األردن فجأة على «حافة أسئلة» إسرائيلية خطرة

سرقونا أم اغتصبوا حقوقنا؟... نتكيف أم ننزل عن الشجرة؟

عمان- «القدس العربي» من بسام البدارين:

"احتياجــات ومتطلبات مســار التكييف".. كلفة وفاتــورة التعامل مــع "األمر الواقــع".. النزول عن شــجرة معارضة "صفقة القرن"... "إدارة الالءات".. "تعايش مع اليمني اإلســرائيلي"... "أردنة" مشكالت الصفة الغربية أو "االنخراط" في ترتيبات غامضة.

.. كل تلــك عبــارات لهــا عالقة بجــدل ونقاش صاخبني تعيشــه األوساط السياســية األردنية في محاولة ذاتية ونخبوية لتبديد اخملاوف والهواجس أو ًال، ولضبط اإلعــدادات الوطنية، ثاني ًا، على أنغام وإيقاع التحــوالت الفاشــية املتطرفة عند شــريك السالم اإلسرائيلي، في الوقت الذي بدأ فيه العنصر اإلســرائيلي ضاغطا وبشــدة على العصب احليوي املشدود ملؤسســات القرار األردنية، واألهم للنخبة السياسية.

ومبعنى آخر، ما يحصل في إسرائيل من نقاشات لهــا عالقة بتشــكيل حكومة املســتوطنني، على حد تعبير الباحــث السياســي الدكتور أحمــد العزم، يتحول بصورة دراماتيكية غير مســبوقة الى قضية داخليــة أردنيــة ينتج عنهــا حوار صاخــب وغير مسبوق عنوانه االستراتيجيات القائمة واخليارات املتاحة.

حوار صاخب

وهو حــوار صاخب يشــارك به اجلميــع بدون اســتثناء حاليا، وينتقل في بعــض تفصيالته إلى وقائع مرة أو مريــرة، وحقائق من الطــراز الذي ال تفضل املؤسســة األردنية بالعادة أن تلوكها األلسن لدى الرأي العام وعلــى منابر الصحافة، أو حتى في االجتماعات والندوات السياســية واحلزبية. ورغم ذلك، تقــف النخب األردنية فجــأة على حافة نقاش يطرح أســئلة كما يعتقد اجلميع أن األردن جتاوزها منذ توقيع اتفاقية وادي عربــة. وينضم مفاوضون جدد يوميا إلى قائمــة احملذرين الذين يتحدثون عن خصومة إسرائيل وعداوتها اجلذرية وكلفة وفاتورة االنغماس، أو ما يســميه اخملضرم طاهر املصري في جمعية الشــؤون الدولية "االنخــراط" بالترتيبات التي جترى حاليا على مستوى اإلقليم.

ذلك طبعا في الوقت الذي يبني فيه اإلسرائيليون مشــروع دولتهــم اليهوديــة املتطرفــة أو دولــة املســتوطنني، وبطريقــة يقــول احمللل والناشــط السياســي اإلســالمي الدكتور رامي العياصرة إنها ســتؤدي في النهايــة إلى صدام محتــوم ينتج عنه محاولة إسرائيلية ميينية متشددة لـ "أردنه مشكلة الضفــة الغربية". وتعبيــر "أردنة" مشــكلة الضفة الغربية جديد في قاموس ســهرة الوناسة والنقاش السياســية في احلالة األردنيــة، ومعناه باختصار هو الربــط ولو عن بعد ما بني مشــكالت التجمعات الســكانية الســتة في الضفة الغربية فــي ظل حكم اليمني الفاشي املتطرف، وبني األردن الحقا.

عمليا، آخر املنضمني إلى "إقــرارات الوقائع" من "مفاوضي املاضي" كان وزير املياه األســبق الدكتور منــذر حدادين، حيث ظهــر في إطاللــة تلفزيونية مساء الثالثاء معترضا على استخدام بعض اخلبراء لعبارة "إسرائيل سرقت نهر األردن". وعلى أساس أن ما حصل هــو عملية "اغتصاب" لنهر األردن وحلقوق أخرى متعددة، وبعلم األردنيني ومؤسساتهم.

قالها الدكتور حدادين وبــدون تردد وعلى نحو مباغت "إســرائيل اغتصبت نهــر األردن واحلقوق األردنيــة منــذ توقيــع اتفاقيــات وادي عربــة". والعبارات على لســان عالم جليل وخبير مثقف مثل الدكتور حدادين، كانت جارحة وخادشة.

وقبل ذلك كانت "القدس العربي" تســتمع لقصة ســرقة نهر األردن عمليا عبر حتويل مجراه منذ عام 1964 على لسان اخلبير ورئيس اجلانب األردني في مفاوضات املياه في املاضي الدكتور دريد احملاســنة، الذي شرح القصة من وجهة نظره بالتأكيد في الوقت الذي أعاد فيــه التذكير بأن اإلســرائيليني وفي كل املشاريع خدعوا األردن وضللوه، ال بل عمليا - برأي احملاســنة - لم يلتزم اإلســرائيلي بأي مسار متفق عليه.

«تسليح

األردنيني»

وقبل حدادين، كان سياســي وبرملاني عريق من وزن الدكتور ممدوح العبادي يذهب إلى أقصى مدى في التحذيــر، مطالبا بتدريب وتســليح األردنيني، ومحذرا من أن عمان هــي املطلوبة، والبند األول من أربعة مبادئ في نظام حــزب الليكود يقول بوضوح إن فلسطني التي يريد اإلسرائيلي املتطرف السيطرة عليها تضم القدس وشرق األردن.

أشــعلت تعليقات العبــادي عمليــا حزمة كبيرة من النقاشــات، ودخل التيار اإلســالمي على اخلط مبســارين، األول الدراســة والتأمل والتعمق خلف الستارة وفي إطار اجتماعات مغلقة، والثاني إصدار بيانات حتذر على أكثر من صعيد.

وقبــل ذلــك، ظهرت وســط مــن قــادوا عملية املفاوضات سلســلة من االعترافات املثيرة بالتدريج مؤخرا تظهر ما ميكن تسميته باخلديعة اإلسرائيلية، وجاء اإلعالن عن ائتالف حكومة املســتوطنني لكي ينفخ في اخملاوف والهواجس تارة باســم اخليار أو الســيناريو األردني في األرض احملتلة، وتارة أخرى باســم الوطن البديل، وأحيانا باسم النظام البديل. كل تلك نقاشــات ال تعلــق عليها الســلطات بصفة رسمية، وال توجد استراتيجية مضادة واضحة على األقل، وال مواقف خارج نطاق تكرار الثوابت األردنية بكل املناسبات.

مخاوف

لكــن اخملــاوف، علــى األرض، شــعبية وازداد اتســاعها، والنخبوية باجلملة واألطنان، خصوصا أن من قــاد املفاوضات باســم الدولــة األردنية في املاضي هو فــي اخلندق املقابل واحملــذر اليوم علنا وبصورة جذرية من املكر اإلســرائيلي ومن برنامج إســرائيلي مييني عنوانه التهــام املصالح األردنية دون أن يبرز خطاب رســمي مــن أي صنف يرد على مثل هذه االقتراحات أو يعتبرها مجرد مزاعم، ودون أن تبرز تلك األصوات التي كانت تســخر أو تهزأ بني احلني واآلخر من اليمني اإلســرائيلي ومن انشغاله بتشكيل احلكومات على أساس أن الشراكة األردنية مع اإلســرائيليني محروسة من قبل مؤسسات العمق اإلسرائيلي أو ما يسمى بالدولة العميقة في الكيان.

وهي نظرية ســقطت، وأشــار إلى ذلك بوضوح الباحث الدكتور أحمد العزم، في تقدير املوقف الذي تبنــاه معهد اإلعالم واجملتمع، وهــو معهد بارز هذه األيام، وتضمن تقرير العزم إشــارة مباشرة إلى أن الوصاية الهاشــمية في القدس، حصرا في القدس، سيزداد عدد املســتوطنني املطالبني قريبا بالتخلص منها. تتجرأ املؤسسات األردنية البحثية على إطالق التحذيــرات والتحدث بعــني الواقــع املوضوعي، ويتجــرأ باملقابل دعــاة وأنصار التكيــف والنزول البطيء عن الشجرة على التموقع.

يبقى رئيس مجلــس األعيان فيصل الفايز وحيدا في مضمــار التحــدث بجــرأة عن بعض املســائل والتذكير بأن أي حكومة مينية في إسرائيل ال ميكنها زعزعــة األمن واالســتقرار في األردن، مــع التذكير بالوضع العربــي البائس وغياب النظام الرســمي العربي، وبضــرورة االنتباه الى عدم حتميل األردن مــا ال يحتمله في ظل ظروف معقــدة أو تنطوي على تعقيدات من كل األصناف.