Al-Quds Al-Arabi

غموض حول املعركة التي قتل فيها زعيم تنظيم «الدولة» ومصادر تكشف اسمه احلقيقي لـ«القدس العربي»

سرعة مقتله داللة على هشاشة موقع التنظيم في سوريا والعراق واعتماده على الفروع لالستمراري­ة

-

أعلن «تنظيم الدولة اإلســامية» بشكل مفاجئ، األربعاء، مقتل زعيمه أبي احلســن الهاشمي القرشي في معارك لم يحدد تاريخها أو مكانها أو خصمه فيها، لكن واشنطن قالت إنه قضى منتصف تشرين األول/ أكتوبر في جنوب سوريا.

وقتل الهاشمي القرشي، وفق القيادة املركزية في اجليش األمريكي، على يد «اجليش الســوري احلر» فــي محافظة درعا، مــن دون أن تقــدم أي معلومات إضافية.

وكشــفت مصادر خاصة ل»القــدس العربي» عن اسم وتاريخ انتماء زعيم «تنظيم الدولة اإلسامية» الذي أعلنت الواليات املتحدة عن قتله في درعا، وهو نور كرمي املطني وينتمــي لعائلة البوعبيد في مدينة راوة في محافظة األنبار. وحسب معلومات حصرية ل»القــدس العربي» فإن مســيرة زعيم التنظيم نور كرمي املطني بدأت فــي العراق بعــد أن أراد االنتقام خلطف وقتل شقيقه و سبعة من أقاربه على يد قوات الذئــب العراقية ، التــي عرفت في الوســط العربي الســني مبمارســات­ها الطائفية، اذ قامت هذه القوة املنتمية لوزارة الداخلية بهجوم عام 2005 على احد مكاتب الصيرفة في حي االعظمية الســني في بغداد، التي ميلكها شقيقه وســبعة من اوالد عمومته، حيث قامت بخطفهم وقتلهم، وخال انتماءه لتنظيم الدولة تدرج في العمل وعرف بداية في العمل اللوجســتي دون ان يتسلم مهام امنية او عسكرية ، الى ان اعتقل ابن مدينته منــاف الراوي والي بغداد الســابق في التنظيم، ليعمل العراقي في ادارة والية بغداد ويطلق عليه حينها «ســيف بغداد»، وظلت مسيرته محاطة بالكتمان وبعيدا عــن اعني اجهزة االمن العراقية الى عام 2014 حيــث انتقل الى البوكمال الســورية، كما لديه شــقيق اخر في التنظيم يدعى فراس مت اعتقاله في ادلب قبل ستة شهور على يد هيئة حترير الشام.

أجمع مقاتل معارض سابق وناشطون من محافظة درعا واملرصد الســوري حلقوق اإلنسان في على أن العملية األمنية الوحيدة التي استهدفت خايا تابعة

للتنظيم في منتصف تشرين األول/أكتوبر حصلت في مدينة جاسم في جنوب درعا، وأسفرت عن مقتل عدد من عناصر التنظيم. ورجــح هؤالء أن تكون العملية ذاتهــا التي قتــل فيها الهاشــمي القرشــي العراقي اجلنسية، من دون أن يتسنى التأكد من صحة ذلك.

ويقول الناشــط املعارض عمر احلريري من مكتب «توثيق الشــهداء في درعا»، إن قوات النظام أبلغت وجهاء مدينة جاســم بوجود عناصــر متوارين من التنظيم فــي مدينتهم، وطلبت منهم إعــداد مقاتلني محليني ومعارضني ســابقني للمشــاركة فــي عملية عسكرية.

وتســيطر قوات النظام منــذ 2018 على محافظة درعــا حيــث يتواجد مقاتلــون معارضــون أجروا اتفاقات تسوية مع دمشق واحتفظوا بأسلحتهم.

ويروي املقاتل الذي يقول إنه شــارك في العملية األمنية: «بعد تبــادل املعلومات مع النظــام، حددنا املنازل» التي يتوارى فيها عناصر التنظيم في جاسم وقريــة محاذية. ويتابع: «املعلومــا­ت املتاحة حينها كانــت حول وجود خايــا أمنية للدواعــش ومركزا لعملياتهم فــي جنوب ســوريا وأميرهم املســؤول عــن درعا»، مضيف ًا: «لم يب ّلغنــا أحد أن زعيم داعش («تنظيم الدولة») كان هناك».

وشارك في العملية التي استمرت خمسة أيام بدءا من 14 تشــرين األول/أكتوبر، مقاتلون محليون من املدينة مبساندة ميدانية من عناصر الفيلق اخلامس (وهو فصيل أسســه الروس مــن مقاتلني معارضني ســابقني ليقاتل الى جانــب قوات النظــام)، ودعم مدفعي من قوات النظام التي طوقت املدينة حينها.

ويقول املقاتل: «اعتقدنا بداية أن العملية ستنتهي في اليوم ذاته، لكن عددهم قارب املئة، وقد فجر اثنان منهم نفسيهما» مع بدء العملية.

وتركزت املعارك على خمســة منازل قبل أن تشمل 20 منــزال. وانتهت مبقتل عناصر مــن التنظيم بينهم عراقي ملقب بأبي عبد الرحمن العراقي.

ووفق مدير املرصد الســوري رامي عبد الرحمن، فّجر العراقي نفسه في منزل كان يتحّصن فيه بعدما أخــرج عائلته منه. وليس مؤكدا مــا إذا كان أبو عبد الرحمن العراقي هو نفســه الهاشــمي القرشــي، أو واحدا من القتلى الذين بقيت هويتهم مجهولة.

ويقول املقاتل: «أتى مسؤولون من النظام للتعرف على اجلثث، وعرفوا عــن العراقي بأنه أمير التنظيم في درعا ومسؤول عن عمليات اغتيال وخطف، لكنهم لم يقولوا إنه أمير داعش الرئيسي».

ويشير إلى أن «جثث القتلى التي مت التعرف عليها دفنت في جاســم، فيما أخذ األمن اجلنائي الســوري اجلثث اجملهولة الهوية للتعرف عليها».

جاسم

وفــي 14 تشــرين األول/أكتوبــر، نقلــت وكالة األنباء السورية الرسمية (سانا) عن مصدر أمني أن «مجموعات أهلية ومبساندة اجليش» السوري بدأت عملية ضد التنظيم في جاسم. وفي اليوم التالي، أفاد املصدر سانا أن املواجهات دارت في احلي الشمالي، مشيرا إلى وجود «أمراء» من التنظيم أحدهم عراقي.

وفي 17 من الشــهر ذاتــه، أعلن املصــدر األمني «القضاء على كامل أفراد اجملموعة اإلرهابية»، مشيرا إلى أن وحــدات اجليش «تفرض طوقــًا ناريًا حول املدينة، وتنفذ استهدافات مركزة بالوسائط النارية املناسبة ملواقع وحتركات إرهابيي داعش».

ورغم تقاطــع املعلومات حــول العملية املذكورة وتاريخها، يقول ناشــط معارض فــي درعا، رافضا الكشف عن هويته: «ليس هناك من أدلة قاطعة تؤكد أنها العملية ذاتهــا التي قتل فيها زعيــم التنظيم»، مضيفا: «في درعا فوضى أمنية وقد يكون (القرشي) قتل في مواجهة أخرى لم يوثقها أحد».

ولــم يســتبعد الباحــث ومدير حتريــر مجلة «نيوالينز» حســن حســن، وهو مؤلــف كتاب عن «تنظيم الدولة اإلســامية»، أن يكون الهاشمي قتل «بالصدفة في غــارة أو قتال من دون أن تكون اجلهة التــي قتلته تعلم مــن هو». وأضاف: «هــذا أمر غير مسبوق لكنه محتمل».

و ُتعد محافظة درعا التي ش ّكلت مهد االحتجاجات الشــعبية ضد النظام عــام ،2011 املنطقة الوحيدة التي لم يخــرج منها كل مقاتلــي الفصائل املعارضة بعد استعادة قوات النظام السيطرة عليها في متوز/ يوليو ،2018 إذ وضع اتفاق تســوية رعته موســكو حدا للعمليات العســكرية وأبقى على وجود مقاتلني

معارضــني احتفظــوا بأســلحة خفيفة. وتشــكلت مجموعات مســلحة تابعــة لقوات النظــام أبرزها «الفيلق اخلامس» املدعوم من روسيا.

أما «اجليش الســوري احلر»، فهي تسمية كانت تطلق على فصائــل املعارضة املســلحة التي قاتلت اجليش السوري خال سنوات النزاع األولى قبل أن تتشــتت. وال تزال واشنطن تطلق تلك التسمية على مقاتلني معارضني.

ومنذ ســيطرة النظــام عليها، طغــت الفوضى األمنية على درعا التي تشــهد تفجيــرات وعمليات إطاق نار ضد قوات النظام واغتياالت طالت موالني أو معارضني ســابقني أو حتى مدنيــني يعملون لدى مؤسســات حكومية، في وقت انتشر الساح في كل مــكان. ويتبنى «تنظيم الدولة اإلســامية» هجمات في املنطقة.

ويقول احلريري: «الفوضى في درعا هي الســبب الرئيســي خلف جلــوء خايا لـــ «تنظيــم الدولة اإلسامية» إليها».

ال مالذ آمنا في سوريا والعراق

ويرى محللون أن مقتل أبي احلســن الهاشــمي القرشي في أقل من ســنة، يظهر أن سوريا والعراق لــم يعودا مــاذ ًا آمنــ ًا للتنظيم الذي بات يســتم ّد استمراريته من فروعه اإلفريقية واآلسيوية.

ويوضح مدير األبحاث في معهد «صوفان غروب» األمريكي للمعلومات االســتخبا­راتية واألمن كولن كارك قائا: «ميكننا أن نفترض أنه (أبي احلســن) زعيم «تنظيم الدولة اإلسامية» الذي كان له أضعف أداء منذ إنشاء التنظيم».

وتظهــر هشاشــة التنظيم في املنطقــة من خال الفتــرة الفاصلة بــني تاريخ مقتلــه الفعلي وإعان األمر رســميا. ويقول اخلبير إنه كان التنظيم «يجهد على األرجح إليجاد خلف لــه»، معتبرا أنه «يخضع لضغوط قصوى من خصوم مختلفني، ولم يعد ميلك هامش التحرك نفســه حتى للتواصل مع أنصاره». ويوضح شــيندلر أن «ســوريا لم تعد ماذا لتنظيم الدول اإلســامية. ميكن لهذا التنظيــم أن يبقي فيها على هيكلية معينة لكنها لم تعد مكانًا آمنًا لقيادته».

فروع

ويؤكد: «عندما تقتــل (التنظيم) اجلميع، ال يبقى لك حلفاء».

لكن للمفارقة، يواصل التنظيم نشــاطه ويحتفظ بقــدرة علــى زرع املــوت، إذ إن «تنظيــم الدولــة اإلســامية - والية خراســان» يضغط بشكل كبير على نظام حركة طالبان في أفغانستان. كذلك، يعرف التنظيم منو ًا الفت ًا في إفريقيا من الساحل إلى بحيرة تشــاد مرورا مبوزمبيق والصومــال. في العراق، ال يزال التنظيــم قادرا على اإليذاء مــن خال خاياه اخملتبئة في أمكنة نائية.

ويرى متابعو احلــركات اجلهادية في العالم منذ ســنوات أن «تنظيم الدولة اإلســامية» على غرار تنظيم القاعدة، يعتمد الامركزية من خال االستناد إلى فروع محلية الكتســاب نفوذ في مناطق تشــهد أزمات.

ويؤكد األســتاذ فــي جامعة العلوم السياســية في باريس جان-بيار فيليــو املتخصص بالتطرف اإلسامي، أن «هشاشــة القيادة العليا للتنظيم تزيد من استقالية فروعه، ال ســيما تلك النشطة جدا في أفغانستان والساحل».

لكن هل ميكــن احلديث عن شــبكة عندما تكون القيادة املركزية شبه غائبة؟ وإلى متى ميكن أن تبقى الزعامة حكرا على العرب من الشــرق األوسط؟ يرى جايكوب شيندلر أن الفروع اإلفريقية قد ترى في ذلك «متييزا بعض الشــيء. وســنرى إلى متى ستستمر بالقبول بذلك».

في العام ،2021 كرست صحيفة «النبأ» األسبوعية الرســمية الصادرة عــن التنظيــم صفحتها األولى 28 مــرة من أصــل 52 ألحداث في إفريقيا، بحســب متابعــات داميــان فيريه، مؤســس شــركة «جهاد أناليتيكس» التي حتلل حــركات اجلهاد في العالم. وباتت غالبية «واليات» التنظيم، أي ســبع من أصل 31، في هذه القارة.

 ?? ?? أبو احلسن الهاشمي القرشي
أبو احلسن الهاشمي القرشي

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom