Al-Quds Al-Arabi

فلسطني تنتصر... األمم املتحدة تقر ألول مرة فعالية بـ«ذكرى النكبة» وتؤكد على مبادئ تسوية للصراع

أربعة قرارات ملصلحة القضية... ورئيس اجلمعية العامة: الفلسطينيو­ن ينتظرون حتقيق حلمهم

- من أشرف الهور:

حققت فلســطني التي تبحث حاليــا عن اعتراف دولي واسع بدولة مستقلة كاملة السيادة، انتصارا جديدا فــي األمم املتحــدة، بتبني املنظمــة األممية أربعة قــرارات جديــدة لصاحلها، أغضبــت كثيرا دولة االحتــالل، خاصة وأنه كان مــن ضمنها تبني اجلمعية العامة قــرارا باالحتفال بـ «ذكرى النكبة»، وهو تاريخ احتالل العصابات الصهيونية لألراضي الفلســطين­ية، وكذلك إدانة مقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة.

األمم املتحدة حتيي «النكبة»

وفي جلسة عقدتها اجلمعية العامة لألمم املتحدة مســاء أول من أمس األربعاء، تبنت اجلمعية خمسة قرارات بشــأن قضية فلســطني والوضع في الشرق األوســط، حيث تزامن التصويت على القرارات في جلسة اجلمعية العامة مع اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلســطين­ي، وكذلك مرور 75 عاما على قرار اجلمعية العامة ،181 الذي أصبح يعرف باســم قرار التقسيم.

وخالل اجللسة قدم ســفير السنغال شيخ نيانغ، الذي يشغل منصب رئيس جلنة األمم املتحدة املعنية مبمارســة الشعب الفلســطين­ي حلقوقه غير القابلة للتصرف، أربعة مشــاريع قــرارات تتعلق باملبادئ األساســية للتســوية الســلمية لقضية فلســطني، وواليات وعمل اللجنة، وشعبة حقوق الفلسطينين­ي، والبرنامج اإلعالمي اخلاص بقضية فلســطني، فيما كان القرار اخلامس خاصا بشأن اجلوالن السوري، حيث قدم املشروع من قبل مصر.

ووفق موقع األمم املتحدة، فقد طلب مشروع القرار األول من اللجنة حشــد التضامــن والدعم الدوليني

للشــعب الفلســطين­ي واســتعادة األفق السياسي والنهوض بسالم عادل ودائم وشامل، ال سيما خالل هذه الفترة احلرجة من عدم االســتقرا­ر السياسي، وزيادة تقليص احليز املدني في األرض الفلسطينية احملتلة، والضائقة اإلنسانية واألزمة املالية. ويدعو جميع احلكومات واملنظمات إلى التعاون مع اللجنة.

فيما جدد مشــروع القــرار الثاني والية شــعبة حقوق الفلســطين­يني باألمانة العامــة لعملها لدعم والية اللجنة، وطالب الشعبة بتكريس أنشطتها في عام3202 لالحتفال بالذكرى اخلامســة والســبعني للنكبة، مبا فــي ذلك إقامة حدث رفيع املســتوى في قاعــة اجلمعية العامة في يوم 15 مايــو/ أيار ،2023 وهــو حدث يتــم ألول مــرة، وقد صــوت لصاحله 90 دولة، وضــده 30 دولة، وامتنعــت 47 دولة عن التصويت.

يشــار إلى أنه في مثل ذلك اليــوم من عام ،1948 كانــت العصابات الصهيونية قد أحكمت ســيطرتها على غالبيــة املناطق الفلســطين­ية، بعــد أن قامت بارتكاب مجــازر وعمليات «تطهيــر عرقي»، طردت مبوجبها ســكان البلــدات واملدن الفلســطين­ية إلى مناطق اللجوء والشــتات، بعد أن هاجمتهم بأعتى األسلحة في حينه، وقد أطلق الفلسطينيو­ن على تلك األحداث «أحداث النكبة»، ووقتها أعلنت إســرائيل عن قيام دولتها على أنقاض املــدن والقرى املدمرة، ولم يفلح اجملتمع الدولي، منذ ذلك الوقت في انصاف الشــعب الفلســطين­ي، وإعطائه حقوقه التي نصت عليها املواثيق والقرارات الدولية.

واشتمل أحد القرارات األربعة اخلاصة بالقضية الفلسطينية، مشروع القرار بشأن البرنامج اإلعالمي اخلــاص بقضية فلســطني التابــع إلدارة التواصل العاملــي، وجتديــد واليــة البرنامج لدعــم توعية إعالمية للمســاهمة في الســالم بني الفلســطين­يني واإلســرائ­يليني، وأدان مقتل الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، وطالب باملساءلة، كما رحب بقرار تســمية برنامج األمم املتحدة التدريبي للصحافيني الفلســطين­يني باســمها تكرميــا لها، وقــد صوتت

لصاحله 149 دولة، وضده 11 دولة، فيما امتنعت31 دولة عن التصويت.

كما أكد مشــروع القرار املعنون «تســوية قضية فلسطني بالوسائل السلمية»، على املواقف التوافقية للمجتمع الدولي، وكرر املبادئ األساسية التي ينبغي أن حتكم التســوية الســلمية للصراع اإلسرائيلي ـ الفلســطين­ي، وقد صوت لصاحله 153 دولة، وضده 9 دول، وامتنعت 10 دول.

ترحيب فلسطيني ومطالب دولية

ورحب وزير اخلارجية واملغتربني رياض املالكي بالتصويــت لصالح القــرارات األربعــة، وقال «إن التصويت علــى إحياء ذكرى النكبــة اعتراف أممي باملأساة الفلســطين­ية التي أدت إلى تهجير شعبنا، وحتويل أكثر مــن نصفه إلى الجئني في الشــتات، ونصفهم اآلخر حتــت اضطهاد نظام فصل عنصري، واســتعمار كولونيالي»، الفتا إلى أن التصويت يعد خطوة في اجتــاه «تصويب الظلــم التاريخي جلبر الضرر الذي أصاب فلســطني، وطنا وشــعبا»، وأكد أن تصويت الدول لصالح هــذه القرارات دليل على اإلجماع الدولي بشــأن القضية الفلسطينية، وحق الشــعب الفلســطين­ي في العيش بحريــة وكرامة، وحقه في تقرير املصير واالســتقا­لل لدولة فلسطني، والعودة لالجئني.

وخالل اجللســة قال رئيس اجلمعية العامة لألمم املتحدة، تشــابا كوروشــي، متحدثا باللغة العربية «في عــام ،1947 قبلــت اجلمعية العامة مســؤولية إيجاِد حل عــادل للقِضية الفلســطين­ية، وباعتماد القرار ،181 مت التوصل إلنشاء دولتني تعيشان بأمن وســالم، ج ْنبا إلى ج ْنب». وأضاف «فمنذ ذلك الوقت وحتى اآلن، لم نتوصل للحل الدائم والشــامل، وال تزال هذه املســألة عالقة على جدول أعمال اجلمعية العامــة، وفي أذهان الفلســطين­يني الذين ينتظرون حتقيق حلمهم في إقامة دولة مستقلة ذات سيادة».

وطالب رئيس اجلمعية العامــة الدول األعضاء،

بضرورة خلق ظــروف موائمة من شــأنها أن تعيد مســار حل الدولتني، كما طالب جميــع األطراف بـ «العمل والســعي نحو الوصول إلى حلول تفاوضية تســتِند إلى ميثاق األمم املتحــدة، ومبادئ القانون الدولي، واح ِترام حقوق اإلنسان».

وأضــاف «دعونا نتجــاوز عدم الثقــة، ودعونا نطرح األسئلة الصعبة، ولنركز على املصلحة العامة، ولنحل في نهاية املطاف هذا الصراع».

وخالل اجللسة حتدث السفير الفلسطيني رياض منصور، عن أوضاع الفلســطين­يني بسبب االحتالل، الفتا إلى أنه بعد أشــهر على قرار التقســيم الصادر عــن األمم املتحدة عــام ،1947 أجبر ثلثي الشــعب الفلســطين­ي على ترك منازله، وقال «إن أمة بأكملها واجهت التجريد والتهجيــر واحلرمان من حقوقها، آنذاك وإلى يومنا هذا».

وأكد أن الشــعب الفلســطين­ي واجــه أكبر أزمة الجئني طــال أمدها، وأكبر أزمة حمايــة، وأكبر أزمة عدالة فــي تاريخ األمم املتحدة، وقــد وصف النكبة بأنها «تدميــر جملتمعات فلســطينية بأكملها، ملئات البلدات والقــرى»، وقال وهو يصــف احلدث «إنه الظلم التاريخي الذي حدث منذ 75 عاما وكل يوم منذ ذلك احلني».

ونقل موقع األمم املتحدة عن السفير الفلسطيني قوله «بينما مت اقتالع الجئي فلســطني من فلسطني، لم تكن هنــاك قوة على وجــه األرض ميكنها اقتالع فلسطني من ذاتهم». وتابع «اليوم، تقر هذه اجلمعية العامــة أخيرا بالظلم التاريخي الذي حل بالشــعب الفلســطين­ي، وتتخذ قرارا يقضــي بإحياء الذكرى اخلامسة والسبعني للنكبة في قاعة اجلمعية العامة هــذه»، مؤكدا أن الشــعب الفلســطين­ي يســتحق االعتــراف مبحنته، وحتقيــق العدالــة للضحايا، والتعويض عن خسارته، والوفاء بحقوقه.

وقــد وصف الســفير منصــور عــام 2022 بانه «األكثر دموية» للفلســطين­يني في الضفــة الغربية منــذ االنتفاضة الثانية، مشــيرا إلى أن هــذا العام شــهد زيادة غير مســبوقة في االعتداء على املسجد األقصى، وقــال واصفا ما يجري «إنــه عام عمليات الهدم واإلخالء املكثفة في القدس ومســافر يطا، إنه عام استمرار احلصار والعدوان على أهلنا في غزة».

وتابــع «بينمــا أخاطبكم هنــا، كان على األب أن يحمل جثتي ولديــه اللذين ُقتــال، وُحرمت األم من احتضان طفلها للمرة األخيرة مع استمرار إسرائيل في احتجــاز مئات اجلثــث الفلســطين­ية كرهائن، بينمــا أخاطبكــم اليــوم، يعيش األطفــال وأولياء أمورهم فــي خوف من القصف اإلســرائي­لي القادم، والتوغل اإلســرائي­لي املقبل، واالعتقال التعســفي التالي، والهدم القادم ملدرستهم أو منزلهم». وأكد في كلمته أن العدالة تعني «انتصار احلرية والتســوية الســلمية». واضاف «حتقيق العدالة في فلســطني يعني أن نظامنا القائم على القانون الدولي قد انتصر على اإلفالت من العقاب وازدواجية املعايير».

غضب إسرائيلي

ولم يعجب األمر الســفير اإلســرائي­لي في األمم املتحــدة جلعــاد إردان، الذي وجد نفســه وحيدا فــي مواجهة التضامــن الدولي الكبير مــع القضية الفلســطين­ية، حيث وصف القرارات اخلمســة التي تبنتها اجلمعية العامة بأنها «قرارات ضد إسرائيل»، وزعم «عبر دعمكم لهذه القرارات التي تدين إسرائيل وتشيطنها فإنكم ال تساعدون القضية الفلسطينية».

كما زعم فــي محاولة الدفاع عــن أفعال حكومته الدامية بأن هذه القرارات «ستشــجع الفلسطينين­ي على االمتنــاع عن خــوض أي مفاوضات».وأضاف وهــو يعبر عن غيظه من إقرار احتفال عاملي في قاعة اجلمعية العامة بـ «ذكرى النكبة»، «إن هذه القرارات تشــمل طلبا لالحتفال بالعيد اخلامس والســبعني إلنشــاء دولة إســرائيل عبر فعالية عالية املستوى هنا في هذه القاعة وهــذه الفعالية لن تكون احتفاال بإسرائيل، بل إحياء لذكرى ما تدعى باسم النكبة».

وتخللت اجللسة كلمات للعديد من الدول العربية واإلســالم­ية واألجنبية، أكدت على حقوق الشــعب الفلســطين­ي التي كفلها القانون الدولي، كما نددت باالســتيط­ان اإلســرائي­لي، باعتباره مخالفا وغير شــرعي، ويعيق أي تقدم في الســالم، ودعت األمم املتحدة للتدخــل إلنهاء االحتالل اإلســرائي­لي. كما عبرت العديد من الدول عن دعمها حلصول فلسطني علــى عضوية كاملة فــي األمم املتحــدة، وأكدت أن الســالم لن يتحقــق دون إنهاء االحتــالل، ونددت باإلجراءات اإلسرائيلي­ة أحادية اجلانب.

يشــار إلى أنه عرض خالل اجللسة تقرير اللجنة املعنية مبمارســة الشعب الفلســطين­ي حلقوقه غير القابلــة للتصرف، والذي دعا إســرائيل، الســلطة القائمة باالحتالل، إلى الوفــاء بالتزاماته­ا مبوجب القانون اإلنســاني الدولي والقانون الدولي حلقوق اإلنسان، واحترام الوضع الراهن في األماكن املقدسة في القدس، مبا في ذلك الوضع التاريخي والقانوني الراهن في املسجد األقصى املبارك.

كما دعا حكومــة االحتالل إلى إجــراء حتقيقات فورية ومســتقلة ونزيهة في جميــع احلوادث التي تنطوي على االســتخدا­م املفرط للقوة واخلســائر في أرواح الفلســطين­يني، مبن فيهم األطفال، مبا في ذلك استشــهاد الصحافية شــيرين أبو عاقلة، وفي جنازتهــا، وضمان محاســبة اجلناة وتوفير ســبل اإلنصاف املناسبة للضحايا.

ودعا ســلطات االحتــالل إلى وقــف التقدم في جميع األنشطة االســتيطا­نية واالمتناع عن األعمال االنفرادية واالستفزاز­ية التي تؤجج عدم االستقرار وتغير التكويــن الدميغرافي لألرض الفلســطين­ية احملتلة ومركزهــا وطابعها. وأكد تقريــر اللجنة أن هذه األفعال تقوض احتمال حتقيق حل الدولتني من خالل التآكل املنهجي لقيام دولة فلســطينية متصلة جغرافيا ومستقلة وقادرة على البقاء وذات سيادة، على أســاس حدود ما قبــل عام ،1967 مــع القدس الشــرقية عاصمة لفلســطني، وفقا للقانون الدولي وقــرارات األمم املتحدة ذات الصلة، مبا في ذلك قرار مجلس األمن 2334 لعام 2016 ومبادئ مؤمتر مدريد للسالم ومبادرة السالم العربية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom