «اخلطوبة» عام ،1972 التي قاده صداها إلى مســالك أخرى في دروب ذات صلــة، فهو اإلذاعي املدرب متــام التدريب على ضبط الصوت واإليقاع في سيمفونية اإلبــداع األدبــي، القائم على حساســية احلروف والكلمات ورســم الشــخصيات واستنطاقها وفق احلالة الفنية املستهدفة بسياقاتها املتعددة. وال شك في أن درايته بالترجمة كعلــم وفــن موازيــني للخط القصصي، قد وســعت نوافذه املفتوحة على عوالم الكتابات العامليــة، فاكتســب خبــره إضافية جعلتــه أكثر تأهيال إلجناز املزيد من القصص بأطوار مغايره للســائد على الســاحة األدبية حينئذ، ولهذا لم يجد عناء في اتباع اخلط القصصي والســير فيه على هدي املوهبة املتوافرة لديه بقوة، حيث استطاع إضافة عناوين أخرى كثيــرة جملموعته املذكورة ســلفا «اخلطوبــة» إذ مثلــت اإلضافات املتواليــ­ة صــورًا مضيئــة عّبــرت عنها بقيــة مجموعاته وكتبه املبينــة كالتالي.. «باألمس حلمت بك، أنــا امللك جئت، أبناء رفاعة ـ الثقافة واحلريــة» واألخير كتاب مهم يسجل متالزمة الثقافة واحلرية كحالة واحدة متكاملة ال يجوز الفصل بني طرفيها، فالثقافة هي عنــوان احلرية، وكذلك تأتي احلرية كعنصر إنساني يعكس عمق احلالة الثقافية وجدواها.

ويدلــف بهاء طاهر بتأثيــر جناحه في الكتابــة القصصيــة إلى ســاحة اإلبداع الروائي، بعد أن أمضى وقتا في االستعداد واالحتشــا­د، إلــى أن جاء موعــد إجناز روايته «شرق النخيل» ولم يكن ذلك سوى طرق خفيف علــى باب الكتابــة النوعية بأجوائها وشــعابها وطقوســها، وما لبث أن اســتقر مزاجه اإلبداعي فأتبع «شــرق النخيــل» بروايــة أخرى بعنــوان «قالت ضحى» في اســتلهام يوحي بتوق خاص إلى كتابة ناعمة بداللة رومانسية وطقوس مختلفة.

ولم يستغرق الكاتب الكبير وقتًا طويًال حتى كانــت روايته «حب فــي املنفى» بني يدي القارئ كحالة إبداعية تشــهد بتطور ملحوظ فــي مضمــون الكتابة والســرد

واألفكار العابــرة للمفهوم التقليدي إلطار الروايــة املصرية ومتنها، ثــم تأتي رواية «خالتي صفية والدير» فتكتســب شــهرة واسعة بعد حتويلها إلى مسلسل تلفزيوني اجتمع اجلمهــور املصــري والعربي على جودته وثرائه الدرامي واإلنساني، السيما أن اخملرج الراحل إســماعيل عبد احلافظ عمد في حينه إلى اســتثمار أجواء الرواية لتأكيد عنصر الوحدة الوطنية من ناحية، ومعاجلة قضية الثأر من ناحية أخرى.

ثقافة اجلنوب

وقــد أفلح عبد احلافــظ بالفعل في لفت النظر إلى جانبني أساســيني فــي الثقافة اجلنوبية املصريــة، األول اكتمال عناصر الوحدة الوطنية، دون شــعارات وبشكل فطــري وطبيعــي، ثانيا نيــران الغضب التي تســتعر أحيانًا وتخبو أحيانًا جراء الثأر الذي ُيمثل ُمقدســًا ال يجوز املساس به، حيــث ارتباطه بالقصاص والشــرف والوجــود والنفــوذ والكرامــة، حســب فرضيات التاريخ الزمني لألحداث الدرامية في الرواية ذائعة الصيت.

وفي رواية «واحة الغــروب» احلاصلة علــى اجلائــزة العاملية للروايــة العربية يكتمــل قمر اإلبــداع في ليل بهــاء الطاهر الساكن وامللهم، فتحصل الرواية ذاتها على امتياز التحول الدرامي في مسلسل باالسم نفسه عام 2017 مبشــاركة جنوم التمثيل، خالــد النبوي ومنة شــلبي وســيد رجب وأحمد كمال وركني ســعد ومنــذر ريحانة ورجــاء حســني وناهد رشــدي ومحمود مسعود ومحمود جمعة. وكالعادة تضيف السيناريست مرمي ناعوم مكسبات الطعم اخلاصة فتــزداد حــالوة الرواية وتتعدد مســتويات احلكاية بفعل احلبكة الدرامية والتأثير املباشــر، بتعزيــز مواطن القوة والتفاعــل فــي احترافية تضــارع قدرات الكاتــب فــي النــص الروائــي األصلي، وبالطبع ُيعظــم دور اُملخرجــة كاملة أبو ذكري حالة اإلقناع اجلماهيري بالتوظيف الذكــي لألبطال فــي أدوارهم املناســبة، فضال عــن القــدرات الفنيــة واإلبداعية املتوافرة لديها كمخرجه معهود عنها التميز واإلحكام الشديد لألدوات والعناصر كافة، من إضاءة وموســيقى وديكــور ومالبس ومونتاج ومكساج وخالفه.

كل هذه دالئل متيز في مســيرة الكاتب الراحل الكبير بهاء طاهر تستحق اإلشارة والتركيز وتســتوجب القراءة املتأنية في تاريخه األدبي احلافــل باجلوائز واملليء بالنجاحات.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom