Al-Quds Al-Arabi

العملية التركية في سوريا: هل تغير شيء؟

-

■ خالل فترة التحشــيد العســكري األخير الذي قامت به تركيا للفصائل الســورية احملســوبة عليها في الشــمال السوري، وكذلك لوحدات من اجليش التركي على احلدود، شــهدنا تطــّورات سياســية مختلفــة عــن املــّرات الكثيرة الســابقة التي تأهبــت فيها أنقــرة الجتياح بــري للمنطقة احلدودية السورية.

متثــل ذلك، بداية، على املســتوى التركــي، بتصريحات للرئيس رجب طيب اردوغان، وعدد من مسؤولي احلكومة واملعارضــ­ة، متهــد إلمكانيــة حصول تقــارب مــع النظام الســوري، مبا في ذلك إمكان حصول لقاء مع رئيسه بشار األســد، ومتّثــل، على املســتوى الروســّي، برعايــة اتفاق مبدئي يســمح ألنقرة بإدخال جيشــها إلى مناطق يسيطر عليها حزب العمال الكردستاني (حتت مسمياته العديدة) مقابل تسليم تلك املناطق للنظام.

شــهد املوقــف األمريكي مــن تركيــا نوعا مــن التقارب بعــد العمليــة اإلرهابيــ­ة فــي إســطنبول التــي اتهــم بهــا «الكردستاني»، وبدأ مع لقاء مغلق بني الرئيس جو بايدن، بنظيــره التركــي اردوغان، ضمــن كواليس قمة العشــرين التي عقدت منتصف الشــهر املاضي في اندونيسيا، وقال «البيت األبيض»، حينها، إن بايدن عزى اردوغان وقال إنه «يقف إلى جانب حليفنا في الناتو».

بعد إعالن أنقرة عزمها تنفيذ العملية العسكرية املذكورة ظهرت تصريحات أمريكية «خفيفة» تناشــد تركيا التراجع عن االجتياح، وتناظر ذلك مع سحب دبلوماسيني أمريكيني مــن مناطــق اإلدارة الذاتيــة، وكذلــك إعــالن وزارة الدفاع األمريكية، الثالثــاء املاضي، تقليص عدد دوريات جنودها مع عناصر الكردستاني في الشمال، وهي إشارات فهمتها أنقــرة إيجابيا، على أنها موافقة ضمنيــة، أو غض نظر، أو تق ّبل للغضب الترك ّي.

ظهــرت بعد ذلك مواقــف أوروبية، من أملانيا وفرنســا، تدعو أنقرة لوقف الهجوم، كما ظهرت إشــارات عديدة إلى أن مواقف الفرقــاء «عادت إلى قواعدها»، التي شــهدناها تتكرر على مدى السنوات املاضية.

قــام «الكردســتا­ني»، كما هــو معتاد، بانتقــاد املوقف األمريكــي غيــر احلــازم، وإيقاف التعــاون مــع «التحالف الدولــي»، وطالــب، مجــددا، النظــام الســوري بحمايــة مناطقها، وناشد موسكو، كما فعل مرارا، التوسط.

بعــد ذلك توجهــت تعزيزات عســكرية روســية ملناطق فــي محافظــة حلب، وكذلــك محيــط مدينة «عــني العرب» (كوباني)، على احلدود، وسيرت دورية في املنطقة برفقة مروحية، وخالل 48 ســاعة، حســب «املرصد الســوري»، دخلت 240 شــاحنة متتاليــة تابعة لـ«التحالــف الدولي»، الذي تقوده أمريكا، إلى شــمال وشــرق ســوريا قادمة من معبــر الوليد احلدودي، محملة مبدافع وأســلحة رشاشــة ثقيلة ومعدات عسكرية وذخائر، وصهاريج وقود، وعبرت واشــنطن، عبر وزير دفاعها لويد أوســن، عن «معارضتها القوية» ألي عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا.

تشــير تصريحات وزيــر الدفاع التركــي خلوصي أكار، التي طالــب فيها أمريكا بإبداء التفهم إزاء عملية عســكرية جديــدة «قــد تطلقها بــالده في ســوريا»، إلى عــدم إمكان حصــول العملية التركية من دون موافقة أمريكية صريحة، أما تصريحات وزيــر الدفاع األمريكي فإشــارة ممكنة إلى أن «البنتاغــو­ن» يتبنــى موقفا أكثر تشــددا فــي املوضوع الســوري مــن األجهــزة الدبلوماسـ­ـية، التــي تراهــن على التعاون التركي في األولوية الكبرى حاليا، وهي أوكرانيا.

تبــدو املســألة األوكرانيـ­ـة حاضــرة فــي التبــدالت اجلزئيــة التي جرت مؤخرا، فموســكو، التي كانت تفضل ســيطرة األمريكيــ­ني، وحلفائهــم األكــراد، علــى مناطــق «اإلدارة الذاتيــة»، على توســع نفوذ تركيا العســكري في ســوريا، اقتربت من فكــرة توجيه ضربــة لألمريكيني عبر أنقــرة، بطريقة يســتفيد منهــا النظام الســوري أيضا، أما «البنتاغــو­ن»، فوجــد فــي هــذه الفائــدة املمكنة لروســيا والنظــام، أمرا يجب مواجهته، وهو ما حصل، على ما تبين األحداث.

 ?? ??
 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom