Al-Quds Al-Arabi

السياسة مبفردات كروية

- محمد كريشان٭

■ بعد مضي عشرة أيام على بداية كأس العالم في قطر بدأت مالمح املشهد تستقر تدريجيا لترسم بهدوء صورته الكاملة التي رمبا لم يتداخل فيها من قبل السياســي بالرياضي بالثقافي كما حصل هذه املرة.

وطاملــا أن األجواء كرويــة بامتياز، وطاملا أن مفرداتها هــي الطاغية حاليــا، وال حديث بعد كل مباراة ســوى عن أبرز اللقطات والتعليق عليها، فلننطلق في احلديث بنفــس تلك املفردات لنصرخ على طريقة معلقي املباريات مبا يلي:

هدف....غووووووول: ســجلته قطر بنجاحها إلى حــد اآلن في تنظيــم هذه التظاهــرة الدولية كأحسن ما يكون التنظيم ليس فقط بحفل االفتتاح املبهر بل أيضا بتوفير كل مقومات النجاح األخرى من مالعــب ضخمة جميلــة، الدخــول واخلروج منها في غاية السالســة واالنضباط، وحركة تنقل ســريعة ومنظمة في البالد، مع تظاهــرات ثقافية وحفالت فــي كل مكان جعلت القدوم إلى البلد أكثر من مجرد القــدوم إلى مباريات كــرة قدم، مع أمن صارم لكنه ناعــم. كل ذلك، رغــم كل الهمز واللمز الذي لم يتوقف إلى اليوم.

اجلمهور: الذي جــاء من كل أصقاع العالم أبدى من االنضبــاط واحترام قوانني البلــد وثقافته ما يستحق اإلشــادة والتحية داخل امللعب وخارجه. انخرطــت كل اجلاليات، ســواء املقيمة في قطر أو القادمــة إليها، في أجواء فــرح منقطعة النظير مع إقبال على التعرف على عادات وتقاليد هذه املنطقة إلى درجة أصبحت فيها «الغترة والعقال» على كل الرؤوس بل وصبغت بكل ألوان األعالم املشــاركة كما تفّنن آخــرون في تطويع «الثــوب» اخلليجي بنفس الطريقة أو االكتفاء بارتدائه بلونه األبيض الناصع.

في التســلل: وقع كل الذين كان كل همهم فشــل هــذه التظاهــرة العاملية إلثبــات أن بلــدا عربيا شرق أوســطيا صغيرا ما كان ليكون أصال جديرا باحتضانها. وحتى تلــك الضجة التي أثيرت حول حضور وأعالم من يســمون أنفســهم بـ«املثليني» تراجعــت بســرعة لتترك األجــواء رحبة حلديث املباريات وتشــويقها ومتعتها مما مثل فشال ذريعا في حتويل املسألة إلى محور اهتمام الكرة األرضية كلها، في مســعى متعجرف لفرض قيــم ارتضاها بعض الغرب لنفســه لكنه يريد عنــوة أن يزينها كذلك في عيون اجلميع.

رميات حّرة مباشرة...سّددها عدد من الالعبني الســابقني واحلاليني واإلعالميـ­ـني، وحتى من بني اجلماهير احلاضرة، للحملة املسعورة التي سبقت كأس العالــم وجن جنونها مع انطالقه، متهمني من يقف وراءها بالنفاق والغرور. من بني من سدد هذه الضربات، على سبيل الذكر ال احلصر، قائد الفريق السويسري الذي صرح بأنهم جاؤوا إلى قطر للعب الكرة وليس للخوض في السياسة قائال إن هذا بلد مسلم وله عاداته التي يجب احترامها، عكس ما قام به الفريق األملانــي في صورته اجلماعية من حركة مفتعلة للغاية.

ورقة صفراء... في وجه وزيرة الداخلية األملانية بعد مخالفة مكشــوفة، وصبيانية إلــى حد كبير، فالسيدة املؤمتنة على تطبيق القانون في بالدها ال ترى حرجا في انتهاك قوانني بلد آخر يســتضيفها متجاوزا ما ســبق أن قالته في حقه وعدلته عندما زارته قبل بضعة أســابيع. أن تعتبــر الوزيرة أن إظهارهــا لتلك األلوان على زندهــا «نصرا مؤزرا» فذلك شــأنها، لكنها حركة منت عــن الكثير من قلة الذوق زادها تعاسة رئيس «الفيفا» بصورته معها وكأنه يبارك ما فعلته رغم أن «الفيفا» نفســها هي من منعت إظهار مثل هــذه العالمات. نفس الورقة الصفراء ترفع في وجه الكثير من اإلعالم الغربي، واألوروبــ­ي رمبا أكثر من غيره، ملــا أظهره من قلة مهنية معيب.

ورقة حمــراء... في وجه اإلســرائي­ليني الذين حضروا إلــى الدوحــة. صحيح أن قطــر لم يكن باســتطاعت­ها أن متنع حضور هؤالء بأي حال من األحوال، لكن ذلــك لم يحل دون أن يلقى هؤالء كل ما من شأنه أن يشــعرهم بأنهم غير مرغوب فيهم أبدا. لقد حاول الصحافيون اإلســرائي­ليون في كل مراســالته­م من الدوحة إظهار جو النفور والعداء الذي واجهوه بني اجلمهور وفــي ســيارات األجــرة واملطاعم مصورين أنفسهم «ضحايا» ملشاعر كراهية لم يفهموها ألنهم توهمــوا أن أجواء الترحيب املنافق الذي لقوه في أكثر من دولة عربية وتوقيع ما سمي بـ«اتفاقات إبراهيم» معهم كفيل بخلق مزاج عربي مختلف، متناسني متاما جوهر املشكلة املعروف منذ عقــود. لعل ما جرى مع اإلســرائي­ليني في الدوحة ميكن أن يشكل رسالة قوية ألصحاب القرار األمني والسياســي عندهم لفهم أن ما قاموا به من تطبيع مع عدد من الــدول العربية ال قيمة له أبدا طاملا بقي احتاللهم البغيض وممارساتهم العدوانية.

تقنية «الفـــــار».. قد ال يكــون مفرا من العودة إليهــا الحقــا إلعادة مشــاهدة الكثيــر مما جرى والتمعن فيه الستخالص العبر، من قبل احلكومات الغربيــة والعربية التي تنتظرهــا مراجعات هامة من عدم املســؤولي­ة جتاهلها، ألن مــا جرى طوال هذه األيام يتجاوز مبسافات بعيدة مجرد تظاهرة كروية موسمية.

إن لم نفعل ذلك، أو أخذناه ببعض االستخفاف، فســيكون كل مــا كتبته ســابقا لعبا فــي الوقت الضائع!!

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom