Al-Quds Al-Arabi

العراق: «مكافحة الفساد» كآلية الستمراره

- إيلي عبدو ٭ – –

ظهر رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في مؤمتر صحافي، محاطا بـــ7.281 مليــار دينار عراقي (أكثر مــن 125 مليــون دوالر)، وهو املبلــغ الذي جرى استرداده، كـ»دفعة أولى» من أصل تريليون 681و مليار 270و مليون دينــار (الدوالر يقابل ألفــًا 480و دينارًا)، ُنهبت، ضمن ما باتــت تعرف محليًا بـ»ســرقة القرن»، املتعلقة بأمانات الضرائب.

لكن السوداني، الذي ذكر، في مؤمتره، أسماء موظفني صغار، تورطوا في عملية الفســاد هذه، جتنب، احلديث عن متورطــني آخرين، حيث ملحت صحيفة «فايننشــال تاميز»، إلى امليليشــي­ات، التي دعمــت رئيس احلكومة احلالي، للوصول الى منصبه.

وإغفــال املتورطني الكبــار، أي داعمي الســوداني، يكشف ألي درجة، مســألة «مكافحة الفساد» في العراق يشــوبها الكثير من الزيف والتضليل وتوظف ألغراض سياســية، بحيث ينجو الفاعل احلقيقــي بفعلته ويقدم الصغار كقرابني، لالستهالك اإلعالمي.

القوى الشــيعية املوالية إليران (اإلطار التنسيقي)، التي أوصلت الســوداني الى منصبــه، بعد تأمني غطاء ســني وكردي، تعرف جيدا، أن خصمها مقتدى الصدر، الذي ربــح االنتخابات ولم متكنه من احلكم، يراهن على فشــل احلكومة اجلديدة، ما يجدد التظاهــرا­ت، ويدفع البالد النتخابات جديدة، يحصــل فيها الصدريون على مقاعد تزيد عــن تلك التــي حصدوها فــي االنتخابات األخيرة، وتعزز شــروطهم التفاوضية، من دون امتالك أي ضمانات أن ال يتكرر ســيناريو العــام املاضي، مبنع الرابح من احلكم. خشــية «اإلطار» مــن رهانات الصدر، هي ما تدفعه، الستخدام مسألة «مكافحة الفساد». فهذه األخيرة، واحدة من العناوين التي غالبا ما يســتخدمها الصدر، بشــكل شــعبوي لتعبئة أتباعه، عدا عن كونها، إحــدى القضايا التي دفعــت ثوار تشــرين للنزول إلى الشــوارع وخلق رأي عام ناقم على الطبقة السياســية احلاكمة منذ سقوط نظام صدام حسني. وعليه، «اإلطار» يســعى لتوقي رهانات الصدر، وفي الوقت نفسه، تقدمي رشوة للشارع الغاضب والفاقد الثقة بالسلطة.

التسيس املزدوج، ملســألة «محاربة الفساد»، لناحية ســحب هذه الورقة مــن الصدر، واســتخدام­ها حملاولة تعــومي قوى «اإلطار» ممثال بالســودان­ي، عند معارضي السلطة والناقمني عليها، يكشف ألي درجة بات هذا امللف عرضة لالســتثما­ر السياســي، بني قوى، علة وجودها الرئيسية، الفســاد. فاألحزاب املتنافســ­ة على السلطة التي، في غالبيتهــا، متلك أذرعا عســكرية، لديها جلان اقتصادية يزرع أعضاؤها فــي وزارات الدولة للحصول على منافع وعموالت، حســب ما كشــفت اللجنة العليا للتحقيق بقضايا الفســاد، برئاســة الفريــق في وزارة الداخلية أحمد أبو رغيــف، والذي منحه رئيس الوزراء الســابق مصطفى الكاظمي، صالحيات واسعة، عدا عن تقارير حتدثت عن السيطرة على معابر حدودية ومرافق حكومية.

والغنائم املسلوبة من مؤسســات الدولة، توزع على أنصــار األحــزاب امليليشــي­ات، الذين يســتخدمون كناخبني في الســالم النســبي، أو مقاتلني في احلروب، لتكتمل بذلك دائرة الزبائنية السياسية. أي أن األحزاب الداعمة لـ»بطل» استعراضية اســترداد جزء من أموال «صفقــة القــرن»، أو املعارضــة له، هي املســتفيد­ة من الفساد، لتضمن استمرارها، وتزيد عدد مناصريها.

ارتبــاط آلية الفســاد باســتمرار األحــزاب، يجعل مكافحته أداة من أدوات املنافسة على السلطة، وتسجيل نقاط على اخلصم، ما يحول «مكافحة الفساد» إلى فساد مضاعف، مرة بارتكابه، وأخــرى، بتزييف مكافحته، إذ املطلوب ليس اعتقال شبكات مدعومة حزبية، بل موظفني صغار، وصناعة استعراض إعالمي الستخدامه سياسيا.

كل ذلك، يؤكد أن «محاربة الفساد» اجلدية، ال تستقيم ما لم يتم ربطها بإشــكالية الدولة امليليشــي­ا، وتغول الثانية على األولى، واســتيالئ­ها على قرارها ومقدراتها. كلما جرى الفصل بني اإلثنني انخفض منســوب الفساد، وكلما تطابقا أكثر زاد الفساد. هذه هي املعادلة الصعبة. مــا لم نبدأ من هنا ســنظل نشــاهد الســوداني محاطا بأكداس األموال املســتردة، عبر صــور التقطها مصوره معدوم املوهبة، فيما الفساد يتجذر أكثر في العراق.

ارتباط آلية الفساد باستمرار األحزاب يجعل مكافحته أداة من أدوات املنافسة على السلطة وتسجيل نقاط على اخلصم ما يحول «مكافحة الفساد» إلى فساد مضاعف

٭

كاتب سوري

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom