Al-Quds Al-Arabi

ما حال «اجلرمية» في الوسط العربي داخل إسرائيل بوجود بن غفير؟

متدنية في الوسط اليهودي لدرجة تصنيفها «دولة آمنة»

-

كثيرون عندنا يشترون أقوال وزير األمن القومي املرشــح ايتمار بن غفير عن انهيار القانون والنظام فــي البالد وعن اجلرميــة املعربدة في شــوارعنا. هذه دعاية تخويف هدفهــا التهيئة إلجراءات غير دميقراطية مستقبلية لفرض النظام، بأقل تقدير.

نذهب أوال إلى احلقائق، إلى اإلحصاءات اجلافة: رغم إحســاس الفــزع، فاجلرمية داخل إســرائيل متدنية للغاية، واجلرمية في الوســط اليهودي من بن األدنى في العالم. وجــدول اجلرمية اخلطيرة/ العنيفــة لــدى األمم املتحــدة كان 32.2 نقطــة في إسرائيل حتى منتصف ،2022 مقارنة بـ 54.4 نقطة في فرنسا، 48.8 نقطة في الســويد، 48.4 نقطة في الواليات املتحدة، 48.0 نقطة في البالد. 46.6 نقطة في بريطانيا. 46.2 نقطة في إيطاليا. 43.6 نقطة في كندا، 37.0 نقطة في أملانيا، 35.0 نقطة في إســبانيا وحتى 33.5 نقطة في النرويــج. وفي دول متطورة قليلة تصنف مبعدل جرمية أدنى من إسرائيل، بينها هولندا وفنلندا والنمسا. حتتل إسرائيل املرتبة 104 من أصل 136 دولة تصنفهــا األمم املتحدة، مبا فيها أمريكا الالتينية وجنوب شرق آسيا.

هذه املرتبة املتدنيــة مفاجئة إيجاب ًا. وفق ًا جلملة النظريات في علم النفــس االجتماعي وعلم النفس الشعبي، كان يفترض بإســرائيل أن تكون في قمة جداول اجلرمية. دولة متعددة اجلماعات ومتعددة الطوائف وتســتوعب الهجرة وذات تكاثر طبيعي عال وســكان شــباب، وتخضــع لضغــط داخلي وخارجي ال يتوقف، وتتحكم بقوة الذراع لشــعب آخر – فإنها جملة شــروط مريحة لنشــوء جرمية بحجوم كبرى.

ومع ذلــك، ورغم احلــراك حول امليــل، تصنف إسرائيل بكل مقياس دولي أنها دولة آمنة ملواطنيها، خصوصا ملواطنيها اليهود، وأقــل بكثير ملواطنيها العرب. التصفيات في عالم اجلرمية اليهودي والتي كانت متكررة قبل ثالثة عقــود وعقدين نادرة جدا اآلن: أعمال نشطة ومتداخلة حملافل إنفاذ القانون، من الشــرطة وحتى وزارتي املاليــة والعدل، فككت الغالبية الســاحقة من اجلرمية املنظمة، اليهودية،

وليس العربية.

لوبــاء أعمال القتــل في اجملتمــع العربي، التي تعكــس القيمة املتدنية حلياة اإلنســان، أســباب تتعلق بالفوارق الطبقية في داخله. وتكاد الصورة ذاتها تتضــح في كل بلــدة عربية: أحيــاء فاخرة من الثــراء، وحتــى املبالغ فيه – تســكنها طبقات وســطى مســتقبلها أمامها، مقابل أزقــة مكتظة من الفقر، وانعدام األمل واليــأس. أكثر من 40 في املئة من الشــباب العربــي ال يعملــون وال يتعلمون – ويشكلون اخملزون األكبر لتجندهم للجرمية. هناك، تنمو شريحة الغاضبن الذين يبحثون عن الطريق القصيرة للحياة الطيبة، لنخبة جديدة ويجدونها في اخلاوة واالبتزاز، وفي السنوات األخيرة بفرض الرعب من خالل حمالت القتل.

مع الوقت، تتسع دائرة الضحايا واملنتقمن على موت أقربائهم وتضعضع النظــام االجتماعي كله. يبدأ العنف اإلجرامي حتى بتجاوز حدود اجلماعة السكانية األصيلة ليصل إلى السكان احملافظن على القانون في جماعات ســكانية أخــرى. هذا التطور معــروف من أمريــكا الالتينية، وجنــوب إفريقيا، وجنوب إيطاليا، والغيتــوا­ت في الواليات املتحدة ويقترب من إسرائيل.

احللول غير بســيطة. حتى الشــرطة األفضل ال ميكنها أن حتــدث حتو ًال اقتصاديـ ًـا واجتماعي ًا في الوسط العربي – الفلســطين­ي في البالد. هذا دور الدولــة من جهة، والقيادة احملليــة من جهة أخرى. واملطلوب لنجاح هذا الصراع توسيع وتعميق دوائر العمل املفتوحة للشباب العربي املتعلم جزئيا (مثلما فتحت في فروع البنى التحتية، والتوريد والصحة) وبالتــواز­ي التجند بقلب كامل مــن جانب القيادة العربية احمللية ملكافحة العنف بكل أشــكاله؛ إذ لن ينجح أي إصالح بدون مشاركتها.

هــل نحن عميــان لدرجة أن نصدق أن تســليم وزارة األمــن القومــي للنائــب بن غفير سيشــق الطريق لتعاون كامل كهذا؟ هل سيســاهم في إزالة حواجز الشك ويدفع بخلق مزيد من فرص العمل في الوســط العربي – أم العكس؛ سيحدث استفزازات ويفشل خطوات وتغييرات إيجابية؟ الواقع سيوفر لنا األجوبة. بشكل شخصي، لست متفائال.

يديعوت أحرونوت 2022/12/4

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom