Al-Quds Al-Arabi

اخلليل... عاصمة «الغفيرية» والفصل العنصري: متى نتخلى عن فكرة «التفوق اليهودي»؟

-

ليس قائد لواء اخلليل أو اجلندي الذي قام بالضرب همــا من يصيبانــا بالصدمة، بــل ما ميكنهــم من ذلك. بســبب ذلك أخطأ كل من عنات كام («هآرتس»، )11/25 وجدعون ليفي («هآرتس»، )11/28 عندما وجها ســهام النقد نحو املســتويا­ت امليدانية. االعتداء على نشطاء اليســار اجلمعة املاضي، هو ثمرة متعفنــة واحدة في غابة كاملة جذورها مسممة. بناء على ذلك، ال يجب اآلن االنشــغال باجلنود أو بحزب «قوة يهودية»، بل بواقعة «االحتالل» التي تشكل الوعي (وعي التفوق).

منــذ نصف قــرن تقريبا وهــذه األمــور تتبلور في أزقــة اخلليل. ليــس عبثا أن حدث هناك هــذا االعتداء الذي مت توثيقــه. اخلليل نقطة الصفــر لنظام التفوق اليهودي العنصري، وعاصمة الفصل العنصري بالشكل اإلســرائي­لي. على الرغم من، ورمبا لهذا السبب، جتنب كثيــرون اجمليء الــى املدينة وملس الدمــل امللتهب منذ سنوات. رمبا سعوا لرسم خط وهمي بني الدميقراطي­ني واآلخرين احملتلــني، ورفضوا قبــول احلقيقة املؤكدة، وهي أن ما يبدأ في اخلليل يصل في النهاية إلى تل أبيب.

لألســف، الكثير من أعضاء معســكرنا يؤمنون بأن «املعركــة على البيت»، على الدميقراطي­ة اإلســرائي­لية، يجــب إدارتها في احلــدود املعروفــة للدولة وبصورة منفصلــة عــن مناهضــة االحتــالل. أســبابهم كثيرة وذرائعهم مختلفة: اعتبارات اســتراتيج­ية، شــروط قدمية، التــوق الصــادق لتغيير النظــام القائم ورمبا أجهزة الدفاع والكســل البســيط. ورمبا لم يساعد هذا في السابق ولن يســاعد في املستقبل. النتيجة احلتمية لالمتنــاع عن معاجلــة الســاحة اخللفية هــي امتداد األعشاب الضارة.

زيادة قوة ايتمــار بن غفير، من اخلليــل إلى طاولة احلكومة، ترتكز على سحق اآلخر باملعنى املطلق. يعلمنا التاريخ أن الكهانيــن­ي وأمثالهم يرون اآلخر أنه «كل من ليس مثلهم».

لهذا السبب، فإن الشــرعية السياسية التي أعطيت لهم، حتى قبــل فترة طويلــة من امتداد اليــد احلالية لبنيامني نتنياهــو، مدمرة جدا. مت متهيــد طريقهم إلى وزارات احلكومــة عندما خضعت حكومات إســرائيل علــى أجيالها بصمت لطلباتهــم، وعندما مر العنف ضد الفلســطين­يني بهدوء، حتى أصبح هو الوسيلة الثابتة في آلية السيطرة على األرض وعلى الناس.

هم اآلن يريدون جتســيد حلمهم علــى كل البالد، أي االنتقال من اخلليل إلى القدس، ومن القدس إلى النقب، ومن النقب الى املدن اخملتلطــة. وال ينوون التوقف في الزاويــة التي تربط يافا مع تل أبيــب. من أجل مكافحة هــذا احللم، علينا فهمه كما هو، وال مكان مناســبا لفعل ذلك أكثر من اخلليل، التي هي ليســت فقط مســتوطنة، بل منوذج أيضا. إســرائيل مصغرة، التي جتســد نظام التفوق بصورته األكثر نقاء: مكان تنفصل فيه القوانني و»تتعقم» فيه الشــوارع الرئيســية من الفلسطينين­ي. مدينة مســلحة من الرأس وحتى أخمص القدم وتضج بالعنف.

النضــال على حاضر إســرائيل ومســتقبله­ا يجب القيام به بصورة مالصقــة للواقع وليس منفصلة عنه، وطريق تنفيذه متر بعكس التجاهل واالنكشــا­ف الدائم على الواقع. من ينكشف بنفسه قد يكشف ذلك لآلخرين. لذلــك، يجب الوصــول ماديا، بأجســادنا، إلى اخلليل ومناطق األبرتهايد اخملتلفة، من أجل رؤية املناطق التي تنمو فيها الغفيرية، والظروف التي سمحت بذلك.

النضال علــى البيت ال ميكن أن يدار من شــوارع تل أبيــب فقط، وال ميكن القيام به مــا دمنا نتجاهل العنف الروتيني ضد الفلســطين­يني احملرومــن­ي من احلقوق، وبدون االعتراف بــأن العنف لم يبــدأ اجلمعة املاضي ولــن ينتهــي بتوضيح اإلجــراءا­ت، وبــدون النضال املشترك ضد إغالق الـ 1500 محل جتاري وحتويل مركز جتاري يضج باحلياة إلى مدينة أشباح حزينة؛ وبدون االستيعاب بأنه رغم اتساعها، إال أن شوارع األبرتهايد تشق لنا جميعًا طريقًا باجتاه واحد.

تصعــب املبالغة فــي أهمية هذه اللحظــة. النضال الذي اســتمر لســنوات كثيرة لليمني في إســرائيل من أجل حتطيم كل إمكانية كامنة ملســتقبل إيجابي، يصل إلى ذروته. منظومــة القضاء وحراس عتبة آخرين يتم إضعافهم أكثر من أي وقت مضــى. ونضال مدني يدمج بني شوارع اخلليل وميادين تل أبيب رمبا ميكنه أن يضع حدًا لذلــك ويقدم ردًا عليه. من قــال «لقد حان وقت بن غفير» وكأنــه رن جميع أجراس اإلنذار والتحذير. حان الوقت للنزول إلى امليــدان وإلى أعماق األمور. وال وقت آخر لنا.

هآرتس 2022/11/29

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom