Al-Quds Al-Arabi

السودان: توقيع اتفاق بني «احلرية والتغيير» والعسكر اليوم وسط اعتراضات قوى سياسية

«البعث» اعتبره «شرعنة لالنقالب»... و«العدل واملساواة» وصفته بـ«الصفقة اخلاسرة»... و«الشيوعي» دعا لهزمية «املؤامرات»

- من ميعاد مبارك:

من املرتقب أن يوقع اجمللس املركزي لقوى «احلرية والتغيير» واملكون العســكري، اتفاقا إطاريا، اليوم اإلثنني، وســط اعتراضات قوى سياســية، أبرزها، جلان املقاومــة وجتمع املهنيني وحركات مســلحة. وفيما أطلقت السلطات، عشية توقيع االتفاق، سراح القيادي املعارض، وجدي صالح، أشار محللون إلى حتديات حتول دون صمود التسوية اجلديدة.

ويســتند االتفاق على وثيقة «اللجنة التسييرية لنقابــة احملامني» التــي مت إصدارها في ســبتمبر/ أيلول املاضي، واعتمدت كأساس للحل، حيث تبادل املدنيون وقادة اجليش إبداء املالحظات حولها، لكن دون أن يتاح للرأي العام مضمون هذه املالحظات.

وحسب نســخة مســربة، أطلعت عليها «القدس العربي» أكد االتفاق على ضرورة بناء جيش وطني موحــد، وإعطاء صالحيــة إدارة جهازي الشــرطة واخملابــر­ات إلى رئيس مجلس الــوزراء، فيما أرجأ عدة ملفات، بينها العدالة االنتقالية، إلى فترة الحقة.

واالتفاق، الذي ضم قوى سياسية جديدة بجانب «احلرية والتغيير» يــأت بعد مرور أكثر من عام على انقالب 25 أكتوبر/ تشــرين األول ،2021 الذي أطاح باحلكومة االنتقالية التي تشاركاها مبوجب الوثيقة الدستورية لنحو 25 شــهرا، في أعقاب إسقاط نظام الرئيس السابق، عمر البشــير، في عام .2019 وهو حصيلة جوالت تفاوض عديدة، ومواقف سياســية تدرجت مــن احلدة إلى التفاوض غير املباشــر، إلى تفاوض مباشــر رعته الوســاطة الرباعيــة بقيادة واشــنطن والرياض، بجانب بروز العبني سياسيني

جدد، على رأســهم احلزب االحتادي الدميقراطي - األصل.

وال يختلــف الوضع السياســي احلالــي، غداة توقيع االتفاق اجلديــد، عن الظــروف العامة التي ســبقت انقالب اجليش، بل يبدو أكثــر تعقيدا، في ظل اختــالف جميع األطــراف على تعريــف األزمة ومسار احلل. وعليه، سارعت قوى سياسية إلعالن رفضها لالتفاق، فـ»البعث العربي االشتراكي» الذي لن يشــارك في احتفال التوقيع، اعتبر أن التســوية «ستشرعن االنقالب».

كذلــك أكــد املتحــدث باســم جتمــع املهنيــني السودانيني، الوليد علي، بأن االتفاق «يضمن إفالت اجملرمني من العقاب».

وأضاف: فــي تغريدة على حســابه في «تويتر» أمس األحد، أن «التســوية تضمن إفالت اجملرمني من العقــاب وبقاء املصالح االقتصاديـ­ـة للنظام (املباد) وحلفائه»

وزاد: «أي اتفــاق ال يؤكد على حــق املواطن في اخلدمات األساسية، وعلى رأسها التعليم والصحة، لن يكتب له النجاح».

أيضا، أبدى عــدد من جلان املقاومــة في بيانات مقتضبــة، رفضها للتســوية، قبل أن تعلن بشــكل رســمي، عن تصعيد التظاهرات واالحتجاجا­ت في ديســمبر/ كانــون األول، الذي يتزامــن مع الذكرى الرابعة الندالع الثورة السودانية.

وقالت جلان اخلرطوم: «الثورة ال تزال مستمرة، وال بد إلرادة الشعب أن تنتصر».

وأضافت في بيان: «ما زلنا في تنســيقيات جلان مقاومة مدينة اخلرطوم، متمسكني بشعارات وقضايا ثورتنا اجمليدة، واضعني نصب أعيننا إسقاط اللجنة األمنيــة لنظام اإلنقاذ وكل حلفائها من الســلطوين­ي واالنتهازي­ني عبدة السلطة والكراسي».

وأكــد البيان، متســكهم بالــالءات الثــالث «ال تفاوض، ال شراكة ال شــرعية» الفتا إلى مضيهم في طريق إسقاط االنقالب، وكل حلفائه.

أما احلزب الشــيوعي فاعتبر التسوية «مواصلة ملؤامرات القــوى املعادية الداخلية واخلارجية لقطع الطريق على الثورة، وإنتاج النظام املباد في نسخة جديدة للحفاظ على مصالح الرأســمال­ية الطفيلية، وحلفائها باخلارج».

كما أدان بشــدة «التدخالت األجنبية في الشأن الداخلي الســوداني» مؤكدا أنها «تهدف في األساس لتصفيــة الثورة، باالتفاق مع قــوى داخلية معادية للثورة».

ودعــا «قــوى الثــورة الرافضــة لالنقــالب ومشروعات التســوية، أن تواصل معركتها من أجل إســقاط االنقالب وهزمية كل املؤامــرا­ت في طريق استكمال أهداف وشعارات الثورة السودانية».

كيف وصلنا لالتفاق؟

وبدأت التطورات التي رفضت االتفاق عندما أعلن القائد العام للجيــش، في 4 يوليو/ متــوز املاضي، خروج املؤسســة العســكرية من العملية السياسية التــي ترعاها اآلليــة الثالثية املشــتركة املكونة من االحتاد األفريقي، واألمم املتحدة ومنظمة «إيغاد».

في أعقــاب قــرار البرهــان، الذي دعــا القوى السياســية اخملتلفة إلى االتفاق حول مبادئ عامة، تكونت مبادرات متنوعة، هدفت إلى تقدمي نفســها، مبن في ذلك اإلســالمي­ون الذين قدموا مبادرة (نداء أهل الســودان) حتت واجهة رجــل الدين الصوفي، الطيب اجلــد. في األثنــاء أخرجت قــوى «احلرية والتغيير» اتفاقها السياســي، من حتت عباءة نقابة احملامني، ليصبح أساس التسوية املرتقبة اليوم.

ومن بني املعترضني على االتفــاق أيضا، حركات مسلحة أنشــأت عدة كتل سياســية، إلى أن انتهت أخيرا إلى تكتل جديد حمل اســم «احلرية والتغيير» (الكتلــة الدميقراطي­ة) الذي ضــم احلزب االحتادي الدميقراطي - األصل، بزعامة محمد عثمان امليرغني، الذي عاد إلى البالد مؤخرا.

وحذر األمني السياسي حلركة «العدل واملساواة» ســليمان صندل (من مكونات الكتلــة الدميقراطي­ة الرافضة لالتفاق، مما وصفه بـ«االتفاق الثنائي».

«صفقة خاسرة»

وقــال: إن «االتفــاق الثنائي اإلقصائــي املزمع توقيعه، هو صفقة خاســرة، ألنه عبارة عن وصايا من ِحفنة من التنظيمات السياســية الســتالم زمام البالد، لكي يقرروا في شأنه السياسي واالقتصادي واألمنــي، وهذا أمر ســوف يقاومه جموع الشــعب السوداني مبختلف تنظيماته السياسية والشبابية وجلــان املقاومــة». وأضــاف: «بعد هــذه الثورة العظيمة والتضحيات اجلســيمة من كل الشعب في ســبيل حريته وكرامته واملواطنة املتســاوي­ة، قادر لهزمية العقليات التي جبلت على السيطرة والتسيد والتحكم في مصير الشعب».

ورأى في منشور نشره في صفحته الرسمية على موقع «فيسبوك» أمس إن «إرادة الشعب هي الغالبة، وســوف تســحق هذا االتفاق الثنائي الذي ال يشبه قيم الثورة وسترمي به في مزبلة التاريخ».

وأول أمس السبت، ســير اإلسالميون تظاهرات في اخلرطوم، نددوا فيها بخطوة االجتاه إلى توقيع وصفــوه بـ«الثنائي» بــني قوى احلريــة والتغيير وقادة اجليش.

كمــا حذر حــزب املؤمتــر الوطني احمللــول، من االتفاق، وقــال في بيــان: «إنه ظل يتابــع بقلق ما وصفهــا بحالة انســداد األفــق السياســي وتفاقم األزمة السياســية بالبالد، وما يدور من تســريبات إعالمية حول التسوية السياسية الثنائية بني املكون العسكري وقوى احلرية والتغيير».

وأكد موقفه الرافض للتســوية، مشــيرا إلى أن «اخلطــوة حتمل بذرة فنائها داخلهــا» قبل أن يعلن «متســكه مبوقفه بعدم املشاركة في الفترة االنتقالية واملطالبة بتشــكيل حكومة كفاءات مســتقلة وغير منحــازة ألي جهة سياســية وال ترشــح أعضاءها أحزاب سياسية لتكمل ما تبقى من املرحلـة االنتقالية وصوال إلى انتخابات حرة ونزيهة».

وأكد أنه «ســيقاوم ذلك بكل الوســائل السلمية والقانونية املتاحة حتى إســقاط أي تسوية معيبة ال تشمل اجلميـع وال حتترم ثوابت األمة السودانية».

وحذر البيان املكون العسكري والقوى السياسية التي تعمل على توقيع االتفاق «من جر البلد» ملا أسماه «مربع الشقاق املفضي للضياع وعدم االستقرار».

ومع ذلــك، ينظر البعض إلى هذا االتفاق بشــكل مختلف، حيث اعتبره احمللل السياسي أمني مجذوب فــي حديثه لـ«القــدس العربي» «اتفــاق حد أدنى، يؤســس التفاق نهائي خاص باالنتقال الدميقراطي ومدنية احلكم في السودان» فضال عن كونه «يجمع بني قوى سياسية تدعم االنتقال الدميقراطي».

وأشــار إلى «قوى أخرى تعتبر ضد االتفاق، ترى أن مصاحلهــا قد تضــررت أو أنها لم جتــد مكانا في التسوية اجلارية».

ولفــت إلــى أن «هنــاك حتديات كثيــرة تواجه هــذا االتفاق، أهمهــا املعارضة من القــوى الرافضة للتفــاوض مثــل جلــان املقاومة وحتالــف التغيير اجلذري، وأيضا عــدم وضوح النقاط اخلاصة بدمج القــوات واجليوش في جيش واحــد وملف العدالة االنتقالية ومراجعة اتفاق سالم ،2020 باإلضافة إلى تهديد بعض احلركات املســلحة بالعــودة إلى مربع احلــرب». مع ذلك، فقد رجح أن «يــؤدي االتفاق إلى إنهاء األزمة السياسية بخروج املكون العسكري من السلطة» مشددا على ضرورة أن «تبقى مسألة الوفاء باملواثيق والعهود في السياسة السودانية هي حجر الزاويــة في أي اتفــاق حاضر أو في املســتقبل» في إشــارة إلى متلص العديد من األطــراف من اتفاقات سابقة.

مشاورات حول االتفاق

وحتى ينجح االتفاق في إنهاء األزمة السياســية في الســودان «يحتاج لعقد مشاورات حوله متهيدا لالتفاق النهائي بني كل األطراف السودانية» حسب ما أكد أستاذ العلوم السياســية في جامعة النيلني، مصعب محمد علي لـ«القدس العربي».

وبين أن «قضية االنتقال الدميقراطي حتتاج ألكبر توافق سياسي حتى حتقق االســتقرا­ر املطلوب في البالد، باإلضافة إلى ذلك، فإن اتساع دائرة الرفض له يعني أنه لن يســتمر طويال وبالتالي فإنه يحتاج لضم قاعدة عريضة من قوى االنتقال».

وأشــار إلى عدم الثقة بني أطراف االتفاق، فضال عن رفضــه من قبل العديد من املكونات في الشــارع السوداني. ورأى أن «املطلوب للمضي قدما، أن تعمل قوى احلرية والتغيير على عقد مشاورات مع القوى السياســية التي لها اعتراض على االتفاق مع ضمان اســتمراره وعدم وجود معارضة له أو تقليل حدتها على األقل».

إلى ذلــك، أطلقت الســلطات ســراح مقرر جلنة تفكيــك التمكني، القيــادي في «احلريــة والتغيير» وجدي صالح، ومعتقلني آخرين بالضمانة العادية.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom