Al-Quds Al-Arabi

لإلسرائيلي­ني: ال تكترثوا لكراهية «املونديال» لكم... فبعض العرب «مطّبعون كرماء»!

- –

يصبح املونديــا­ل رويــدا رويدا حدثــا أكثر سياســي ًا وأقل رياضي ًا. في بضع مدن مركزية في بلجيكا، أعلن أول أمس عن وضع طوارئ بسبب فوز املغرب على منتخبهم. حاولت وسائل إعالم في العالم هنا وهناك جتاهــل حقيقة أن محدثي االضطرابات التي انتشرت إلى هولندا أيضا، هم مهاجرون من املغرب، الذين يتبعون هكذا طريقة لإلعراب عن فرحتهم التي هي كراهيتهم أيضا. هم فازوا؟ ما الذي يريدونه؟ ملاذا كانت حاجة لكسر وحتطيم وإحراق ســيارات؟ علــى الصحافيني اإلسرائيلي­ني الذين اصطدموا مبظاهر العداء في قطر يتعــني عليهم إذن أن يفرحــوا بحظهم؛ فقد تعرضوا لعنف لفظي بينما كان العنف جســديا في بروكسل.

اعتقــد اإلســرائي­ليون الذيــن وصلــوا إلى قطر أنهم فــي عصر اتفاقات إبراهيــم، وبدال من الزهور يتلقون وابال مــن الكراهية جملرد وجود إســرائيل. ثمة مشــكلة واحدة فقط؛ ال مفاجأة. قطر هي الصيغة الســنية إليران الشيعية. دولة تنمي الكراهية إلسرائيل. عمليا، كلمة «إسرائيل» غيــر موجــودة فــي وســائل اإلعــالم هناك؛ فللدولة اليهودية اســم آخر: «كيــان األبرتهايد االســتعما­ري». يدور احلديث عــن دولة إخوان مســلمني، أي حماس، لكنها غنية جــدا. وإال فما الذي اعتقدناه، أن يستقبلوا اإلسرائيلي­ني هناك بـ «أه ًال وسه ًال»؟

كانت القضية الفلســطين­ية على مدى عشرات الســنني مصــدرًا سياســيًا لتنميــة الكراهية. األنظمة الظالمية حتتاج إلى شــيطان، والدولة اليهودية أدت هذا الــدور بنجاح. «ما الذي جعل دمشق، أجمل املدن، تتجمد هكذا؟» سأل د. سامي اخلوري، دبلوماسي سوري، في 2004 عن بشاعة املدينة التي يحبها جدا. وأجاب في مقال نشــره: «الطغيــان الصهيونــي». األنظمة السياســية وقفت مرتبكــة أمام هذا الطغيــان. وبعامة، فإن «الصهيونية العاملية» بالنسبة له هي التي تتحكم باالقتصاد العاملي وبوسائل اإلعالم العاملي.

التحريــض ال يزال هنــاك. والدولة الوحيدة التي فيهــا يعد مســتوى التحريض مبســتوى حكم حمــاس في غزة هــي قطر، ويبــدو إيران أيضا. كون مئات ماليني العرب يشــاهدون قناة «اجلزيرة» مــن مدينة الدوحة، التــي هي أيضا عاصمة املونديال، فــإن التأثير قائم. ولكن خيبة األمل التي ســيطرت على املراسلني واملشاهدين من الوسط واليســار، وكذا «قلنا لكم» من جانب اليمني – ال يجلســون على أرض صلبة؛ مشــكلة العالم العربي هي العالم العربي؛ فهو الذي خلق، منذ قيام إســرائيل، حروبا فظيعــة للعرب ضد العرب، وبني الدول وفي داخل الدول.

لكن هناك عاملًا عربيًا آخر. كل إســرائيلي زار اإلمــارات والبحرين أو املغرب يعرف أن األجواء

هناك مختلفــة متاما. وفي داخــل كل دولة تنوع لآلراء. معظــم مناطق املغــرب مضيافة، رغم أن هناك أيضًا تيارًا إســالميًا غير هامشي. وأحيانا ليــس هنــاك حاجــة لألغلبيــة ألجــل إحداث اضطرابــات. هذا مــا حصل أول أمــس في مدن مركزية في بلجيكا وهولندا.

إنــه مع كل االحتــرام للتجارب الشــخصية، يجــدر النظر أيضــا إلى التغيير الــذي مير على العالــم العربي. ســبق أن كتبت عن اســتطالع ملعهد «زغبي» من واشــنطن يشير إلى تغيير مهم في الرأي العــام في العالم العربي. حســب ذاك االســتطال­ع من العام ،2019 فــي اإلمارات تأييد مبعدل 84 في املئــة للتطبيع مع إســرائيل حتى بدون الســالم مع الفلســطين­يني، 79 في املئة في الســعودية، 73 فــي املئة في مصــر، 72 في املئة في األردن، 49 في املئة فــي لبنان، وحتى 39 في املئة في السلطة الفلســطين­ية. لقد كانت النتائج مفاجئة، بــل ومغيظة أيضا. وأجري اســتطالع

إضافــي لـ «الزغبــي» أيضا، بعــد التوقيع على اتفاقات إبراهيــم وبعد أن عرضت مبادرة ترامب للسالم. وكانت النتائج أقل تفاؤال ولكن ال تزال، 41 – 42 فــي املئة في الســعودية، مصر واألردن يؤيدون التطبيع حتى بدون سالم، 56 في املئة في اإلمارات، و13 في املئة في أوساط الفلسطينين­ي. املثير لالهتمام أكثر في االستطالع اجلديد وجود أغلبية في معظم الدول موضع االستطالع تعرف تفاصيل مبادرة ترامب للسالم، وأغلبية تؤيدها (باستثناء األردن، حيث 51 في املئة معارضون). في أوساط الفلســطين­يني، بفارق كبير عن الدول العربيــة، يوجد 81 فــي املئة معارضــون. هذا بالتأكيد سبب للتفاؤل.

إن األجــواء في الدوحة معاديــة بالفعل، ألن الوجود الفلســطين­ي عال هنــاك. لكن ادعاءات أعداد كبيرة من اإلســرائي­ليني وصحافيني أيضا بأن هذا مرجعــه «االحتالل»، هي ادعاءات هراء. فأولئــك الذين يعارضــون إســرائيل ال يهمهم االحتــالل، وبعامة، غضــب مغســولي العقول املفمعمني بالكراهيــ­ة ال يحتاج إلى املعاذير. وهو يكتفي بأحاســيس ظالمية. إن قطــر التي يعبر فيها العرب عن غضبهم على اإلســرائي­ليني وكذا في بروكســل، حيث ينفس املهاجــرو­ن غضبهم على الدولة التي يعيشــون فيهــا، ال يوجد هناك احتــالل، وال نــزاع قومي. ورغم ذلــك، يصطدم اإلسرائيلي­ون بعنف لفظي، والبلجيكيو­ن بعنف جسدي.

إذن، تعالــوا نصنع ألنفســنا جميــال وننظر إلى نصــف الكأس املليء. ويوجــد اآلن أكثر من نصــف كأس. فالعالــم العربي هو أيضــا الدار البيضــاء، ومراكش ودبــي، وليــس الدوحة. النزاع مع الفلســطين­يني يجب أن يتقلص، وثمة حاجــة للفصل دون دولــة أخــرى، ألن هذا هو الصحيح إلســرائيل، دون صلة ملا تقوله حماس أو «اجلزيرة».

يديعوت أحرونوت 2022/11/29

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom