Al-Quds Al-Arabi

احتماالت االجتياح التركي البري في احلسابات السياسية الداخلية

- بكر صدقي٭ ٭ كاتب سوري

٭ كاتب ميني

■ تتكــرر التهديــدا­ت التركيــة كل يوم بشــأن قرب اجتياح عســكري جديد ملناطق ســيطرة قوات ســوريا الدميقراطي­ة شمال ســوريا، وذلك منذ بداية الضربات اجلوية املســتمرة إلى اليوم ملواقع تلك القوات. بتنا نعرف األســلوب التركي في «تسخني» اجلو متهيدا للعمليات املماثلة، ويقوم على نوع من جس نبض الفاعلني الدوليني في سوريا، روسيا والواليات املتحدة بصورة خاصة، والتصرف وفقا لردود فعلها. وقد القى التســخني احلالي ردود فعل رخوة، بالقياس إلى الســوابق، من واشنطن وموسكو معا، فدعا الناطق باســم وزارة الدفــاع األمريكية تركيا للتراجــع عن االجتياح البري، فيما كان قائد القوات الروســية في سوريا يتباحث مع قيادات «قسد» في الشروط التركية لالمتناع عن االجتياح.

تتحــدث تقارير صحافية عن تلك الشــروط فتقول إن تركيا طالبت بانســحاب قوات قســد عن احلدود التركيــة بعمق 30 كلــم، مبا في ذلك بلدات كوبانــي ومنبج وتل رفعــت، لتحل محلها قــوات النظام السوري. هذا يناســب الروس الذين يريدون توسيع سيطرة النظام كلما ســنحت الفرصة. وفي حال لم توافق قسد على الشروط التركية، يطالب الروس برأس هيئة حترير الشــام في إدلب مقابل املوافقة على اجتياح تركي للشمال وفقًا لبعض التقارير الصحافية. أما األمريكيون فلم يكتفوا باالقتصار على مناشدة احلكومة التركية، بل كذلك سحبوا دبلوماســي­يهم من مناطق اإلدارة الذاتية إلى أربيل، في إشــارة ميكن قراءتها تركيًا على أنها غض نظر أمام اجتياح بري محتمل.

بقدر ما تزيد هذه املؤشــرات من احتمــاالت وقوع االجتياح البري، بقدر ما تشــير أيضًا إلى احتدام البازار السياسي في األروقة اخللفية، ليس بشــأن االجتياح بذاته فقط، بل كذلك بشــأن الســير قدمًا نحو التطبيع السياســي بني تركيا ونظام األســد. أحدث تصريحات بشار األسد بهذا اخلصوص: «نريد أن نرى أفعاًال ال أقواًال» يشير إلى إنضاج الشــروط إلى حد كبير متهيدًا للقاء سياســي مباشر بني اجلانبني. في هذا اإلطار ميكن قراءة الشــرط التركي املتعلق بنشر قوات النظام في مناطق االنسحاب املطلوب من قسد بوصفه عربون «حسن نية» تقدمه تركيا للنظام لترجمة األقوال إلى أفعال بشأن طي صفحة املاضي وفتح صفحة جديــدة في العالقات على حد تعبير اردوغان في طريق عودته من قطر.

وقد شــطح اخليال بأحد الصحافيني األتــراك اخملضرمني حد توقع «مصافحــة عرضية» بني بشــار وأردوغان في الدوحــة، على هامش املباراة النهائية في كأس العالم، على غرار املصافحة بني األخير وحاكم مصر عبد الفتاح السيســي على هامش يوم االفتتاح، بافتراض أن تتم دعوة كل من بشار وأردوغان حلضور املباراة النهائية. هذا السيناريو املتخيل يستند إلى أســاس محلي هو أن الصحافي املشار إليه يرى أن االنتخابات البرملانية والرئاسية ســتجرى قبل موعدها احملدد مبدئيًا بالثامن عشــر من شــهر حزيران املقبل، لاللتفاف على مادة صريحة في الدســتور التركي حــددت حق الترشــح إلى رئاســة اجلمهورية بواليتــني فقط، ومبا أن أردوغان قد انتخب لواليتني ســابقا فلن يحق له الترشــيح لوالية ثالثة. في حني أن صدور قــرار من مجلس النواب بإجراء االنتخابات قبل موعدها يتيح ألردوغان الترشــح لوالية ثالثة بال عقبات.

من هذا املنظور يصبح ممكنا قراءة السياســة الســورية لتركيا في تغيراتها املبكرة بالقياس إلى املوعد املعلــن لالنتخابات في حزيران. مبعنى أن اســتعجال االجتياح البري أو ما يعادله من حتقيق الشروط التركيــة بال اجتياح فعلي، وكذا تســريع مســار التطبيــع مع النظام ســببهما أن الســلطة «تبيت» النتخابات مفاجئة قبل موعدها، لقطف ثمار هذه اخلطوات في صناديق االقتراع. أما سبب «التبييت» أي عدم اإلعالن منذ اآلن عن تقدمي موعــد االنتخابات فهو بهدف زج املعارضة في معركــة انتخابية قبــل أن تســتكمل اســتعدادا­تها فتكون فرص خســارتها أكبر. واحلال أن املعارضة املمثلة في «الطاولة السداســية» فعال غير مســتعدة بعد النتخابات مفاجئة، فهي ليســت على انسجام كاف فيما بني األحزاب املمثلة فيها، كما أنها تؤجل باســتمرار اخلوض في موضوع اختيار مرشــح توافقي ملنصب الرئاسة. أضف إلى ذلك أن السلطة لم توفر فرصة لتشتيت هذا االئتالف وزرع بذور اخلالف فيما بني أحزابه، وجنحت غالبا في هذا املسعى.

أحدث حلقات اجلدل مبا خص املوضوع اإلشكالي بشأن حق ترشيح أردوغان لواليــة ثالثة من عدمها جاءت على لســان ذئب السياســة التركية دولت بهجلي، زعيم حزب احلركــة القومية، فقال الثالثاء في خطابه األسبوعي أمام الكتلة البرملانية للحزب: «ليت الدستور يسمح بثالث واليات رئاســية من خمس ســنوات لكل منهــا، لتندفع تركيا قدمــا إلى موقع قيــادي عاملي» وذلك في معرض تعليقه على مشــروع الدســتور الذي أطلقته «الطاولة السداســية» وجاء فيه حتديد والية واحدة فقط من سبع ســنوات ملنصب الرئاسة. فسر هذا الكالم لزعيم الشــريك الصغير للســلطة على أنه إقرار بعدم جواز الترشح لوالية ثالثــة. مع العلــم أن بهجلي كان قد ســبق احلزب احلاكم نفســه في اإلعالن عن مرشحه للرئاسة في شــخص أردوغان. يترتب على جمع هذين املوقفــني أن فتح الطريق أمام ترشــيح أردوغان غير ممكن، من وجهة نظر بهجلي، إال بإحدى وســيلتني: إما تعديل الدستور أو إجراء االنتخابات الرئاســية قبل موعدها. وإذ ال يكفي مجموع نواب العدالة والتنمية واحلركة القومية لتمرير تعديل دســتوري، ال يبقى إال تقدمي موعد االنتخابات.

فإذا صحت التوقعات بشــأن تقدمي موعد االنتخابات أمكننا قراءة جميع حمالت الســلطة الهادفة إلى اســتعادة شــعبيتها، مبا في ذلك العملية العســكرية في ســوريا واالجتياح البري احملتمــل أو إلغاؤه بتطبيق الشــروط التركية، وكذا تسارع مؤشــرات التطبيع مع نظام األســد. فمن هذه الزاوية ليست هذه احلمالت ســابقة ألوانها، بل هي متهيد في الوقت املناسب للطريق إلى االحتفاظ بالسلطة.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom