Al-Quds Al-Arabi

اجلوائز العربية وعالم احملاباة

- هاشم شفيق ٭ شاعر عراقي

■ معــروف أن اجلوائــز العربية، ومــن يقوم عليها، وينهي ويأمر بشــأنها، إما روابط أدبية، أو مؤسسات ثقافية مســتقلة، وأخرى حكومية، وإما رجل غني له باع فــي عالم التجارة، وله ولع براني في متابعة الشعر، ورمبا كتابة بعض السطور منه، في أوقات في فراغه، أو نهايات أيامه، وغالبه شعر كالسيكي يفتقر إلى الســبك واجلزالة، أو أن هناك دولة نفطية صغيرة، تســعى إلى استقطاب الكتاب العرب نحو مدارجها، لينالوا نصيب ًا مال ّي ًا مك ّرس ًا في جائزة، ثم ُيلقوا ضوءًا من بريقهم، وشهرتهم عليها، أو هناك جهة في عالــم أوروبي لها مجلة ممولة من ميزانّية بلد أوروبي، أو بلدية ما وراع معّين، ترغب في جلب األنظار إليها، فتنشــئ إلــى جانب اجمللة جائزة عربية، أو جائزة رديفة ومثيلة، مشــتقة من جائزة أجنبية حتى باالسم، ليلتف حولها الكتاب، ويتبارون في الوصول إليها، ثم نيلها بالتالي، غاية في مجد أدبي ومبلغ مالي، يكون األديب العربي في حاجة ماسة إليه دون شك.

في مقابل هــذا، هنــاك جوائز تقديريــة لدولة عربيــة معّينــة، مبلغها غيــر مجٍز، لكنهــا جائزة تكرميية، ترفع األديب من زاويته املنســية إلى بقعة وفيرة من الضوء، كما هــو احلال في جوائز الدولة التقديرية، تلك التي متنح في مصر وبعض البلدان العربية، مثل «جائزة محمود درويش» في فلسطني، و«جائــزة األركانة» في املغــرب، و«جائزة الطيب صالح» في السودان، و«جائزة أبي القاسم الشابي» في تونس.

من بني هذه اجلوائــز، ثمة جوائــز تبدو بالغة األهمية، حلملها املبلغ املالي املغــري والوافي، ذاك الذي يسعى إليه بعض األدباء العرب، وليس كلهم لنيله بأّي طريقة ووسيلة، بغية سّد عجز ما لديهم، أو ليضفي على طريقة عيشــهم، نوعا من الطمأنينة املســتورَدة، والبحبوحــ­ة احلياتيــة املؤقتة، مثل «جائزة البوكــر» العربية و»جائزة الشــيخ زايد» و»جائزة سلطان العويس».

يشــير بعض النقاد والكتاب واألدبــاء العرب،

إلى أن اجلوائز األدبية التي حتمل رقمًا ماليًا كبيرًا، تفتقر إلى العدالة والشــفافي­ة، والنزاهة في العمل، وتــدار بطرائق ملتوية، كأمنا تقــف وراءها عصبة ســرية، غايتها احلفاظ على عملهــا املدار من قبلها، كلجنة التحكيم وجلنة القــراءة، ورمبا هناك جلان للمتابعــة والتنســيق والفرز واحلفــظ. كل هؤالء يعرفون بعضهــم، ويتنادون إلى جلــان اجلوائز، هم أنفســهم، ليمنحوا في املآل اجلائزة ملقرب منهم، من رؤيتهــم وتفكيرهم ونهجهــم األدبي، أو هم من يرتأونه، ويفّضلونه، ألســباب كثيــرة، جّلها غير أدبي، كأن ينالها من لهــم توصية، أوعالقة وطيدة برئيــس اللجنة، أو أحــد أعضاء جلــان التحكيم املســموع صوتهم، ممن ميتلكون النفوذ الواســع، والــرأي املهيمن، والصيت الطاغــي على البقية، أو عبر توصية نافــذة تأتي غالبا من خــارج الدائرة املنوطة بالعمل األدبي.

لهذا جلــان هذه اجلوائــز، ال تنظر إلــى العمل املقدم للفحص واملتابعة والقراءة، من خالل أهميته اإلبداعية، فليس في وســعها قراءة ما بني الستمئة والسبعمئة رواية ونص أدبي، خالل ستة شهور.

الالفــت في جائزة «البوكــر» العربية، أن بعض الشــباب الذين نالوها، كان حضورهم ونشــاطهم اإلعالمي، والروائــي والكتابي واضح ًا وبارز ًا، قبل نيلهم اجلائزة، من ناحية اإلصدارات اجلديدة، عمل روائي كل عامني أو عام، حضور الفت في الصحافة، تصريحــات وندوات ثقافية، كتابــة أعمدة ثقافية، مقابالت فــي الصحــف، والقنــوات التلفزيوني­ة، لكن كل هذا ســيتبخر ويغيب، حني يحصل أحدهم علــى اجلائزة. مبرور ســنوات ثــالث، أو عقد من الزمن، سينســى ذلك الروائي الشــاب، الذي كان يصــ ّدر رواية كل عــام، ويهيم اختيــا ًال، وهو يقفز في الهواء، من محطة فضائيــة الى أخرى، ليرافقه اســمه الضوئي، وهــو يعبر اجملــالت والصحف، حتى النــدوات الثقافية، التي تجــرى هنا وهناك، ســتتداوله وتشــير إليه، صوره تكــون قد مألت وســائل التواصل االجتماعي، وامليديا اإللكتروني­ة السريعة، لكنه في املنتهى سيذهب سريعا، ويختفي لينسى، كما امليديا سريعة الزوال.

ال أريد هنا أن أذكر بعض األســماء، لكيال أوقظها من غفوتها، بعد نيل اجلائزة، هذا ناهيك ممن نالها وهو متقــّدم، أو متقّدمة في الســن، لكــن بعد نيل اجلائــزة تقاعدوا عن الكتابة، وغابوا عن وســائل اإلعالم والنشر، واملنابزة الكالمية والصحافية، في السر والعلن.

والسؤال الذي يخامرني في هذا اجملال، أال يوجد رافضــون للجوائز؟ كما حصل مــع املفكر واألديب، والفيلسوف الوجودي الشــهير جان بول سارتر، الذي رفــض جائزة بحجــم نوبل، وهــو الوحيد الذي رفضهــا. ُترى كــم كان كبيــرًا، وعظيمًا هذا املفكر الفرنســي املثالي واالســتثن­ائي، الذي صرح بعد منحه اجلائزة، معلال ســبب رفضه إياها، بأنها جاءت لتتوجه وهو حي، وفي أوج عطائه اإلبداعي، وأنه لديه العديد والكثير من املشــاريع املستقبلية، تلك التي ستتحول إلى كتب.

كان ســارتر يتخّيل ويتصّور أن اجلائزة سوف تقضي على عطائه اإلبداعي، وتشــله عن الكتابة، كونه قد وصل إلى النهاية، وسيكف حني يقبلها، عن العطاء الفكري والفلسفي واألدبي. بالطبع البعض سيقول هذا سارتر، وليس أحدا سواه، وبوسعه أن يحط من مســتوى أي جائزة، حتــى لو كانت نوبل العاملية، يحط من سمعتها، وقيمتها الفنية واألدبية واملالية، مثلما حط بفلسفته وفكره وأدبه، من قيمة فالسفة المعني ومشهورين، كانوا موجودين قبله، سطعوا في زمن ســابق عليه، بفلسفتهم وأفكارهم، ورؤاهم التي شغلت العالم.

نتذكــر على الصعيــد العربي، رفــض الروائي املصري صنــع اللــه إبراهيــم جلائــزة «الرواية العربيــة» في مصــر، ونتذكــر الشــاعر العراقي الراحل سعدي يوسف الذي رفض «جائزة سلطان العويــس» معنويا، لكن من الناحيــة املالية، أودع قيمة اجلائزة في حســابه اخلاص. رمبا جاء رفض ســعدي يوســف للجائزة متأ ّخــر ًا، وكان قد قضم

ما قضم من مالها املدفوع، فجــاء رفضه لها ناقصا، وغير مكتمل، وفــي غير أوانه. في الســياق ذاته، برزت في سنوات التســعيني­ات من القرن املنصرم، وصــوال لأللفية الثانيــة، جوائز الطغــاة «جائزة صدام حســني» التي نالها كتاب عرب وأوروبيون، بينمــا رفضها محمد عابد اجلابــري، صاحب كتاب «نقد العقل العربي» وهو فيلســوف وباحث ومفكر مغربي، ك ّرس ج ّل حياته، في سبيل البحث الفلسفي الرصني، واِحلجاج واجلدل، والفكر التنويري، وقد جتلى ذلك في كتب عدة، دانت االســتبدا­د والتفكير األعمى، واألزمنة العربية اجلاهلية.

أما اجلائزة العاملية الثانيــة، فهي جائزة العقيد معمر القذافي، التي نالها مفكــرون أجانب، وعرب معروفــون بأفكارهم اليســارية. جائــزة القذافي حملت رقمًا ماليًا كبيرًا، نالهــا الناقد املصري جابر عصفور، بينمــا رفضها وبإباء، املفكــر محمد عابد اجلابري والروائي اإلسباني خوان غويتسولو، وال نريد هنا أن ندخل في ســيرة القذافي، فهي معروفة للجميع. لكن الذي ُيحّير في األمر، هو قضية صديقنا وناقدنا الراحل جابر عصفور، وكما عرفته فهو رجل يساري، ناقد ومتم ّكن ج ّد ًا، وناجح في عمله الفكري والنقدي، محترم من جميع األطراف األدبية، شعرية وروائية ونقدية وبحثية، والســؤال هو كيف قبل بجائزة القذافي؟ وهو وزير سابق، ناهيك من صيته األدبي والفكري والنقدي، كيف يقبل بشيء معطى من طاغية؟ هل هو املبلغ املالي الكبير املسيل للعاب؟ هذا الــذي ســيتحول إلى ماليني، وفق حســابات اجلنيه املصري، أم أن هناك حسابات أخرى؟

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom