إلغاء «دوريات اإلرشاد» في إيران وضرورة البناء عليه
■ أعلنــت الســلطات اإليرانية، أمس األحــد، إلغاء «دوريــات اإلرشــاد» (املعروفــة فــي العالــم باســم «شــرطة األخــاق») فــي إجــراء ُيقصد منــه تخفيف وقع االحتجاجات املســتمرة منذ ثاثة شــهور والتي أشــعلتها حادثة مقتل الشابة الكردية اإليرانية مهسا أميني بعد اعتقالها من قبل اجلهة املذكورة في أيلول/ سبتمبر املاضي.
يلــف القرار األخير الغمــوض، فرغم أن اإلعان قام بــه املدعي العام اإليراني محمــد جعفر منتظري، الذي أكــد أن البرملان والقضاء ســيقومان، أيضا، مبراجعة قانــون إلزاميــة ارتــداء النســاء حلجاب الــرأس في األماكــن العامــة، فإنــه عندما ســئل عن ســبب إلغاء «شــرطة األخاق» قال إن من ألغــى تلك اجلهة األمنية هو «من أنشأها».
يشــير ســياق فرض ارتداء احلجاب علــى الطبيعة السياســية والتاريخية للمســألة، فقد أصبح ارتداؤه
إلزاميا عام ،1983 أي بعــد قيام الثورة اإليرانية بأربع ســنوات، أما «كشت إرشاد» (االســم الفارسي للهيئة امللغــاة) فقــد أنشــئت رســميا عــام ،2007 أي بعد 28 عاما من قيام الثورة، وذلك فــي عهد الرئيس اإليراني األسبق محمود أحمدي جناد.
يشير حديث املدعي العام عن عدم مسؤولية القضاء عن تشــكيل «شــرطة األخاق» ثم الــكام عن مراجعة البرملــان والقضــاء لقضيــة إلزامية ارتــداء احلجاب، إلعادة املســألة، التي أدت إلــى احتجاجات كبيرة، إلى اجلهــات القانونية والتشــريعية، بعــد أن أصبح رمزا لاعتراض على النظام السياسي اإليراني برمته.
حتــول االحتجاج علــى «دوريــات اإلرشــاد» التي يقول النظام إن دورها هو «نشــر ثقافة اللباس الائق واحلجــاب» إلــى أكثــر بكثير مــن مســألة االحتجاج علــى الهيئــة املذكورة، بحيــث انضافت إليهــا قضايا االحتجــاج السياســي، والتــي كان عــام 2009 ذروة كبيــرة فيهــا، واالقتصــادي، نتيجة تــرّدي األوضاع املعيشــية والغــاء واتهامــات الفســاد، والقومــي - الديني (كمــا هو حاصل في كردســتان إيران وكذلك في إقليم بلوشستان ومقاطعة سيستان وهي مناطق متّرد قومي تسكنها أغلبيات سّنية).
االحتجاجــات العامــة، ضمــت أطيافــا واســعة ومتنوعة من اجملتمع اإليراني، بينها شــخصيات مثل فائزة هاشمي، ابنة الرئيس األسبق علي أكبر هاشمي رفســنجاني، وفريدة مرادخاني، ابنة شــقيقة مرشد اجلمهورية، وفنانــني وممثلني ورياضيني شــهيرين، وشــملت االحتجاجات 159 مدينة في مختلف مناطق البــاد، وهــو ما أدى إلــى ضغط هائل علــى املنظومة السياسية، لم تســتطع التخفيف منه االعتقاالت التي وصلت إلى قرابة 14 ألف شخص، حسب تقارير األمم املتحدة، وال االتهامات للمشــاركني بتنفيذهم أجندات أجنبية معادية.
اعترفــت الســلطات، وللمــرة األولى، وعلى لســان العميد فــي «احلرس الثوري» أمير علــي حاجي زاده، مبقتــل أكثــر مــن 300 شــخص خــال االحتجاجات، وهــو عدد قصرته «جلنة األمن القومي» التي يرأســها وزير الداخلية، على 200 شــخص، مدخلة فيه عناصر أمــن ومدنيــني و«مســلحني انفصاليــني مشــاغبني» أمــا مصــادر حقــوق اإلنســان، فقــدرت عــدد القتلى بـــ964 متظاهرا علــى األقــل، معظمهم في سيســتان بلوشستان.
يعتبــر إلغاء «دوريــات اإلرشــاد» ومراجعة قانون إلزامية احلجاب، تطّورا مهّما، وسواء كان يؤشر على محاولة من الســلطات المتصاص الغضب الشــعبي، أو على إدراك الســلطات املعنية ألسباب هذا الغضب، وجذوره السياســية واالجتماعية واالقتصادية، فإن مــن الضــروري البناء عليــه لتطوير العقد السياســي املفترض بني النظام والشعب.