Al-Quds Al-Arabi

موقعة «األسود» التي أربكت التلفزيون اجلزائري... و«مونديال» قطر معركة قيم أيضا!

الطاهر الطويل

- ■ ٭

■ باريس - أ ف ب: من فرنســا الى اليابان مرورا بالواليات املتحدة، يحظى مونديال قطر 2022 مبتابعة تلفزيونية مرتفعة رغم دعوات ملقاطعة النسخة الثانية والعشرين من النهائيات على خلفية السجل احلقوقي لإلمارة اخلليجية، ونقــل احلدث من موعده التقليدي في الصيف.

وقال االحتــاد الدولي لكرة القدم (فيفا) األســبوع املاضي «ال تزال كأس العالم حتظى بنفس الشــعبية»، معتمدا بشــكل خــاص على عــدد مشــاهدي املباراة االفتتاحية التي جمعت قطر املضيفة باإلكوادور والذي ارتفع فــي بعض البلدان مقارنة بكأس العالم 2018 في روسيا.

واحلديــث عــن ارتفــاع عــدد مشــاهدي املباراة االفتتاحية يعني بشــكل خاص البرازيل 24.3( مليون مشاهد كمعدل وسطي بزيادة 6 باملئة)، اململكة املتحدة 6.3( ماليني بزيادة 57.5 باملئة)، كولومبيا 5.5( ماليني بزيادة غير محددة) أو فرنســا 5.1( ماليني بزيادة 30 باملئة).

ورغم هــذه األرقام، ال تزال االنتقــاد­ات تنهال على الدولــة املضيفــة، كما كانــت احلال منــذ منحها حق التنظيم عام ،2010 ســواء في موضوع احترام حقوق اإلنسان أو حتى حماية البيئة.

لكــن في الوقت الذي تنخفض فيه أرقام املشــاهدة التلفزيوني­ة لصالح اإلنترنــت ومنصات الفيديو، فإن «األحــداث الرياضيــة الكبرى تظل من بــني األحداث القليلة التي حتظــى مبتابعة جماهيريــة كبيرة» كما يؤكــد لوكالة فرانــس برس كريســتوف لوبوتي من مركز القانون واالقتصاد الرياضي في ليموج (وســط فرنسا).

ويضيف اخلبير االقتصادي أن هذا الواقع الذي تتم مالحظتــه في كل كأس عالــم أو كأس أوروبا «ال ميكن نكرانه» هذا العام أيضا.

خارج املنزل

في فرنســا، حيــث بلغ عــدد مشــاهدي املباراتني األوليني ألبطال العالم بني 11 و31 مليونا، «من الواضح أنه ال يوجد أي تأثير للمقاطعة» كما قال لفرانس برس فيليــب باييي من مجموعــة «أن بي آ» االستشــار­ية املتخصصة في العالم الرقمي للمحتوى واخلدمات.

هذه األرقام قريبــة من نتائج 2018 وفق ما أشــار لوبوتي، لكنه أفاد أنها أقل مــن حيث حصة اجلمهور، أي نسبة مشاهدي املباراة الواحدة من جميع السكان الذين يتابعونها.

لكــن نســخة 2022 تتميــز فــي فرنســا وفــق «ميدياميتــ­ري» فــي قياس «خــارج املنــزل»، أي في مشــاهدة املباريات في احلانات، مع األصدقاء...، وهو أمر ملفت بالنسبة لكأس عالم.

ورأى لوبوتــي أنه مــن دون هذا األمر «قد نشــهد انخفاض ًا» في أرقام املشاهدة، مضيف ًا «ال توجد مقاطعة

واســعة النطاق. لن نروي قصصا» غير واقعية بشأن املقاطعة.

في إســبانيا، تابع أكثر من 11 مليون مشاهد 60.7( املئة من حيث نســبة مشــاهدي املباراة الواحدة من جميع الســكان) لقاء «ال روخا» مــع أملانيا، ما يجعله «البرنامــج األكثر مشــاهدة لهــذا العــام على جميع القنوات» في البالد وفقا للقناة العامة «تي في أي».

وكانــت أملانيا حتى اآلن الشــواذ عــن القاعدة، إذ تراجع عدد متابعي «دي مانشــافت» خلف شاشــات التلفزة. ففي ،2018 بلغ املعدل الوسطي لعدد مشاهدي املباريات الثالث في دور اجملموعات أكثر من 26 مليونا، مقابل 9 ماليني هذا العام فــي الهزمية االفتتاحية أمام اليابان ‪17 ،)2-1(‬ مليونا في التعادل مع إسبانيا.

حلظة فريدة

وقد يبرر انخفاض احلماس فــي أملانيا الى توقيت مباريــات معينة، وقــرار البعض مبقاطعــة املونديال القطري بســبب اجلدل املترافق مع الســجل احلقوقي لإلمارة الغنية بالغاز فــي قضايا مثل العمال األجانب ومجتمع امليم.

على نطاق القــارة األوروبية ووفقــا ألرقام مجلة «شــالنج» الفرنســية، تابع 54 مليــون أوروبي فقط املباراة األولى ملنتخبهــم الوطني، مقابل 94 مليونا في عــام .2018 لكن يجب توخي احلذر فــي املقارنات بني كأس عالــم وأخــرى، فاألرقام تختلف بشــكل خاص حسب اجلدول الزمني أو يوم املباريات.

بالنســبة لكريســتوف لوبوتــي، فهــذا «جزء من سياق عاملي يتســم بانخفاض االستهالك التلفزيوني لهذا النوع من البرامج»، علــى أن تكون ذروة املتابعة للقاءات األكثر إثارة لالهتمام مع توجه أيضا ملشاهدة أبرز املقتطفات على اإلنترنت.

وتؤكد إفريقيا أو أميركا اجلنوبية أو آســيا نفسها على أنها «أســواق حيث الطلب مرتفعــا على احملتوى الكروي العالي املســتوى»، وليست معنية بالضرورة بـ «النقاشات حول املقاطعة»، خالفا للغرب.

كما يصعب على املشجعني جتاهل «اللحظة الفريدة» التي تضــع منتخباتهم في مواجهة «أفضل الالعبني في العالم».

في اليابان، تعــززت املتابعــة التلفزيوني­ة بفضل الفوز الصادم الذي حققه «الســامورا­ي األزرق» على أملانيا.

رغم التوقيــت املتأخر للمبــاراة بالتوقيت احمللي، حصدت جمهورا بنســبة 35.3 باملئة في منطقة كانتو، حيث توجد طوكيو وفقا لتقارير محلية.

عبر احمليط األطلسي، سجل لقاء املنتخبني األميركي واإلنكليزي رقمًا قياسيًا في عدد املشاهدين ملباراة كرة القدم للرجال فــي الواليات املتحدة، مبعدل وســطي بلغ أكثر من 15 مليون مشــاهد وفقا لشــبكة «فوكس سبورتس».

نلتمس األعذار للقائمني على التلفزيون اجلزائري الرســمي، فهم من فرط «حبهم» الشــديد للمنتخب املغربي لكــرة القدم «نســوا» أن ُيدِرجوه ضمن اإلعالن عن نتائج مباريات األحد املنصرم.

ذكروا في نشراتهم اإلخبارية كل البلدان الفائزة واخلاسرة في «مونديال» قطر خالل ذلك اليوم، ولكن املغرب سقط سهًوا من حساباتهم. سبحان الله!

إنها «فرحة» النصر الســاحق الذي حققه «أسود األطلس» على «الشياطني احلمــر»، والذي نســيه التلفزيون اجلزائري، ولســان حاله يــردد العبارة القرآنية الكرمية «وما َأنسا ِني ُه إ ّال الشيطان أن أذكره».

وقــع للقائمني على املؤسســة اإلعالمية اجلزائرية الرســمية ما يقع عادة لكثير من األسر خالل األفراح واملناســب­ات السعيدة، ُتوِّجه دعوات احلضور للبعيدين، وتنسى اجليران القريبني من شدة االرتباك.

وإذا كنا نفترض حســن النية ـ إلــى أن يثبت العكس ـ في هذه الســابقة الغريبــة التي لم جند لها مثيال في أي قناة محلية أو عاملية، حتى ولو كانت في جزيرة «الواق واق»، فإن النية السليمة فعال هي ما أثبته العديد من املواطنني اجلزائريــ­ني الذين لم يتــرددوا في التعبيــر عن فرحتهم العارمــة بانتصار املنتخــب املغربي، من خــالل الفيديوهات والصور والتدوينات في وســائط التواصل االجتماعي.

لقد أثبتوا بالفعل أن «خاوة خاوة» ليس مجرد شــعار، بل حقيقة ملموسة جتسدها املشاعر الصادقة.

التطبيع صفقة خاسرة!

عــالوة على هذه املفارقة بني التلفزيون الرســمي وعفوية الشــعب، أبان «مونديال» قطر عن مفارقات صارخة على مســتوى القيم، فبَدا كما لو أن األمر يتعلق مبعارك شرسة بني تيارات متعارضة.

أولى تلك املعارك، هي تلك منيت فيها «إسرائيل» بهزمية معنوية نكراء، من خالل إعالمييها الذين تأكدوا بامللموس أنهم غيــر ُمرَّحب بهم، حيث واجههم مشــجعون بالقول: «هذه بالدنا وأرضنا... ليس هناك إســرائيل، هناك فقط فلسطني».

ونقلت صحف عبرية عن مراســلي اإلعالم اإلسرائيلي قولهم: «لقد أدركنا كم يكرهوننا». وكتب أحدهم على تويتر: «في قطر أدركنا كم هو حجم الكراهية إلســرائيل في العالم العربي، املونديال حدث ضخم، لكن حجم العداء أوصل مراسلينا الستنتاج: كراهية إسرائيل ليست فقط في احلكومات أو بني احلكام، وإمنا في الشارع وبني الكثير من الناس أيضا».

الدرس األول املســتفاد من «مونديال» قطر: التطبيع اإلسرائيلي مع العرب صفقة خاسرة، وكان احلضور القوي للعلم الفلسطيني في املالعب وخارجها (رغم أن فلسطني ال تشارك في هذا احلدث الرياضي الكبير) دعما قويا لقضية العرب األولى ومســاندة الفتة لنضاالت الفلسطينين­ي. كما مثلت األغنية التي رددها مشــجعون مغاربة عن فلسطني، وهم على مدرجات امللعب، وعيا قوميا ناضجا وترسيخا وجدانيا للحق الفلسطيني الثابت.

صدام القيم!

املعركــة الثانية معركة أخالقية باألســاس، فبينما حــرص البلد املضيف على إبراز القيم العربية واإلســالم­ية األصيلة، كانت القضية الوحيدة لبعض البلدان الغربيــة هي الدفاع عن العالقات اجلنســية اِملثليــة؛ جتلى ذلك في تصرف صادر عن مســؤولة أوربية حضرت إحدى مقابــالت فريقها القومي، وحتايلت على القوانني الصارمة في امللعــب، إذ خلعت معطفها وأظهرت على ذراعها رمًزا يجســد دعم «اِملثليني»؛ فما كان من مشجعني عرب سوى أن رّدوا عليها بوضع شارات للكوفية الفلسطينية على أذرعهم!

في الســياق ذاته، تناقلت وسائل اإلعالم العاملية املشهد الذي أداه العبون أوربيون، حيث وضعوا أيديهم علــى أفواههم عند التقاط الصور قبل انطالق مباراتهم األولى في كأس العالم، مجسدين بذلك اعتراضهم على قرار االحتاد الدولــي لكرة القــدم منع ارتداء شــارة «حب واحد» الداعمــة لـ»قوم لوط» املعاصرين.

كأ ّن حقوق اإلنسان باتت مختزلة في دعم املثليني فقط، وكأ ّن الدنيا اندثرت منها املظاهر التي تستحق أولوية االهتمام احلقوقي من فقر ومرض واضطهاد للمرأة ولألطفال وهلم جرا!

غير ذلــك، أعاد العالم فــي مالعب قطر وشــوارعها وأســواقها وفنادقها اكتشــاف مجموعة من القيم العربية واإلســالم­ية األصيلة؛ مشــاهد ملســها عن كثب في كــرم الضيافة واللباس التقليدي األصيل، في الدفء اإلنســاني اخملتلــف عن النزعات الفردانية الغربية، في قبلــة تضعها أم مغربية على خد ابنها الالعب احتفاال باالنتصار، في العبي املنتخب املغربي وهم يسجدون لله شكرا بعد فوزهم الساحق على أحد أكبر املنتخبات العاملية.

ومن ثــم، ميكن القول إّن دولة قطــر فخٌر لنا جميعا، فقد كســبت الرهان، وأسدت لألمة العربية خدمة عظيمة وغير مسبوقة.

«استهلك بال ما تهلك»!

أطلقت وزارة الطاقــة املغربية مبادرة تهدف إلى تشــجيع املواطنني على االقتصــاد في اســتعمال الكهرباء باملنــازل؛ واســتعانت باإلعالمي إدريس العراقي صاحب البرنامج الشهير «استهلك بال ما تهلك» (استهلك دون أن ُتهلك ماديا)، ليقدم فقرة توعية عبر التلفزيون بطريقة حتفيز وإغراء، مؤداها: «إذ ُقمَت بتخفيض استهالكك من الكهرباء خالل شــهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديســمبر/ كانون األول من هذه السنة، مقارنة مع الســنة املاضية، فسوف تربح مكافأة»!

هل تعتقد الوزارة املعنيــة في املغرب أنها بهذه احلملــة اإلعالمية املغرية ســوف تقنع الناس بإطفاء مصابيحهم وأجهزتهم اإللكتروني­ة، من أجل الظفر باملكافأة غير املعلن عن طبيعتها التي قد يسيل لها اللعاب وتشرئب لها الرقاب؟

األمر مســتبعد جدا، أوال ألن شــهري نوفمبر وديســمبر يكون فيهما الليل طويال، مقارنة مع فترة الصيف مثال، وبالتالي يلجأ الناس إلى إضاءة بيوتهم مبكــرا. كما أنها فترة تعرف مكوثــا أطول أمام التلفاز، وكذا اســتعماال مكثفا للهواتف واحلوامل اإللكتروني­ة.

وثان ًّيــا، ألن هذه الفترة تشــهد انخفا ًضا كبي ًرا في احلــرارة، وبرودة في الطقس، ومن ثم يضطر الكثيرون إلى استعمال أجهزة التدفئة الكهربائية في املنازل.

فــي الواقع، نرى أنه عوض جلــوء وزارة الطاقة إلى هذا األســلوب الذي تعتمده شركات عديدة من أجل تشجيع املستهلكني على اإلقبال على منتجاتها («اشــتر... واربح جائزة»، «اشــرب... و ُفـــ ْز مبكافأة»)، كان األحرى بها أن تهدي جميع املواطنني املغاربة البســطاء مكافأة حقيقية، تتمثل في التخفيض من أثمان فواتير املاء والكهرباء التي تزيد من أعباء مصاريفهم.

عالوة على ذلــك، وما دام املوضــوع يتعلق بإجراء نوع مــن املقارنة بني اســتهالك الكهرباء في نوفمبر وديســمبر من العام احلالي واســتهالك­ه في الشهرين نفسيهما من العام املنصرم، فإن املوضوع يحفز املواطن املغربي على القيام مبقارنة أثمان املواد االســتهال­كية بني عامي 2021 ،2022و ليخِلص إلى نتيجة صادمة، أثرت على مصروف اجليب، وحملت املواطن املسكني ما ال قدرة له عليه من أعباء مالية.

لذلك، نتساءل: هل يدري صاحب برنامج «استهلك بال ما تهلك»، وقد وضع اسمه ووجهه وشهرته رهن دعاية ترويجية مؤدى عنها حلملة وزارة الطاقة، أن احلكومة املغربية «هلكت» املواطن املســكني، فلم يعد يجد ما «يســتهلكه»، نظرا لالرتفاع الصاروخي لكل الســلع الضروريــة؟! كان األْولى به أن يوّجه كالمه إلى احلكومة، لكي تكون أكثر رأفة باملواطنني.

وعلى غرار حملة االقتصاد في الطاقة، ماذا لو نظم اإلعالمي إدريس العراقي ذاته حملة حلث حكومة عزيز أخنوش على جعل أثمان املواد االستهالكي­ة هذه الســنة أقل من أثمان الســنة املاضية؟ حينها لن جتد من الناس البسطاء غير «مكافأة» الدعاء لها بطول العمــر واملزيد من التحكم في خيرات البالد ورقاب العباد!

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom