Al-Quds Al-Arabi

األردني في «التحديث» والعودة ألبسط األسئلة: إذا انضم طالب جامعي لألحزاب فهل تسحب منه «املكرمة امللكية»؟

- عمان - «القدس العربي» من بسام البدارين:

يحشــر مواطن أردني في زاويــة ضيقة على منصات التواصل سؤاًال بدأ صغيرًا لكنه في غاية األهمية اآلن. السؤال الذي طرحه سامر ضالعني، بدأ بســيطًا جدًا، لكنه يطرح إشــكالية سياسية وطنية فــي غاية األهميــة تواجههــا، وميكن أن تواجهها حتديثات املنظومة السياسية في البالد باعتبارها خيار دولة كما صــرح العاهل األردني امللك عبــد الله الثانــي هذه املــرة، وليس خيار احلكومة.

صيغــة الســؤال باختصــار: إذا اجتــه أحد طــالب "املكرمة امللكية" في اجلامعــات إلى العمل احلزبي... هل تسحب منه مكرمته امللكية؟ وسبب الســؤال أوضحه أصال من طرحه؛ فأحد شروط إكمــال أوراق املكرمــة امللكية فــي اجلامعات في املاضي هو التوقيع على عدم االنتســاب لألحزاب السياسية.

ويالمس مثل هذا السؤال ســؤاال أعمق بكثير كان قد طرح مبكرا من قبل علية القوم، مبا في ذلك رئيس اللجنة امللكية التــي صاغت رؤية حتديث املنظومة السياسية سمير الرفاعي، وحتى رئيس الوزراء الدكتور بشــر اخلصاونة، حيث ســئل الرجالن في مجالسات سياســية اجلميع عما إذا كانت العقيدة البيروقراط­يــة، مبعنى األمنية في الدولــة، قد تتعــدل أيضا لصالح عمــل األحزاب السياسية؟

تغيير مســألة دخلت في إطار العقيدة اإلدارية ال يبــدو أمر ًا ســه ًال، ولذلك حصريــ ًا عزل صناع القرار ومركز الثقل الســيادي فــي الدولة العديد من املسائل االســترات­يجية واألساسية عن سياق األحزاب السياسية عبر التعديل الدستوري الذي طال تشــكيل مجلس األمن القومي الذي لم يولد بعد.

بكل حال، لم تتدخل أي جهة رسمية أو سيادية لإلجابة عن سؤال املواطن الشاب الضالعني؛ فما يعرفه األردنيون ويألفونه جيدا أن عدم االنتساب للتنظيمات الطالبية واألحزاب السياسية هو بكل حال شــرط من شــروط احلصول على مقاعد في اجلامعات حتــت بند املكرمة امللكيــة والتي تلبي احتياجات ملحة جدا للشــعب األردني، وتساهم أصال فــي التنمية االقتصاديـ­ـة واالجتماعي­ة. وال أحد على األقل في احلكومــة احلالية وفي الفريق الذي يظهر حماســة شديدة ملشــروع التحديث السياسي، يريد التورط أو التعرقل باإلجابة عن سؤال حساس إلى حد ما من هذا النوع.

لكن املرونة التي تظهرها املستويات السيادية مع مشــروع حتديــث املنظومة السياســية تبدو واضحة للعيان، وليست في موقع أو موقف إعاقة أي تفصيلة صغيرة لها عالقــة باملضي قدما أو ما كان يسميه املهندس موسى املعايطة "فتح صفحة جديدة واملضي قدما مرة واحدة إلى األمام".

مثل تلك األســئلة ســبق أن نوقشــت عندما قــررت وزارة التعليــم العالــي قبل عدة أشــهر وضــع برتوكول خــاص لتنظيم العمــل احلزبي داخل احلرم اجلامعي أو فــي صفوف التنظيمات الطالبية، وهنا حصرا الحــظ األمني العام جلبهة العمل اإلسالمي الشيخ مراد العضايلة، علنا وفي كل االجتماعــ­ات، بأن قيودا فرضــت على العمل احلزبي في اجلامعات، مع أن اجلامعات هي محور انطالق الثقافة احلزبية في اجملتمع.

من املرجح أن املســألة حســمها امللك شخصيا في الزيــارة األخيرة جمللس الــوزراء، التي أبلغ فيها الــرأي العام وجميع املســؤولن­ي بقاعدتني: تقــول األولى إن أي مســؤول ال يجد في نفســه الكفاءة للمضي قدما مع مشروع حتديث املنظومة السياســية والتمكني االقتصــاد­ي ميكنه مغادرة موقعه.

والقاعــدة الثانيــة تلك التي أفهمــت اجلميع بوضوح أن مشــروع التحديــث املرتبط باملئوية الثانيــة للدولة هو خيار الدولة االســترات­يجي، وليس مبعنى أنه عابر للحكومة.

وقد أوضــح ذلك وزيــر التنمية السياســية املسيس في احلكومة املهندس وجيه العزايزة، في لقاء تلفزيوني، وأكده في اللقاء التلفزيوني نفسه رئيس الوزراء الدكتور بشر اخلصاونة.

هل تعنــي هــذه التأكيدات شــيئًا محــددًا، خصوصــا إذا كان املطلــوب هو تغيــر العقيدة البيروقراط­يــة األمنية التي أسســت أصال على االرتيــاب في األحــزاب وعزل القرار السياســي في أجهــزة الدولة ومؤسســاته­ا وأذرعها، وعزل اجملتمع قدر اإلمكان أيضا عن األحزاب السياسية؟ هذا ســؤال محوري آخــر ينتج فــي التداعيات عن املالحظات البســيطة التي تقــدم بها املواطن الضالعني دون أن يجيب عنها علنا رموز حتديث أو مشروع حتديث املنظومة السياسية. بكل حال، يبقى األمر عالقا. ومبكــرا أملــح الرفاعــي إلى أن مســألة منو فكرة العمل السياســي احلزبي املنظم ليس فقط فــي اجملتمــع، ولكن في أروقــة القــرار وأجهزة ومؤسسات الدولة تنطلق بالتدريج، وحتتاج إلى وقت. وال أحد يعلم ما هي أهمية احلاجة للتواقيت هنا مــا دام القرار والغطاء السياســي قد اتخذا، مبعنــى أن املئوية الثانية للدولــة اليوم عنوانها على األقل في النصــوص واألدبيات واخلطابات والتوجيهــ­ات املرجعية وفي نصــوص احلكومة والسلطات التنفيذية هو عمل األحزاب السياسية وتقاســم منط أو حصة من األدوار والصالحيات اإلدارية معها. ثم االنتقال وفي أســرع وقت ممكن إلى منسوب أو مســتوى البرملان احلزبي، مبعنى االستعداد وجاهزية عالية النتخابات على أساس حزبي في املستقبل القريب.

لكن ما هــو غير معروف بعــد، مقدار ومرونة هذه االستجابة في التحدث عن العقيدة اإلدارية والبيروقرا­طية، واملســألة ال تتعلق هنا بقرار أو امتثال من عند املؤسسات واألجهزة اخملتصة، ألن اجلميع ممتثل للرؤية امللكية بقدر ما تتعلق بظهور بعض االحتياجات، خصوصا مع غياب احلاضنة االجتماعيـ­ـة لعناوين مبرمجة ومفصلة مســبقا، أهمها رؤية تنفيذية لتنفيذ الرؤية املرجعية.

وهــذه هي املفارقة التي ميكــن تلمس إيقاعها اليوم حتى من أســئلة وتساؤالت كبار املسؤولني الفنيــة، وحتديدا مثل احلديث عــن العدد القليل من الذين انضموا للعمل احلزبي في العام األخير بالرغــم من كل ما يقــال عن االجتــاه نحو حكم األحــزاب وأهليتها وثقافة حتزيــب اجملتمع، مما يعني أن مسألة املشــاركة حصرا، وهي تهتم بها احلكومة بوضوح اآلن قيد اجلدل وقيد النقاش.

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom