Al-Quds Al-Arabi

«إسرائيل» بني خطرين: تراجع متاسك الكيان وتزايد قوة إيران

-

بعــد خمســة انتخابات في نحــو أربع ســنوات لم تعد «إســرائيل» الكيان نفســه الذي كان قبلها. قيادة من اليمني املتطرف أصبحت متســك به وحتاوُل، وسط انقسام متعّمق بني قــوى صهيونيــة متصارعة وعمليات متزايــدة ملقاومة فلســطينية متصاعدة، وضعه على مسار استراتيجي جديد مختلف سياسًا وثقافيًا عن النظام القدمي، الذي حكم الكيان منذ حلظة زرعه في سنة 1948 لغاية االنتخابات األخيرة في األول من تشرين األول/أكتوبر .2022

القيادة القدمية - اجلديدة برئاسة بنيامني نتنياهو تضم حزبا صهيونيا دينيا برأسني، كالهما يتفاخر علنا بإصراره على تنفيذ مطالــب عنصرية فاقعة ليس أقلهــا ضم الضفة الغربيــة إلى الكيــان الصهيوني، وبناء الهيــكل التلمودي املزعوم على أنقاض املســجد األقصى املراد تدميره. كل ذلك يتم اجلهر به في ســياق ثقافة فاشية متطرفة، تبتغي فرض الصفــة اليهوديــة احلصريــة للكيان على حســاب الصفة اإلسرائيلي­ة التي كانت تتســع، ولو بضيق فاضح، بأقليات إثنية وقومية أخرى عربية أو غير يهودية. فوق ذلك، يواجه قادة الكيان الصهيوني، الذي تراجع متاســكه القدمي حتديا متزايد اخلطورة يســمونه: إيران التي أصبحت على عتبة دولة نووية. إلى هذه املتغيرات، تواجه «إسرائيل» حتديات أخرى، داخلية وخارجية، تسهم بدورها في تصديع الكيان، لعل أبرزها خمسة:

*التحــدي األول: اجتاه احلكومــة اليمينيــة املتطرفة برئاســة نتنياهو إلى تغييــر دراماتيكي في شــكل النظام القضائــي ومضمونــه يقضــي بإلغــاء وظيفة املستشــار القانونــي للحكومة، وتغيير تركيبة احملكمــة العليا، وعدم األخــذ بقراراتها، بتمكني الكنيســت (البرملان) بالتشــريع على نحو يخالفها، ذلك ســيؤدي بالتأكيد إلى إنهاء القضاء كجسم مستقل، واإلســاءة إلى سلوكية اجليش اإلسرائيلي في الضفة الغربية، واإلضرار مبكانة الكيان الدولية.

*التحــدي الثانــي: التداعيات الداخليــة واخلارجية الناشــئة عن اجتاه احلكومة اليمينية املتطرفة إلى توسيع االســتيطا­ن الصهيوني في جميع أنحاء فلسطني، والسيما في املنطقة «ج» التي تشــكل أكثر مــن 60 في املئة من الضفة الغربيــة. وكان نتنياهو قد لوح في أواخــر والية حكومته األخيرة ســنة 2021 مبوافقته على مطلب املســتوطن­ني ضم الضفــة الغربية إلى الكيان. افتضح هــذا التوجه االقتالعي لديه مبوافقته ايضا على اشــتراط بتســلئيل سيموتريتش رئيس حــزب الصهيونية الدينيــة، قبوله بــوزارة املالية بدال من وزارة الدفاع بنقل «اإلدارة املدنية» من ســلطة هذه األخيرة إلى ســلطة وزارة املالية. املعــروف أن هذه اإلدارة تتولــى في الواقع شــؤون االحتالل في الضفــة الغربية ما ميكن سيموتريتش من «تشريع» البؤر االستيطاني­ة القائمة في أراض ميلكها الفلســطين­يون، وتقليص بــل منع إعطاء الفلســطين­يني حق البناء في أراضيهم. إلى ذلك، فإن تعيني

شــريك ســيموتريت­ش في قيادة حزب الصهيونية الدينية إيتمــار بن غفير، وزارة األمن الداخلي من شــأنه متكني هذا الصهيوني الفاشي من تعزيز جهوده للسيطرة على املسجد األقصى، متهيد ًا للســير قدم ًا في خطتــه الرامية إلى تدميره وإقامة الهيكل التلمودي مكانه ما يفجر ردود فعل عنيفة في دنيا العرب وعالم اإلسالم.

*التحدي الثالث: اجتاه وزراء حزب الصهيونية الدينية الفاشــيني، ووزراء احلزبني احلريديني الدينيني املتعصبني إلى إلغاء اتفاقات أوســلو لســنة 1993 ما يؤدي إلى إنهاء السلطة الفلسطينية وقيادة أبو مازن والتسبب في اآلتي:

(أ) وضع جميع الفلســطين­يني في الضفــة الغربية حتت احلكم الصهيوني املباشر، األمر الذي يؤجج سخطهم ويعزز اجلهود الرامية إلى إطالق انتفاضة ثالثة شاملة.

(ب) وقــف املســاعدا­ت املاليــة واللوجســت­ية عــن الفلســطين­يني من األمم املتحدة وبعض الــدول العربية، ما يلقي على «إسرائيل» أعباء إضافية ثقيلة ال تبدو قادرة على حتملها.

(جـ) يثير معارضــة مؤثرة من الواليــات املتحدة التي تقوم، حتت إدارة الرئيس بايدن، مبحاولٍة ملعاجلة املفاعيل الســلبية لسياســة الرئيس الســابق دونالد ترامب، التي ســلمت القدس الشــرقية برمتها إلى «إســرائيل» بأن تقيم قنصلية ألمريكا في القدس الشرقية.

(د) إحراج الدول العربية التــي وافقت على التطبيع مع الكيان الصهيوني، وبالتالي التســبب بوقف توسيع نطاق «اتفاقات إبراهام» املعقودة مع دول عربية وإسالمية.

*التحدي الرابع: التداعيات الناشئة عن تعيني إمتار بن غفير وزيرا لألمن الداخلي وتغيير اســم هــذه الوزارة إلى وزارة األمن القومي. فقد صــرح وزير الدفاع املنتهية واليته بني غانتس، بأن االتفــاق اإلئتالفي الذي جرى توقيعه بني حزبي الليكود و»عوشمايهودي­ت» (القوة اليهودية) وتعيني بن غفير وزيرا لألمن القومي ســتكون لــه تداعيات خِطرة على «إســرائيل»، مؤداهــا إقامة جيش خــاص البن غفير من شــأنه «أن يجلب ضغوطا دولية شــديدة بسبب القيام بضم فعلي ليهودا والســامرة (الضفة الغربية) من دون أن

نستفيد شــيئا، ال في األمن وال على األرض، وهذا يؤدي إلى ضعــف إداري وإلى ضعــف أمني ألن إنشــاء جيش خاص البن غفير ُيشّكل خطرًا على ممارسة القوة، وسينتج أخطاء أمنية جّدية». وأشــار غانتس إلى أن وضعًا كهذا ســيؤدي إلى تناقضات على األرض وإخفــاق أمني خطير، «وال ميكن أن نرى في خطوة نتنياهو هذه ســوى اعتراف بأن رئيس احلكومة احلقيقي سيكون بن غفير (صحيفة «معاريف» 82ـ 11ـ .)2022

*التحــدي اخلامــس: املفاضلة في إعطــاء األولوية بني مواجهة تداعيات تصاعــد املقاومة الفلســطين­ية، وتراجع متاســك الكيان من جهة وتزايد قوة إيــران من جهة أخرى. فقد حذر رئيس شعبة االستخبارا­ت العسكرية اإلسرائيلي­ة اجلنرال أهارون حاليفا بأن «حلظة احلســم بالنســبة إلى برنامج التســلح النــووي اإليراني أصبحت وشــيكة، وأن الواليات املتحدة تستعد جملابهة إرهاب إيراني، وأننا نالحظ بصمات إيرانية في الســاحة الفلســطين­ية أيضا، والقصد من وراء ذلك كله إبقاء إســرائيل مشغولة على حساب أمور أخرى». ويعتقد حاليفا أن طهــران أحرزت تقدمًا كبيرًا على طريق إنتــاج يورانيوم مخصب بنســبة 90 في املئة، و»إنه إذا ما احتاجت «إسرائيل» إلى ضرب منشآت إيران النووية فسيكون سعيدا إذا ما كانت الواليات املتحدة إلى جانبنا».

يتحصل من كل هــذه التناقضــا­ت أن الواليات املتحدة تبدو غير راغبة في املشــاركة مبغامرة إســرائيلي­ة وخيمة العواقب. فهي تفضل متابعة خيارها احلالي القائم على شن حرب ناعمة على إيران وحلفائها قوامها احلصار والعقوبات االقتصادية، ودعم تنظيمات إســالموية متطرفة، أو أخرى إثنية معادية لألنظمة السياسية في بالدها. وعليه، ستدفع هــذه التحديات املتصاعدة في الداخــل نتنياهو إلى إعطاء األفضليــة ملعاجلتها، واالكتفاء مرحليا مبســاندة الواليات املتحدة في حربها الناعمة املتصاعدة ضد إيران وحليفاتها. هذا مــا يتبدى في مشــهدية الصراع داخل «إســرائيل» في الوقت احلاضر.

القيادة القدمية - اجلديدة برئاسة نتنياهو تضّم حزبًا صهيونيًا دينيًا برأسني، كالهما يتفاخر علنا بإصراره على تنفيذ مطالب عنصرية فاقعة ليس أقلها ضم الضفة الغربية إلى الكيان الصهيوني

*كاتب لبناني

Newspapers in Arabic

Newspapers from United Kingdom