Al-Quds Al-Arabi

من املونديال إلى «نتفليكس»: «فرحة» األردني... هدف تسجله إسرائيل في مرماها

- بنيامن طوف - آس

فــي الفيلــم التاريخــي «الوطني» عــام ،2000 بطولة مل جبســون كقائد ميليشيا وسيم في حرب االستقالل األمريكية، مشــهد فظيع يغلق فيه جنود بريطانيون الكنيسة على نساء وأطفال ويحرقونها مبــن فيها. رغم وجــود إجماع تاريخي بــأن حدثا كهــذا – يذكر بالطبع بأفعــال النازين، ولم يحصل في احلــرب إياها – ال أذكر احتجاجــات أو دعوات للمقاطعــة ضد الفيلم. رغم الشــكاوى الهزيلة لدى املؤرخن، كان واســع الرواج في الواليات املتحدة وإسرائيل وحتى في بريطانيا.

«الوطنــي» فيلم غبي، وســطحي ومنكر، وهكذا هو الفيلم األردني موضع احلديــث «فرحة». كناقد سينمائي، خســارة إضاعة الكثير من الكالم عليه: ما يبــدأ كفيلم نضوج شــخصي فج جــدا عن فتاة فلسطينية في ،1948 ينتهي كـ «عازف بيان» للفقراء تنظر فيه البطلة من مكان مخبئها لترى الفظائع من حولها – وعلى رأســها ذاك املشــهد الذي يطلق فيه جنود إسرائيليون النار على مدنين ويتركون وليدا ابن يومه حلتفه. نحصي بن الفظائع اإلضافية لكنة اجملندة اإلســرائي­لية التي أضيفت إلى القوة والتي بدت كمســافرة في الزمن أطلقــت اليوم من حرس احلدود إلى الـ ،1948 وأنف الضابط الذي امتشــق من كاريكاتير في أوروبا في بداية القرن املاضي.

العنــوان الغامض قصــدا «بإلهام مــن أحداث حقيقية» (أي أنه ال يســتند إلى معركــة معينة، بل بزعم اخملرجة إلى قصة ســمعتها من أمها، هي أيضا سمعتها بدورها من الجئة فلســطينية في سوريا) – يعطي حريــة تالعب كافية. في ضوء حقيقة أن ما يكفي من األحداث القاســية وموضع اخلالف وقعت في احلــرب إياها – أقول بحــذر وليس كمؤرخ، أن إضافة قتل وليد إلى جملة األفعال النذلة، هو ما كان يسميه مل جبسون «سينما حكاية مصنوعة جيدا». هكــذا فعل عدد كبير مــن أفالم هوليــوود للروس والهنود والعرب.

قد نفهم إحساس اإلســرائي­لين الذين يشعرون اآلن، وبالتأكيد في ضوء حقيقة أن 1948 أقرب إلينا بكثير من ،1776 وفي الوقت نفســه ميكن أن نسأل املشاهدين الذين لم يشــاهدوا والسياسين الذين سارعوا للحماســة: ماذا حصل؟ هل انتهت األفالم التشــهيري­ة من إســرائيل فانتقلنا إلى األردن؟ هل أنهينا من التهديد على البث السينمائي اإلسرائيلي فانتقلنا إلى فحص قوتنــا أمام نتفليكس؟ (تلميح: يوجد لها 220 مليون مشــترك، إســرائيل -حسب التقديرات الســخية- تتراوح حول املليون. اجروا احلساب).

الشعار الســخيف: «حرية التعبير ليست حرية التمويــل»، الذي اختلقتــه ربة الرقابــة اليمينية ميري ريغف- ينكشــف في هذه القضية بعريه عند محاولة إخفاء فيلم أجنبي ســبق أن اكتمل. مفهوم أن كل مبادرات املقاطعة التي قامت بها نتالي ددون وأمثالها تزيــد االهتمام حول «الفيلــم الذي أغاظ إسرائيل» ولم ينل اهتمام ًا كبير ًا حتى اآلن. أنا واثق أن اخملربة الكويتية التي تقيم في عمان راضية.

ما يتبقــى، بعــد أن زدنــا مداخيــل الفيلم في

نتفليكس، هو أن ننــكل باحملافل الثقافية في البالد والتي تتجرأ على بثه، وبشكل عجيب يدور احلديث دوما عن البدء بالعرب. إن محاولة نزع األموال من مســرح «الســرايا» في يافا من جانب وزير الثقافة تروبر ووزيــر املالية ليبرمان، لــن متس باملنتجة وبشــركة اإلنتاج، وبنتفليكس ولــو بفلس واحد، ولكن قد تتســبب بأخالق إضافية أخرى في البالد تتجــرأ على اخلروج عن التيار األســاس لالنغالق ولآلخريــن باحلــذر. الوحيدون الذيــن تأذوا هم اإلســرائي­ليون، الذيــن يتعرضون إلــى مزيد من القيود على احلوار ومزيد من القليل من قدرتهم على فهم اجملال الذي يعيشــون فيه (وموقف املونديال منا بن مدى أهمية األمر). هذه هي القيمة الوحيدة التي في «فرحة» – فيلم صغير ضرره األساس اآلن ليس التشــهير بإســرائيل في املاضي، بل بتحولها إلى دميقراطية أقل قوة في احلاضر، بالهدف الفاخر الذي نسجله في مرمانا.

يديعوت أحرونوت 2022/12/4

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom