Al-Quds Al-Arabi

ملاذا أحرق وصفي التل «األرشيف»؟

- بسام البدارين٭

■ ملاذا نخشى البلل في موسم املطر؟ واحدة من احلكايات الوطنية املهمة في مسيرة شــهيد األردن وصفي التل املنقولة لنا وبكثافة في ذكــرى رحيله هي تلك التي تتحدث عن قراره يوما بـ«تصفير عداد اخلصومات السياسية» والتصرف حتت عنوان فتح صفحة جديدة أو املضي قدما الى األمام.

الراحل الكبير في التراثية املنقولة أول من كسر البيض إلعــداد طبق العجة الوطنــي وفي موقف مشــهود ومنقول أحرق في باحــة امللفات والقيود أمنيــة الطابع. القــرار ال يظهر هامش التســامح واملرونة عند احلكم والنظــام والدولة فقط، ولكن يفتح صفحة جديدة وميضي الى األمام.

ال أعرف وال أبناء جيلي خلفية ودوافع ونقاشات تلك القصة عــن تصفير العدادات. في احلالة اليوم أردنيا ثمة مشــروع وطني أفقــي لتحديث الدولة بانتظار مئويتها الثانية.

وثمة مســارات لتحديث املنظومــا­ت احلزبية والتمكني االقتصادي واإلصالح اإلداري. ملاذا ال نلجأ معا الى تصفير العدادات؟ ما الــذي تعنيه مقولــة املضي قدمــا الى األمام والتحديث إذا لم تشمل حتديث كل أجزاء ومفاصل املاكينــة والبراغــي واملســطحا­ت املعدنية وتلك املساحات الفارغة وأحيانا الصلبة؟

حتــدث يوما الراحــل الكبير أيضــا عدنان أبو عودة عن ســفينة تغــرق وحتــدث الدكتور عمر الرزاز عن طائرة فيها عطل ال بد من إصالحها أثناء التحليق، وقبلهما حتدث رئيس وزراء سابق علنا عن حافلة مهترئة وقيادة شابة وتتعامل مبهنية مع املطبات واملنحنيات.

احلاجة ملحة اليوم مادامــت وثائق التحديث حظيــت بالتوافــق وبالغطاء املرجعــي، وينتظر الناس جميعا نتائجها، ويراقبون ميكانيزمات­ها إلى مقاربة رسمية مقنعة أكثر، وإحياء ما افتقدناه دوما كأردنيني في العقدين األخيرين بعنوان االنسجام اجلماعي رسميا وبيروقراطي­ا مع الرؤية.

نفتقــد حقا تلك األيــام التي تعمــل فيها جميع مفاصــل املاكينة مــع بعضها البعض بالتناســق والتالزم.

نفتقد للعمــل اجلماعي على مســتوى النخبة ولتحقيق اســتراتيج­ية تنفيذية يعمل فيها ومعها جميع القادة والوزراء واجلنراالت واملوظفني حتت نفس الســقف، وبنفس الوتيــرة والثقة واإلميان مــادام التراب واحدا والوطن نفســه والقيادة في الكونترول بحكمة واتخذت قرارها.

قد ال يقــف األمر عــن حدود احلنني والشــوق الشعبي لعمل كبار املســؤولن­ي مع بعضهم البعض أو إلطــالق صافرة حقيقيــة فيها قوة قــرار متنع مراكز القوى والشــلل واجملموعــ­ات من االحتكاك ببعضها البعض، كما متنــع التجاذب والصراعات واالنقساما­ت بحيث تذوب األجندات الشخصانية واملصالح الفردية لصالح الرؤية املرجعية.

رؤية حتديــث الدولــة ينقصها اليــوم إظهار إشــارات التزام حقيقي بالنص علــى األقل مادام

مرجعيــا وتوافقيا ومــن كل األطــراف واخلاليا الفاعلة لدوائر صنع القرار.

والقــول بذلك ال ميكنــه أن يصنــف باعتباره تشــكيكا بقدر ما هو تنبيه الى أن قوى األمر الواقع في املســتويا­ت التنفيذية التزال تعمــل بالقطعة والتقســيط، وأحيانا بصورة مركزية معزولة عن بعضها البعض حتــى أن النــص املرجعي أحيانا يقرأ بعدة لهجات ويفســر بعدة لغات، وهو آخر ما نحتاجه إذا كنا جادين في مســألة حتديث الدولة حقا.

ال يتعلــق األمــر اليوم بإنشــاء مــالذ إداري لتشخيص مصلحة الرؤية والدولة والنظام، وكل ما قــد نحتاجه قــرارات جريئة أكثر فــي االلتزام مبســارات التحديث والتمكني، وإيصال رســائل للناس قوامها أن الدولة لهم جميعا وأنه ال اجتهاد في نص مرجعــي وأن حفلة التحديث للجميع ومن أجل اجلميع.

وبنفس املسطرة وفي إطار القانون والدستور وبدون كيديات أو إقصاء أو نوايا مســبقة وحتى بدون «األرشيف بتاع زمان».

نتصــور أن الوصــول إلى منطــق إدارة عامة من هذا الصنف يحتاج إلى تــدرج لكنه غير ممكن بدون استلهام القيمة النبيلة للحكاية املنقولة عن الشــهيد وصفي التل حيث حتديث القيود األمنية بكل أصنافهــا خطوة على األرجــح باتت مطلوبة ليس لإلفراج قليال عن الناس واملكونات السياسية واحلزبيــة الناشــطة في اجملتمع ولكــن ألغراض خدمة الرؤية اجلديدة.

يحدثنــي أحــد كبــار أعضاء البرملان عن مفارقة اصطــدم فيها شــخصيا، فالقيــود واألرشــيف­ات الشــخصية تثبت حالة واحدة قبل سنوات طويلة كان فيها غاضبا ومحتقنا، فقــال كلمات غاضبة ال متثــل حقيقته وموقفه، لكنها بقيــت تطارده حتى اللحظة، فيما األرشــيف االستشــعا­ري لم يسجل كل تفاعالته اإليجابية أو حتــى املنافقة أحيانا أو التسحيجية ولعشرات املرات.

صاحبنــا يثير جزئية إدارية فــي غاية األهمية قوامهــا التذكير بــأن قيود الواجــب األمنية التي تسجل أو تؤرشــف عن األفراد قد حتتاج في زمن التحديث والتمكني واملســارا­ت اجلديــدة لنظرة متســامحة أو علميــة أكثــر بعــد اآلن، فمــن قام بواجبه في تثبيت ســلبية ما، عليه أن يقوم اليوم بواجبه في حتديث السجالت واألرشيف والقيود واملعلومات بصــورة منصفة أكثر، تذكر الســلبي واإليجابي معــا على أقل تعديل، أو تغلق قيدا دون أن حترقه كما فعل وصفي التل ثم تفتح قيدا جديدا يناسب تفكير املئوية الثانية، ويبدأ بالعد من جديد وبطريقة علمية ومتطورة أكثر.

الرؤية املرجعية وليس املواطنني تســتحق هذه اخلطوة التحديثية.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom