Al-Quds Al-Arabi

روسيا- تركيا - إيران: اتفاقات وشراكات على قواعد هشة

- مزهر جبر

احلرب في أوكرانيا، مهما تكن نتائجها، فعندمــا ســتحط رحالها علــى األرض، لتنتهي وتتوقف عن الســير باجتاه احلل النووي؛ تكون قد غيرت العالقة بني روسيا والغرب، ليس اآلن فقط، بل مستقبال أيضا.

من غير احملتمل أن تعود العالقة بني روســيا والغرب إلى ما كانت عليه قبل هذه احلــرب، وبالذات دول االحتاد األوروبي، خاصة أملانيا وفرنســا وبريطانيا، في ما يتعلق بالطاقة، النفط والغــاز، وليس التجــارة واالقتصاد وما إليهمــا، ألن العالقة الروســية األوروبية فيهما؛ مرهونة بتطورات املستقبل. دول االحتاد األوروبي لن تثق مستقبال بروسيا، وهنا املقصود؛ فقد بدأت تلك الدول فعال بتأســيس البنى التحتية لتستقبل الغاز من دول أخرى. وروســيا هي أيضا بدأت فــي حتويل جتارتها إلى الشرق واجلنوب، وهذا يعني أن العالم على طريق التغيير في سلم األولويات، وفي الشــراكات وفي التجارة واالقتصاد، وما ســيتبع هذا من تغييرات سياســية وتبــدالت في املواقف والعالقات بني الدول في العالم.

الصني هــي األخرى ســيكون موقفهــا أقوى فــي مواجهة الواليات املتحدة األمريكية في التنافس والصراع االقتصادي، ألنها ســتضمن جزءا كبيرا من حاجتها من الغــاز والنفط من روســيا، وســبق أن أنشــأتا خطني على األرض؛ لنقــل الغاز

والنفط الروسي إلى الصني، أحدهما يعمل واآلخر قيد اإلنشاء قبل احلرب في أوكرانيا. روســيا والصــني؛ عملتا على تعزيز وترســيخ شــراكتهما االقتصادية والتجارية وما يتصل بهما، أو ينتج عنهما من تعاون في مجال السياســية، ســواء كانت البينية أو في الســاحة اإلقليمية والدولية، في الدعم واإلسناد التخادمي والنفعــي املتبادل. لكن هذا التعاون أو الشــراكة ال يلغيان وال يقلالن مــن التنافس بينهما على النفوذ، بل العكس هو الصحيح، علــى الرغم من تخادم املصالح بينهما. روســيا تتوجس من الصني كونها املنافس القوي لها في حقل االقتصاد والتجارة، ومشاريعها في هذين اجملالني تؤدي في نهاية املطاف إلى تقليص املســاحة املتاحة أمام روسيا، أو تآكل هذه املساحة مع تقادم الزمن، حتى في منظمة البريكس؛ النفوذ الصيني فيها يكاد ان يبتلع النفوذ الروسي. املسؤولون في الكرملني يعرفون هذا على وجه الدقة والتأكيد، لذا عملوا على تعزيز شــراكتهما مع إيران وتركيــا. اعتبر الروس أن العالقة مع إيران مهمة جدا لها في الوصول إلى األســواق في منطقة اخلليج العربي، وإلى جنوب آســيا واحمليط الهنــدي، باإلضافة الــي تركيا. طموح روســيا بوتني، لم يتوقف عند هذا احلد، بل إن روسيا تريد، أو أنها تخطط لتشــكيل كتلة اقتصادية من روسيا وتركيا وإيران فــي مواجهة التغول األمريكي. احمللل السياســي واالقتصادي الروسي االسكندر نازاروف في مقال له مؤخرا، على موقعه في التليغرام؛ أوضح هذا التوجه الروســي في مواجهة العقوبات الغربية، وفي االســتدار­ة التامة في التجــارة واالقتصاد إلى جهة الشــرق واجلنوب. مبينا أن هذا التكتل االقتصادي، كبير جدا؛ روســيا نفوســها 147 مليونا ونفوس إيــران 86 مليونا ونفــوس تركيا 83 مليونا، مجموعهــا 316 مليونا، فيما نفوس أمريكا ،336 واالحتــاد األوروبي ؛446 ونفوس الصني معروفة، أي أن هذا التكتل ســوق كبيرة جدا في مواجهة أمريكا، والكالم لم يزل للكاتب الروسي االســكندر نازاروف. لكن الكاتب أغفل حقائق أخرى، رمبا تعمــل بالضد من هذا التوجه، ولو بصورة غير معلنة، أو أنها مخفية لضمان الفائدة واالستثمار التجاري واالقتصادي والتســليح­ي بني الــدول الثالث. مــن بني هذه احلقائق أوال، رمبا أن إيران اليوم غير إيران الغد، وإيران الغد تختلف كليا عن إيران اليوم، إذا افترضنا افتراضا هذا التغيير، الــذي هو لصالح أمريــكا. ثانيا؛ دول اخلليــج العربي لم تزل تتوجس خطورة على كياناتها السياسية ونظمها من السياسة اإليرانية في املنطقة العربية، ســواء في اخلليج العربي أو في بقية دول الوطن العربي، إال إذا متت تســوية األمور واألوضاع

بطريقة ترضي جميع األطراف، أو تطمئن بضمان سريانها على األرض، إذا ما مت االتفاق عليها، وهذا أمر بعيد االحتمال في ظل األيديولوج­ية احلاكمة للسياسية اإليرانية، إضافة إلى املصالح األمريكية في هذه املنطقة، وهي مصالح بعيدة املدى واألمد. كما أن مصالح إيران تتقاطع مع مصالح روسيا في سوريا حتديدا، إيران باإلضافة لتوجهاتها األيديولوج­يــة؛ تخطط على األمد املنظور واملتوسط والبعيد للوصول إلى ضفاف البحر األبيض املتوســط عبر العراق، على أرضية مستدامة وراسخة، حسبما خططت له. واملثال الثاني هــو التنافس والصراع اإلقليمي بني إيران وتركيا على النفوذ في بعض دول الوطن العربي.

إن مســارات املصالح هــذه متقاطعة وليســت متوازية في ســيرها لتحقيق مصالح اجلميع، رغم املناورات السياســية، ومحاوالت االتفاق على خط ســير وســط، يلبــي مصاحلهم مجتمعــة، وقد فعلــوا في اتفاقــات عديدة ســابقة، إمنا هذه التوافقــا­ت تفتقر في اجلزء األهم منها إلى التطبيق الفعال على أرض الواقع، وإن حاولوا التغطية على هذا اإلخفاق بغربال ال يحجب شــمس اخلالف واالختالف، ما أدى في الوقت احلاضر ـ وبســبب إخفاق االتفاقات هذه، فــي حتقيق النتائج املرجوة منها ـ إلى إطالق تركيا عمليتها العســكرية في شــمال وشرق ســوريا وفي شــمال العراق (ولــو أن األخيــر ال يدخل عمليا ضمن هذه التوافقــا­ت)، التي ترجمت مبا ال لبس فيه؛ اختالف األهداف فــي نتائجهــا ومنطلقاتها بني الــدول الثالث. وهذا يؤذن، ولو بعد وقت ما؛ بكســر هذه الشراكة، أو هذا التعاون بني الدول الثالث لتقاطع مصاحلها في املستقبل املنظور. هناك أمران يختلفان فيه سياسيا، األول هو عالقة روسيا مع الكيان اإلســرائي­لي، وهي عالقة يشوبها الغموض وعدم الوضوح من جانب روســيا بوتني، لكن إذا نظر لها بصورة عميقة؛ نالحظ أن روســيا تغض الطرف عــن جتاوزات الكيان اإلســرائي­لي، أو االعتداءات اإلســرائي­لية املتكررة على األراضي الســورية، وهذه ال ميكن أن تقوم بها إســرائيل مــن دون اتفاق أو ضوء أخضر روسي. كما أن روسيا من اجلانب الثاني لم جتهز جيش النظام الســوري بوســائل متطورة للدفاع اجلوي، مبا يجعل الغارات اإلسرائيلي­ة على ســوريا مكلفة جدا، ليجبرها بالكف عنها بسبب تكلفتها. الكيان اإلسرائيلي احملتل ظل ميارس هذا العدوان على مدار عدة ســنوات على األراضي الســورية، مبا فيها محيط دمشــق العاصمة وحتى محيط القواعد الروســية في البحر والبر، على الرغم من املعاهدة الســورية الروســية، التي مبوجبها كان لروسيا وجود بحري وجوي على األراضي السورية، مبا سلب من سوريا األسد قرارها السياسي املستقل.

إن الســيادة الســورية مجروحة، وأكبر دليــل على هذا؛ تفاوض روســيا وإيران وتركيا من دون أن يكون للنظام أو من ميثله وجود فيها، مبعنى آخــر أكثر وضوحا؛ أنهم يتفاوضون باإلنابة عن ســوريا األســد؛ علــى مصير األرض الســورية والشعب الســوري في تلك األرض، التي لم تزل خارج سيطرة النظام. هذه السياسة الروســية ترتبط بآفاق املستقبل جلهة عالقة ســوريا األســد مع الكيان اإلســرائي­لي، رمبا، من خالل مقايضات واتفاقات مستقبلية. هذا هو ما يفسر؛ إصرار أمريكا على إبقاء وجودها العســكري في قاعدة التنف. تركيا على ما يبدو من سياســتها في الفترة األخيــرة؛ تفهمت وفهمت اللعبة اإلقليمية والدولية في املنطقة العربية، ليس في ســوريا فقط، بل في كل الدول العربية املضطربة والفاشــلة، وما يخطط لها في السر والعلن معا. فقد عملت على حتسني، أو إعادة عالقتها مع جميع الدول العربية والكيان اإلسرائيلي احملتل، التي كانت قد اختلفت مع الدول العربية وإســرائيل، في وقت سابق، مبا فيها مصر وحتى سوريا على صعيد املستقبل املنظور وهو ليس بعيدا مــن اآلن. عليه فإن العالقة بني تركيا وإيران وروســيا، عالقــة غير ثابتة، أو هي على أرضية غير راســخة من املصالح املتبادلة، ألنها تتعارض كليا في االقتصاد والتجارة والسياسة لكل دولة منهما مع األخرى. روسيا ذاتها على الرغم من العالقة الواســعة جلهة املصالح مع تركيا، لكنها تتوجس من سياســة تركيا في آســيا الوســطى، وبالذات في الدول الناطقة باللغة التركية، أو الدول التي أصولها تركية، وحتى داخل اجلغرافية الروســية، خصوصــا أن تركيا حتاول أن ترفع ســقف منظمة الــدول التركية من االقتصــاد والتجارة والسياســة والثقافة إلى حلف عســكري. وهذا، يــؤدي في النهاية إلــى أن تصبح عالقة الشراكة بني روســيا وتركيا؛ إذا ما أضفنا عضوية تركيا في الناتو؛ عالقة ملتبســة محكوما عليها باالنقطاع مســتقبال، حتى في ظل براغماتية صانع السياســة في الكرملني وصانعها فــي أنقرة، بصــرف النظر عمن يكــون في الكرملــني وأنقرة. األمر يصبــح أو يكون التعامــل معه ومع مخرجاتــه مختلفا كليــا عندما تصبح اخملاطر جدية في التأثير اجلدي واحلاســم على اجلغرافية الروســية وفي القوقاز الروسي حصرا في ظل توجهات السياســة التركية في املنطقة القريبة احملاددة حلدود روســيا وفي الداخل الروسي بصرف النظر عن الذي يحكم في أنقرة.

العالقة بني تركيا وإيران وروسيا، غير ثابتة، أو على أرضية غير راسخة من املصالح املتبادلة، ألنها تتعارض كليا في االقتصاد والتجارة والسياسة بينها

*كاتب عراقي

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom