Al-Quds Al-Arabi

عبدالعزيز املقالح

- ٭ شاعر بحريني قاسم حداد *

■ لــم يعش املقالح ليصل إلى صنعــاء التي كان يحلم بها، ويســعى إليها فــي احليــاة والكتابــة. وقد كتــب عبدالعزيز املقالح كثيرا من الشــعر، حتى إن ثمة من اعتبر أحد نصوصه األخيرة مرثاة ذاتية، يعلن فيها الشــاعر عن طريقه املســدود. ويبقى علينا أن نصدق ذلك: ...( ليس لي وطن أفاخر باسم ِه وأقول حني أراه: فليحيا الوطن وطني هو الكلمات والذكرى وبع ٌض من مرارات الشج ْن باعوه للمستثمرين وللصوص وللحروب ومشت على أشالئِه زمر املناصب واملذاهب والفنت..)

٭٭ ٭ لقد تعذب وتعرض حملاوالت (فاشلة) كثيرة لإلهانة، دون أن نقــوى على جندتــه وحمايته. وكنا فقــط نطمئن عليه بني وقت وآخر، لنتأكد انه ال يزال في كوكبنا التعيس.

نقوى على القــول اآلن: إن عبد العزيز كان من أوائل الذين حاولوا وقف التدهور العام الذي اجتاح بالده، وبالد العرب قاطبة، مبحاوالت الدعوة لتحكيــم العقل واحلوار. كمن يريد أن يحمــي البلد الذي نذر حياته لوضعــه في مهب احلضارة،

برعايتــه املتنــورة، للفعل الثقافــي. ولم يكن يرغــب في ترك صنعاء إلى أي منطقة أو بلد آخر.

٭٭٭

كلما ذكرُت اســمه ألي ميني. شهق وعَّبَر عن حبه للمقالح. كما أنك تكاد تشعر باحلرج إذا أنت زرت اليمن دون أن تلتقي عبــد العزيــز املقالــح. وبعضهــم كان يشــير، دون أن يكون مازحًا، إلى كون عبدالعزيز املقالح فائزًا برئاســة اليمن لو أن تصويتًا شعبيًا جرى من أجل ذلك.

٭٭٭ منــذ عودته من القاهرة، بعد إنهاء دراســته األكادميية إلى صنعاء لم يغادرها، ليس خشــية من ركوب الطائرة حســب، لكــن زهــدًا فــي الســفر عمومــًا. اآلن، وقد غــادر إلــى املكان األبعد، علينا تخيل اليمن دون عبدالعزيز املقالح، ورمبا علينا تخيــل العــرب دون املقالح. سنشــعر حتما باخلســارة كلما اســتحضرنا اليمــن، وهي حاضــرة طوال وقتنا هــذا، علينا كيف ان «ميتًا» مثل عبدالعزيز املقالح، سيكون أكثر حضورًا من كل مقاتلي اليمن وحشودهم.

اآلن، ســنرى أشــعر باليمن وهو يتلفت مينة ويسرة باحثا عن اجلدوى االجتماعية للساعة السليمانية بعد مجلس القات الذي يحكم ويتحكم في مين القرن العشرين، أكثر خطورة مما كان يتحكم فيه األئمة السابقون. اآلن، أتذكر كيف أنني كتبت في رســالة مطولــة للصديق عبدالعزيــ­ز املقالــح، أحدثه عن «اإلمــام األخضر» بعد زيارتي األولــى لليمن، متمنيا على أهل اليمن التخّلص من (القات) «اإلمــام األخضر» بعد تخّلصهم من األئمة الســابقني، وأتذكر أن عبدالعزيــ­ز املقالح، إلعجابه بالرســالة، اســتأذنني في نشــرها في مقاله األسبوعي في جريدة «الثورة» وقد نشرها فعال. ٭٭ ٭

يبقــى أن اســتذكر األجيــال الشــعرية اليمنيــة (والعربية أيضــا) اخملتلفة، التــي كان عبدالعزيز يحتضنهــا ويرعاها، والتــي تكّن له حبــًا واحترامًا كبيرين. حتــى إن بعضهم كان يســر لي أن اليمن محظوظة بعبدالعزيز املقالح. ويسألونني (متى ُيستنسخ عبد العزيز املقالح ويو ّزع على البالد العربية).

٭٭ ٭ وعندمــا جــاء الشــعر، ســيكتب املقالــح، حاملا، عــن بلده فيســعى إلــى: (ال بــد من صنعــا وإن طــال الســفر). غير أن الشاعر سيواصل سفره، ولن يصل.

وعندمــا أشــرف املقالح، علــى تنظيــم ندوة عامليــة لدعم االنتفاضة الفلســطين­ية األولى في صنعاء، (أول تسعينيات القــرن املاضــي) كان قــد دعــا إليهــا مناصــري القضيــة الفلســطين­ية، بجانــب العــرب، مثقفني مــن كل العالم، وكان اللقاء ثقافيًا بامتياز، امتزَج فيه الهّم العربي بالنزوع العاملي نحــو احلرية. ولــم يتكرر مثل ذلــك اللقاء في مــكان آخر بعد ذلك، حتى إن االنتفاضة نفســها صارت من عاديات املشــهد العربي.

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom