Al-Quds Al-Arabi

أيهما عدو إسرائيل... النووي اإليراني أم «دولة بن غفير»؟

طهران «متدد رجليها» وواشنطن تتعبها احلروب... و«إرهابي البيت» يقفز من سيارة رابني إلى الكنيست

-

لــن تتحقــق كل األفــكار الشــوهاء التــي ستنشــر اآلن، فهــي بحاجــة إلــى نفــض وترشــيح. لكــن مــا هــو األســاس القيمــي للنفــض؟ من ســينفض؟ يريف لفــن؟ دودي امسلم، غاليت دستل اتربيان؟ جائز أن يكون هؤالء األشــخاص جوعى للقــوة واحلكم. ما يقلقنــي هو عدم احترامهم لــكل ما بني هناك فــي 75 ســنة. ال جلهاز القضــاء، ال للقوانن، ال قواعــد اللعب، ال لوحــدة اجليش. لهم دولة إسرائيل: ستصبح إسرائيل باالسم فقط.

ســئل رئيــس الوزراء املرشــح فــي مقابلة صحافية أمريكيــة عن خطى بن غفير، فأعفى نتنياهو نفسه من املسؤولية إذ قال: « احملكمة العليا هي التــي أعطته حقه في أن يكون نائبا ووزيرا. القضاة أعطوه اإلذن الكامل».

ظاهر ًا، هو محق. ظاهر ًا فقط. فبن بن غفير وعائلة نتنياهو عالقات وثيقة طويلة السنن. ذات مرة، في حدث عــام، رأيت حلظة نظرات حلــوة، مليئــة بالعاطفــة بن ســارة نتنياهو والكهاني من اخلليل. «أمســكت بنا»، اعترف بن غفيــر في ذاك املوقف على مســمعي. كان ميكــن القول عن بــن غفير أنــه إرهابي البيت. لشــدة األســف، تعود هذه الوظيفــة التي في بيت نتنياهو لشخص آخر.

فــرض نتنياهو على ســموتريتش وماعوز وبــن غفيــر التنافــس للكنيســت فــي قائمة واحــدة. كانــت هــذه خطــوة المعــة، واعية، ضمنت رئاســة الــوزراء له، لكنــه ال ميكنه أن يعفي نفسه من املسؤولية عن نتائج اخلطوة. أدخل نتنياهو الكهانية إلى الكنيســت، وضم الكهانيــة إلــى احلكومة وســلمها مســؤولية إنفاذ القانون في إسرائيل و»املناطق» إلى يد مدان باإلرهاب. ليس األمن الداخلي، بل األمن القومــي أيضــا. لم يســبق أن أعطيــت لوزير شرطة ســابق قوة كالتي أعطاها نتنياهو لنب غفير.

لم يكن ملزما: ال خيار ألي من شــركائه في الكتلــة. الطريقة التــي أدار فيهــا املفاوضات تــدل على واحدة من إمكانيتن: فإما أن تكون النزعــة للعودة بأســرع وقــت دون النظر إلى الثمــن الذي أفقدتــه صوابه، أم أنــه يتعايش مع تطلعــات بن غفير، ولفن، وســموتريت­ش ودرعي. مخططاته كمخططاتهم.

نقدا على الطاولة

ال ينبع امتداد املفاوضــا­ت االئتالفية فقط من مراهنات ســموتريتش واستياءات جفني ومشاكل درعي الشــخصية. ففرضية العمل لدى كل الشــركاء في احلكومة املستقبلية أن نتنياهو ســيخدعهم؛ فهم ال يصدقونه، ولهذا يطالبون بكل شــيء فورًا، نقدًا، على الطاولة. لو كنت مكانهم، أجلت سلسلة اخلطوات التي يفترض بها أن تنهي محاكمة نتنياهو. فنهاية احملاكمة ستضعف قوتهم على املساومة.

يؤمــن نتنياهــو بــأن كل شــيء ســيتغير

فــي اللحظة التــي يتلقى فيهــا املناصب. فقد قــال لبــاري فايــس، األمريكيــ­ة التــي التقته صحافيــ ًا: «أعتقــد أن لي تأثير ًا كبيــر ًا عليه». أما أنــا فأعتقــد أنه مخطــئ. ليس لــنب غفير قاعــدة سياســية. ســتة املقاعد التــي تلقاها كانت منحة ملرة واحدة. وهو ملزم بأن يغذي مصوتيه باحملفزات اليومية وينمي مصوتن جــددا. جمهــور الهــدف هــو أفراد الشــرطة واجلنــود، هــم وعائالتهــ­م. وهــو يعدهــم باإلعفاء من املسؤولية والعقاب. وباء العنف وعد خطير فــي إســرائيل .2022 ليس النظام هــو ما ســتجلبه هــذه الوعود، بــل الفوضى واالنهيــا­ر الداخلي. رأينا مــا فعله ترامب في أمريــكا، مع الوعــود إياها. كمــا أن رد الفعل الهزيل املتملص من نتنياهو على استفزازات بن غفير، تذكر بترامب. هكذا رد على املســيرة الالســامي­ة في «شــارلوت ســفيل» ولوجبة العشاء احلميمة مع الالسامي ناكر الكارثة.

ما يــراه املتطرفــو­ن في احلكومــة من هنا، ســيرونه مــن هنــاك: هــذا مــا متليــه عليهم املصلحــة السياســية، الطبيعــة، احمليــط االجتماعــ­ي. في مقابلة مع نداف أيال تنشــر فــي الصفحــات التاليــة، يدعــو آيزنكوت ملن هو قلــق مثلــه على مصيــر الدولــة أن يخرج للتظاهــر، هذه دعــوة في موعدهــا. نقلت لي قارئة نشطة أمس تغريدة للمحلل التلفزيوني عميــت ســيغال، الــذي يقتبــس -ردا علــى آيزنكوت- أمورا كتبتها عندما غطيت مسيرة املســتوطن­ن في فترة فــك االرتبــاط. قارنت مســار املســيرة مبســيرة موســوليني، أبــو الفاشية، نحو روما. ســيغال ليس غبيا؛ فهو يعرف أن نية الســائرين كانت هــدم اجلدار، والدخــول بجموعهم إلى القطاع، والســيطرة على املســتوطن­ات، وإحباط قرار مؤسســات الدولــة القانونيــ­ة بالقوة. هذه فاشــية. كنت هنــاك، حتدثــت معهم؛ ســرت معهم. لشــدة احلظ، كان بينهم زعماء مســؤولون، بنتسي ليبرمــان من أبرزهــم قرروا وقف املســيرة في «كفار ميمون». لو كان ســيغال في موقف الزعامة لكان قراره مختلفا.

اجليــش اإلســرائي­لي اإلسرائيلي

حتــت اســم «تســاهل» (جيــش الدفــاع اإلســرائي­لي) يعمل اليوم جيشان متوازيان. واحد ذكي والمع، وهذا مشغول باالستعداد حلــرب لم نشــهد مثيــال لها، حرب مشــكوك وقوعهــا؛ أمــا اجليــش اآلخــر فينــاوش الفلســطين­ين واليهــود في حواجــز الضفة. اجليشان يتنافسان فيما بينهما على مكانهما في جــدول األعمــال، وعلى االهتمــام، وعلى املــال. بينهما نقاط لقاء، لكــن ال يوجد متاثل مصالح. أحد اجليشــن يقلع إلى السماء، أما اآلخر فيغرق في مســتنقع «املناطق» [الضفة الغربية].

وصفــت فــي األشــهر األخيــرة مصاعــب أداء اجليــش فــي وجــه الواقع فــي الضفة. فالروح التي جتلبها احلكومة اجلديدة معها، تســرع املســيرة التي تهدد بتحويــل اجليش اإلسرائيلي من جيش إلى ميليشيا، من منظمة رسمية إلى ذراع سياسي.

«وصلنــا إلــى الرمــز الــذي علــى ســيارة رابــن، وســنصل أيضــا إلــى رابــن»، هكذا وعد بــن غفير قبــل االغتيال. قاعــدة اجليش اإلســرائي­لي فــي «الكريا» تســمى على اســم رابن. في مخطط غريــب، مبالغ فيه، تقرر أن يســمى مبنى وزارة الدفاع، في قلب القاعدة، على اســمه. بعد أسبوع أسبوعن سيتمكن بن غفير من التقاط صور احتفالية لنفسه من حتت اليافطــة. الوعد حتقق: فقــد وصل إلى رابن. في خريطة اجليش اإلسرائيلي اآلخر، ذاك الــذي يســتعد إليران، تعــد اخلليل نقطة هامشية، هامشية لدرجة أنه ال يحددها لديه. ضــد اجليــش قوس كبير، أحمر، يخرج من إيران إلى سوريا وإلــى لبنــان، يغمــر غــزة واليمــن باألحمر، ويلوح العراق بالــوردي، وقطر وحاليا تركيا أيضا قــوس أزرق يخرج من إســرائيل، يلون كال مــن األردن ومصــر والســودان واملغرب والســعودي­ة واإلمــارا­ت والبحريــن باألزرق الفاحت. في الطــرف األعلى من اخلريطة تظهر أذربيجان واألقاليم الكردية عنصر مهم في النشــاط العســكري اإلقليمي إلسرائيل. قبل شهرين زار بيني غانتس أذربيجان. في أثناء زيارته، دفع النظام اإليراني بقوات عســكرية كبيرة إلــى احلدود األذربيجان­يــة. فقد خاف اإليرانيــ­ون مــن أن غانتس جاء إلشــعال نار االحتجاج.

مســابقة إقليميــة، هكــذا يســمي اجليش اإلســرائي­لي املواجهــة بن إيران وإســرائيل على دعم الــدول في املنطقة. علــى اخلريطة، تفصــل بــن إســرائيل وإيــران نحــو 1.600 كيلومتر. احلقيقة أن كال منهما موجودة على حــدود األخــرى، كل واحــدة وفروعهــا. في أثناء الســنة األخيرة، اتخذت إسرائيل قرارا اســتراتيج­يا: سيســتعد اجليش اإلسرائيلي حلرب مباشرة، ومتعددة اجلبهات، مع إيران. نعــم، حــرب. واملقصــود هــو تطويــر قدرات تســمح للجيــش اإلســرائي­لي بضــرب البنى التحتية ومعاقل احلكم في إيران، وبالتوازي تســريع تطوير منظومات دفاعيــة ميكنها أن تصــد آالف الصواريخ التي ســتطلق إلى هنا من ســوريا ولبنان والعراق وإيــران. الهدف ليس احلســم. الهــدف، بالتعبير العســكري اإلســرائي­لي هو ميزان اســتراتيج­ي محسن. املشــروع النووي اإليراني لن يدمر، ال ســبيل لعمل ذلك، ولكــن واضعي اخلطة يأملون بأن يتضرر دافع النظام واالستثمار فيه.

ســافر رئيس األركان قبل بضعــة أيام في زيــارة عاجلــة إلــى واشــنطن بهــدف تعزيز االلتــزام األمريكــي. الســؤال هــو: االلتــزام مبــاذا؟ لقد قرر األمريكيون نقل إســرائيل من منطقة ســيطرة القيــادة األوروبية إلى منطقة ســيطرة قيــادة املنطقــة الوســطى لديهــم القيادة التي تعد إيران حتت مسؤوليتها. هذا يعني تعاون عســكري، برعايــة أمريكية، مع كل الدول الســنية احلليفة ألمريكا. ســيكون هناك املزيد من املناورات املشتركة في الزمن القريــب، وتبــادل للمعلومات، وبيع ســالح. وثمة اتصاالت ثنائيــة لترتيب األمن البحري في البحــر األحمــر. «التعــاون اإلقليمي ضد إيران هو كابوس خامينئي»، يقول مصدر في إسرائيل.

وضعــت اإلدارة األمريكيــ­ة حماســتها على موافقــة إيرانية على اســتئناف االتفاق النووي، وال تزال معنية باســتئناف االتفاق، لكن حماستها قلت. قرار إيران تزويد روسيا باملســيرا­ت االنتحاريـ­ـة والســالح اجلديــد فــي احلرب فــي أوكرانيــا لم مير بهــدوء في واشــنطن. اتفاق مــع إيران لن يجلــب لبايدن ربح ًا سياسي ًا، بل يضر.

حــاول رئيــس األركان إقنــاع نظرائــه في البنتاغــو­ن لالنتقال إلى اخلطــة البديلة: على فــرض عــدم التوصــل التفــاق، كيــف ميكن ردع إيــران مــن الوصــول إلــى تخصيــب 90 في املئــة، التخصيب الذي إحــدى نتائجه أن يصبح الشــرق األوســط كله نوويا. اجلواب الذي تقترحه إســرائيل، فضال عن املناورات العســكرية، هو اقتصادي ودبلوماســ­ي. في االتفاق النووي بند يسمى العودة الفورية إلى الوراء، يسمح لكل واحدة من الدول إللغاء إطار االتفاق من طرف واحد. ترامب، الذي خرج من االتفاق، لم يفعل البند، أما إســرائيل فتعلق اآلمال على بريطانيا في هذه اللحظة.

هل ندخل احلرب إلى مســار نهايته؟ تفيد التجربــة أن من الصواب التعاطي بشــك ملثل هذه البشــائر. أوال، رووا لنا فــي بداية العقد الســابق بأن إســرائيل تســتعد لهجــوم على إيران: الطائــرات تتحمى على املســار. ثانيا، يترافــق مطلب لزيــادة امليزانية لكل بشــرى بخطــوة أمنيــة دراماتيكيـ­ـة. العكس صحيح أيضــا: تترافــق لكل مطلــب لزيــادة امليزانية بشرى بخطوة أمنية دراماتيكية.

يدور احلديث عن عالوة ‪6 5‬ مليار شيكل للســنة، مع التــزام لعشــر ســنوات. ثمة من ســيفزع من املبلغ، وسيحسب ما ميكن العمل به في جهاز التعليــم، ومكافحة الفقر، وغالء املعيشــة، والصحــة، والبنى التحتيــة. وثمة من ســيقول، ال بأس، هــذا نصف في املئة من الناجت احمللي اخلام، من اجملدي استثمار املال حن يكــون املقابــل ردع العــدو وإبعاد خطر وجــودي عــن الدولة. من اجملدي اســتثماره، ألنه إذا تدحرجنــا إلى احلرب، فلدينا مبا نرد به.

هــل تعهــدت اإلدارة األمريكيــ­ة مبهاجمــة إيران أو بإسناد هجوم إسرائيلي على إيران؟ كل املؤشــرات تــدل فــي هــذه اللحظــة على العكس. أمريكا ال تريــد املبادرة إلى حرب مع إيــران وال تريد أن تتدحــرج إليها. هذا موقف حــازم للرئيــس احلالــي، وســيكون موقــف الرئيــس التالــي. كائنا مــن كان؛ فــي كل ما يتعلق بأمريكا، اخليار العسكري الذي وضع على الطاولة يســتهدف البقــاء على الطاولة. أمريكا تعبت من احلروب.

يــدور احلديــث عــن ســنوات طويلــة مــن االســتعدا­دات. ادعاء نتنياهــو، الذي طرحه هــذا األســبوع أيضا فــي املقابلة مع وســيلة اإلعالم األمريكيــ­ة ومبوجبها يعود إلى مكتب رئيــس الوزراء كــي «مينع إيران مــن إبادتنا»

هــو مبالغــة منفلتــة العقــال وتبجح عدمي الغطــاء. أقيــم فــي هيئــة األركان قبــل نحو ســنتن ونصــف شــعبة اســتراتيج­ية، وهو اســم آخر لشعبة ســتعنى حصريا بإيران. ال توجد عالقة بن حقيقة ما يجري في الشعبة واجلــدول الزمنــي للحكومــة اجلديــدة. من السابق ألوانه الدخول في حالة تأهب.

احلرب غير الصحيحة

يثور في املداوالت الداخلية بقيادة اجليش اإلسرائيلي، نقد على خطوات متت جتاه إيران سابقا. في السنوات األولى من العقد السابق اســتثمر 11 مليار شــيكل في اإلعداد لهجوم من اجلــو علــى منشــآت النــووي. نتنياهو، رئيس الوزراء فــي حينه، ووزير دفاعه إيهود باراك، دفعا اخلطة قدما. رؤســاء أذرع األمن عارضــوا باإلجمــاع. وفــي نظرة إلــى الوراء واضح أنهم كانوا محقن.

يتركز النقد على ما حصل بعد ذلك. عندما وقعت الدول العظمى على االتفاق النووي مع إيــران، في ،2015 قــرر رئيــس األركان غادي آيزنكــوت أن ينقــل قســمًا مهمًا مــن األموال والوســائل التــي خصصــت للمشــروع إلى مجاالت أخرى أكثر إحلاحا. أعطي إلسرائيل مهلة زمنيــة من 15 ســنة، وســعى آيزنكوت الســتغالل­ها. التصــدي إليــران أهمــل. املدى القصير انتصر على املدى البعيد.

أســاس النقــد موجــه لألعمــال الســرية املنســوبة إلســرائيل. فاإلحباطــ­ات املركزة، وســرقة األرشــيف، وتخريــب املنشــآت اإليرانيــ­ة - وكل العمليات التي حظيت مبجد عاملي عظمت الدافع اإليراني.

ينشــر تقرير مرة كل بضعة أيام عن ضربة لسالح اجلو خملزن ســالح أو قاعدة عسكرية يســتخدمها اإليرانيون. إسرائيل ال تعمل في لبنــان، وال في العراق؛ وتعمــل قليًال جدًا في إيران. وتكثر من العمل في سوريا.

ترى إســرائيل فــي النظام اإليرانــي عدوا وجوديا؛ والنظام اإليراني يرى في إســرائيل عــدوًا وجوديــًا. وقد يكتشــف الطرفــان أن عدوهمــا احلقيقــي يهددهمــا مــن الداخــل: إســرائيل ومتطرفوها، إيــران ومتظاهروها. كالهما تستعدان للحرب غير الصحيحة.

يديعوت أحرونوت 2022/12/2

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom