Al-Quds Al-Arabi

تكوينات أنثوية في أعمال التشكيلية السودانية أميمة حسب الرسول

- من الصادق الرضي:

هناك نســاء دائمــ ًا، هناك أطيــا ُف امرأة ما وحيدٍة، حتتفي بجســدها فــي طقوس أنثوية متعددة املزاجات، أو امرأة تنكفئ على نفســها في تكوينات تنطُق بالصمــت كامنًة في عزالٍت منتقاة بدقــٍة، في منحوتات التشــكيلي­ة أميمة حسب الرسول، وفي اشــتغالها في التلوين أو في األبيض واألسود، مع اختالف البصمة الفنية اخلاصة في عمل النحــات باإلزميل، في الكتلة ثالثيــة األبعاد؛ عنهــا في عمل امللــون بألوان الزيت أو املاء، أو املشكل باألبيض واألسود في مساحة ذات بعدين. من خالل جسد املرأة تصور أميمــة مختلف مظاهــر احلياة فــي تفاصيلها البســيطة، املرأة العاشقة واملعشوقة، املرأة في البيت، فــي أمومتها ورعايتها للعائلة، املرأة في مــكان العمل في أوقات الســلم واحلرب، املرأة في توقها للعدالة واملساواة في سعيها احلثيث للحصول على السالم والطمأنينة؛ رمبا تصور امرأة منكفئة على نفسها كناية عن معاناتها عبر تاريخ طويٍل، وصوًال إلى معاناتها في ســودان اليــوم، وهي مثقلة بالهمــوم ومنهكة من أعباء وضغــوط احليــاة االقتصاديـ­ـة واالجتماعي­ة والسياسية، كأنها تهرب في هدنة نحو الهدوء واالستقرار النفســي؛ دون أن تغفل عن مكامن القوة في ذاتها الثائرة واملناضلة، أو عن كونها مصدر إلهام واعتزاز بثقافة وهوية تستحق أن حتتفي بها، بذاتها وبجسدها على الدوام.

التناغم والتوازن بني الكتلة والفراغ:

أميمة حســب الرســول تزور لنــدن حاليا، بدعــوة خاصــة حلضــور فعاليــات معرض التشــكيلي­ة البارزة كماال إســحق- افتتح في 7( أكتوبر/ تشــرين األول )2022 ويستمر حتى 29( يناير/ كانون الثاني )2023 بعد مشــاركتها في ســبتمبر/ أيلول املاضي في ورشة عمل في أملانيا؛ وهي تعمل في «قسم الترميم» في متحف السودان القومي، منذ تخرجها في قسم النحت في كلية الفنون اجلميلة والتطبيقية؛ بســؤالها عن تفضيلها لقســم النحت حتديــدا، وكما هو معروف ـ في تاريخ الكليــة - أن حضور املرأة نادر فيه قياسا باألقسام األخرى، قالت: «ال أميل إلــى املفاضلة بني الفنون عمومــا، فهي ال تخلو

من متعة، ســواء للفنان أو املتلقي؛ بالنسبة لي النحت يتعاطى مــع احلواس باللمس والبصر، وهــو أقرب للعــني وميكــن إدراكه مــن زوايا مختلفــة وفكرته هــي التناغــم والتوازن بني الكتلة والفراغ، هذا التوازن هو ما أجده وأحسه ميأل روحي عندما أنفذ العمل وأنا أحاور الكتلة حتى وصولي لنقطة النهايــة.» وتواصل: «أما بالنسبة ألعمالي في األبيض واألسود والتلوين فهي أسهل وأسرع في التنفيذ وال حتتاج جملهود عضلي، في التلوين ميكن قــول الكثير التعبير بشــكل مباشــر ومختلف ال أميل إلى استخدام األلوان احلارة واملباشرة دون تخفيف كثير أو مزج ألعبر عن ثقافتــي وهويتي، حيث األلوان في كل مكان املنازل واملالبس واألســواق يزيد توهجها ضوء الشمس احلارق في السودان».

جزء من احلقائق البصرية واملوجودات املرئية:

بخصــوص حضور املرأة الالفــت في مجمل أعمالها قالت أميمــة لـ«القدس العربي»: «املرأة جزء من احلقائق البصرية واملوجودات املرئية، ليس هذا فقط، هناك احتفاء الفنانني (املبدعني) بها على مر العصور باعتبارها امللهمة والباعثة احملرضــة علــى اإلنتــاج الفني وقــد صورها الفنانون في أشــكال وأوضاع مختلفة موثقني ألدق مالمح وتفاصيل حياتها، رمبا ال نســتطيع أن نســتثني فنانا فــي تناول هــذا املوضوع، لكن الفكــرة قد تأخــذ خصوصيتها عند بعض الفنانني، ســواء من حيث التركيــز على املرأة كموضــوع جمالي أو من عظمة وقوة وشــهرة األعمال املنتجة مثل (اجليوكندا) أو (املوناليزا) أيضا لوحة بيكاســو (املــرأة الباكية) تعكس انفعاالتهـ­ـا ومعاناتها وتعبــر بعمق عن حجم األلــم واحلزن؛ هنــاك مثال أوغســتني رودان، الذي كان مهتما بجمال املرأة يقول «حني أرســم امرأة فإنني اكتشــف جمــال األواني اخلزفية اليونانية». ويوشــوا رينولدز مصور املرأة في احليــاة، نال لقب أشــهر فنان يعبــر عن املرأة والطفولة في بريطانيا وغويا اإلســباني الذي عبر عن املرأة العاشقة واملتحدية وهناك تولوز لوتريل، الذي تناول موضوع فتيات الليل ليعبر من خالله عن اجلانــب اآلخر من البريق العابر وومضاتــه الســطحية، ويغوص فــي أعماق النفوس البشــرية التعســة، وفان غوخ الذي يصعب التحدث عن الفن، دون ذكر اســمه، أو التحدث عن عالقته باملــرأة في حياته وأعماله الفنية، حني رســم لوحة (احلزن) كتب حتتها «كيف نســمح بأن تكون هناك امــرأة وحيدة تعيســة علي األرض؟!»؛ واملــرأة أكدت دورها في الفن التشكيلي من خالل ما قدمته من إنتاج فني ســواء عاملي ًا أو محليــ ًا، وهناك الكثير من األسماء منها: بربارا هيبورث، إجني أفالطون، دميا حجار، شلبية إبراهيم ورائدات التشكيل النســوي الســوداني: كماال إبراهيم إسحق، أم اخليــر كمبــال، نايلة الطيــب، حاليا توجد حركة تشكيلية نسوية نشيطة، داخل وخارج السودان».

اجلمعيات النسوية الفنية ليست وسيلة للتصنيف الفني:

ســنة 2016 أســهمت فــي تأســيس «بيت التشكيليات الســوداني­ات» وهو كيان ثقافي اجتماعــي يهتم بقضايــا املرأة والتشــكيل، ويهدف إلى توفير مســاحات لعــرض أعمال املبدعات وتشــجيعهن على مواصلة اإلنتاج؛ وإلــى إلقاء الضوء على مســائل وإشــكاالت الفن التشكيلي بصورة عامة، والسعي إليجاد حلــول لها، قبلها بعدة ســنوات أســهمت في تأسيس «جمعية التشــكيلي­ات السودانيات» أيضا صحبة التشــكيلي­ات تيســير عبدالقادر ســالم ووصال ضياء الديــن وأخريات؛ قالت أميمة: «اجلمعيات الفنية النسوية هي نوع من التضامن النســوي ميكن املرأة من استمرارها في ممارســة نشــاطها الفني، تنهض إدارتها بتنســيق وتنظيم الفعاليات الفنية من ورش ونــدوات ومعــارض؛ نظرا للــدور املضاعف للمــرأة املبدعة في اجملتمع الســوداني- رمبا أســهم في منع بعضهن من مواصلــة اإلبداع؛ وضمــان وجودهن فــي فضاء العمــل العام، وحفظ حقوقهن ومساعدتهن على االستمرار. اجلمعيات النســوية الفنية ليســت وســيلة للتصنيــف الفنــي، بالطبــع ال ميكننا حتديد صفات إبداعية نوعية خاصة بالنوع األنثوي فــي اإلنتاج التشــكيلي، إذا تعاملنــا مع الفن كمحاولة للتعبير عــن القيم الزمانية واملكانية ضمــن إطار جمالي عام، لكــن وجود املرأة في مجتمع يكرس ألحادية النــوع املبدع وتعاني فيه املرأة من التمييز «النوعي» يدفعها حملاولة إثبــات ذاتها من خالل إبداعهــا فتعبر أعمالها عن انفعالها بواقعهــا ورغبتها في التحرر من املوروث االجتماعي والثورة على الواقع».

 ?? ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom