Al-Quds Al-Arabi

نيران متقاطعة للدول اخلمس في سوريا

-

تسيطر دول خمس على ســوريا منذ أن قرر رئيس النظام السوري بشار األسد أن يســتعني ببعضها ضد ثورة الســوريني الذين حاولوا إســقاط نظامه، بينما تقوم أخرى بحربها في اجلهة املعاكســة أي دعم املعارضــة ولكن ليس إلســقاط النظــام بل لغايات أخرى. وتتشــابك املصالح، وتتعقد العالقات، وتتبدل االرتباطــ­ات. وتتعذر على املراقب العادي أن يتتبع اخليــوط املتداخلة بعضها ببعض كــي يفهم ما الذي يجري على األرض السورية خاصة وأنها تزداد تعقيدا كلما طال الزمن.

القوى املوجودة في سوريا

في واقع األمر فإن القوى املتواجدة بشكل فعلي وعملياتي في سوريا هــي: الواليات املتحدة األمريكية، وروســيا كقوتــني عامليتني، وتركيا وإيران كقوتني إقليميتني، وإســرائيل كقوة غائبة حاضرة في األراضي واألجواء الســورية. وللتمكن مــن الفهم ال بد من تفكيــك املعضلة إلى العناصر التي حتكم على هذه الدول أن تســتمر في حروبها في سوريا، حيث تختلف هوية األعداء، وتأمني املصالح حسب كل دولة.

إيران واحللم الفارسي

يحدو اإليرانيني حلــم قدمي في اســتعادة امبراطورية فارس حيث كانت سوريا املمر الذي ال مفر منه حملاربة مصر، واليونان أعداء فارس. أو محاربة مملكة تدمر في عهد ملكتها زنوبيا.

وتعتبر إيران أن فارس متتد من خراســان إلى الشــاطئ السوري على البحر املتوســط، ولم يخفها املســؤولو­ن اإليرانيون بأنهم باتوا يســيطرون على خمس دول عربية منها ســوريا. لكن حديثا لم تتدخل في سوريا عنوة بل متحالفة مع نظام األسد األب الذي وقف إلى جانبها في حربها على العراق، وبطلب من وريثه املهتز على كرســيه بعد أن كاد الثوار السوريون أن يسقطوه عن كرسيه بعد أن اهتز.

وكان بينهما تعاون عســكري وخاصة فيما يخص مترير األســلحة واملعدات العســكرية إلى حزب الله في لبنان عبر ســوريا. لكن صرخة األســد»واخامنئاه» جاءت لنظــام املاللي» كما يقول املثل الســوري: «شــحمة على فطيرة» ليتغلغلوا في اجلســد الســوري ويتمكنوا من تثبيت أقدامهم في بلد يعتبرونه األكثر حيوية بالنسبة لهم، فمخططات إيران تســعى من خاللها متتني «القوس الشيعي» أو «احملور الشيعي» من طهران إلى بيروت مرورا ببغداد ودمشــق. مع برنامج للتشيع متبع فــي كل األمكنة التي تتواجد فيها. وقد قامت خالل الســنوات العشــر األخيرة ببناء قواعد عســكرية، وثكنات خاصة لكل ميليشــيا جلبتها من أفغانســتا­ن، وباكســتان، والعراق، وحزب الله اللبناني يتزعمها جميعا فيلق القدس من احلرس الثــوري. ومتلكت الكثير من العقارات واألراضي وخاصة حول العتبات املقدسة.

إسرائيل وقنبلة إيران النووية

احلرب اإلسرائيلي­ة في سوريا تقتصر على ضرب املنشآت اإليرانية، وأماكن تواجد القوافل العسكرية، ومخازن األسلحة، ضمن مخاوف من وصول املزيد من األسلحة حلليف إيران األول في املنطقة: حزب الله.

ورغم أن إســرائيل لعبت دورا كبيرا في احلفاظ على سالمة النظام الســوري خالل نصف قرن ونيف، ألنه أفضل نظام سوري لم يقم بأي هجــوم على األراضي احملتلة منذ العام .1973 لكــن هذا لم يغفر للنظام السوري إيواء امليليشــي­ات اإليرانية على أرض ســوريا، فتقوم دولة االحتــالل بقصف مطاراته وموانئه كما فعلت في مطار دمشــق وحلب، ومرفــأ الالذقية عدا عن التوغل العســكري في األراضي الســورية من جهة اجلوالن احملتل ملالحقة عناصر حــزب الله. لكن الهم األكبر لها هو امتالك إيران لقنبلة نووية ألنها ستقلب موازين القوى واالستراتي­جيا في الشرق األوسط ككل.

وقد قامت بعدة عمليات داخل العمق اإليراني باغتياالت ألشــخاص لهم عالقــة بالبرنامج النووي مباشــرة هذا من ناحيــة، وتوظف كل طاقاتها الدولية للحؤول دون توقيع اتفاق نووي مع إيران.

الواليات املتحدة و «داعش»

تقلبت السياسة األمريكية كثيرا في املسألة السورية، فمع انطالقة الثورة كان املوقف األمريكي يدعم الثورة والثائرين وخاصة اجليش الوطني احلر، ودعمته في البداية باألســلحة لكن ســرعان ما تغير موقفها خاصة بعد ما متكنت جبهة النصرة «حترير الشــام» املصنفة إرهابية من االستيالء على األسلحة واملعدات العسكرية األمريكية.

وبالطبع غير موقفها من النظام الســوري، ورغم تهديدها للنظام بعد اســتخدامه األســلحة الكيميائية إال أن إدارة أوباما فضلت عدم إثارة حفيظة إيران حليف النظام السوري إلمتام عملية التوقيع على االتفاق النووي.

ومع متدد «داعش» وسيطرتها على مساحات واسعة من األراضي العراقية والسورية، شــكلت الواليات املتحدة حتالفا دوليا حملاربة «داعش»، باالعتماد على قوات سوريا الدميقراطي­ة «قسد»، ودخلت بذلك بخالف شــديد مع تركيا التي تصنف «قســد» منظمة إرهابية متحالفة مــع حزب العمال الكردســتا­ني «بي كي كــي» وحتاربهما. وحتافظ واشــنطن على قوات لها في ســوريا لدعــم احلكم الذاتي لألكراد من ناحيــة، ولها عني مراقبــة الوجود الروســي وقواعده املنتشــرة على األرض الســورية، وعني أخرى علــى العراق بعد أن سحبت قواتها منه.

تركيا ومشكلة األكراد

التدخل التركي في ســوريا ودعمهــا للجيش الوطنــي واملعارضة املتمثلة باالئتالف الوطني سببه األساســي هو خشيتها من قيام دولة كردية علــى حدودها اجلنوبية يكون حزب العمال الكردســتا­ني طرفا فيها مما يهدد أمنها القومي.

وتسعى اليوم إلى حترير عدة مناطق منها عفرين في عملية غصن الزيتــون، وتل أبيــض في عملية نبع الســالم، وهــي تتأهب لعملية جديدة تهدف إلــى حترير منبج واملناطق احمليطــة وهذا ما اعترضت عليه الواليات املتحدة، وروســيا، وإيران. لكن تركيا املتضررة األولى من الوجود الكردي املسلح على حدودها مصرة على بناء شريط عازل على طــول احلدود الســورية التركية بعمق 30 كــم، وضرب القوات الكردية املســلحة وخاصة البي كي كي في ســوريا والعراق، وبحثت مع الروس العمليــة للحصول على الضوء األخضر الذين اشــترطوا التطبيع مع النظام الســوري أوال وهذا ما نوه عنه أكثر من مســؤول تركي.

التجهيــزا­ت للعملية تبدو وشــيكة وخاصة بعــد توجيه أصابع االتهام لقوات سوريا الدميقراطي­ة بأنها وراء تفجير إسطنبول مؤخرا.

روسيا وحلم املياه الدافئة

تبقى روســيا هي األقــوى واألكثر تغلغال في األزمة الســورية، ولديهــا مصالح كبيرة في ســوريا فهي متتلك اليــوم أكبر القواعد العســكرية والبحرية في حميميم وطرطوس ومستعدة للدفاع عن النظام الســوري الذي طلب منها التدخل بعــد العام 2015 حلماية نظامه الذي لم تســتطع إيران وكل امليليشيات املوالية من الوقوف في وجه املعارضة املسلحة التي كانت تسيطر على مساحات كبيرة من ســوريا. فمصاحلها االســترات­يجية كبيرة خاصة وجودها في املياه الدافئة على البحر املتوســط الذي كان حلمــا لكل القياصرة الــروس. كما أنها تخشــى متدد امليليشــي­ات اإلســالمي­ة املتطرفة كـ»داعش» وســواها لتصل إلى الشيشان وروســيا، خاصة وأن الكثير من املقاتلني الشيشــان التحقوا بامليليشــ­يات االســالمي­ة املتطرفــة في ســوريا. ضف إلى ذلك فروســيا اليــوم حتتاج إلى العمق الســوري خاصة بعد غزوها ألوكرانيا في حال تطور الوضع العسكري وتستفيد من عناصر من قوات سورية موالية للقتال إلى جانبها في أوكرانيا.

وتســعى من خالل وجودها في سوريا جتربة أسلحتها احلديثة في املدن والبلدات السورية وحتى مخيمات الالجئني، وتسيطر اليوم على العملية السياسية في سوريا عبر اجتماعات سوتشي وآستانا لتحييد مسار جنيف ومســاعي األمم املتحدة في إيجاد حل سلمي حسب القرار .2254

وهكذا يبدو املشــهد املتشابك حاليا في ســوريا والذي إلى اآلن لم يتبني ألحد اخليط األبيــض من اخليط األســود، والنظام يقف موقف املتفرج على بلد ال سيادة فيها.

٭ كاتب سوري

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom