ملاذا تفشل االنتفاضات الشعبية في حتقيق أهدافها؟
■ مــن انتفاضة ســاحة تياننمــان في بكــني عام 1989 إلــى ثورات الربيع العربــي إلى جتاوز مظاهرات االحتجاجات والغضب في إيران شــهر ونصف بعد قتل األمن اإليراني مهسا أميني الشــابة الكردية في طهران في منتصف أكتوبــر املاضي، ما فجــر احتجاجات هي األخطر واألطول واألكثر انتشــارا وتهديدا للنظام منذ الثورة عــام .1979 أودت بحياة أكثر مــن 400 متظاهر ومحتج، حسب منظمة حقوق إنسان إيرانية ـ منذ مقتل 1500 شخص في 2019 ـ .2020
فجر الغضب الشــعبي وتوســع رقعة االحتجاجات الغاضبة تــردي األوضاع املعيشــية وتســلط النظام وأدواته وأولوياته املعكوسة، وأدى إلى تراجع مستوى املعيشــة وانســداد األفق أمام مايني الشباب ورفضت االحتجاجات تدخات إيران في مشروعها في املنطقة في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وتدخات في الشؤون الداخلية لدول مجلس التعاون لــدول اخلليج العربية دون حتســني مســتوى معيشــة املواطنني في مواجهة ارتفاع نســب البطالة والتضخم والغاء وانهيار قيمة الريال، ما أدى لفقدان األمل وتراكم اإلحباط الشعبي.
وكما شــهدنا في انتفاضات الربيع العربي(مصطلح إعامي نســبة لربيع بــراغ في تشيكوســلوفاكيا عام 1968 ردا على قمع القوات الســوفيتية) أفضل تسميتها انتفاضــات احلرية والكرامة والعيــش الكرمي لم تغير مبجملها ومبفردها األنظمة من جذورها وحرسه القدمي والدولــة العميقة. بــل أبقت على أركانــه الذين عادوا لتصدر املشــهد وإعادة عقارب الســاعة كمــا في مصر وتونس أو لانزالق نحــو الفوضى والصراع الداخلي، ليبيا واليمن، أو عســكرة االنتفاضة واســتدعاء قوى أجنبية من داخل وخارج املنطقة وفقدان الســيادة كما في سوريا.
وشــهدنا الفشــل في إحــداث التغيير فــي أكتوبر 2019 فــي لبنــان بعد مظاهــرات صاخبــة عمت مدنه من أقصاه إلى أقصاه، حتت شــعار «كلــن يعني كلن». وبرغم اســتقالة حكومة سعد احلريري، إال أن األوضاع االقتصادية واالجتماعية اســتمرت باالنهيــار وانهار القطاع املصرفــي في لبنــان وفقدت العملــة الوطنية (الليــرة اللبنانيــة) 09٪ من قيمتها واقتــرب لبنان من منوذج إفاس فنزويا، وحجــزت املصارف ودائع وحســابات املواطنني اللبنانيني(وحتويشــات العمر) وعمــد بعض املودعني القتحام املصارف بقوة الســاح الســترداد ودائعهم وأموالهم احملتجزة بسبب قرارات تقنني مصرف لبنان التعسفية سحب األموال بالقطارة! وذلك للعيش ولدفع تكاليف العاج! ما أدى الرتفاع عدد اللبنانيني الذين دون خط الفقر إلى 80 في املئة! واليوم يترحمون علــى األيام قبل انتفاضــة أو جتاوزا «ثورة تشرين» وشــعارها التغيير صار لألســوأ، وانتخبوا نواب «تغييريني». واختفت الطبقة الوسطى، وتوسعت ظاهرة هجرة األدمغة اجلماعية بتذاكر سفر دون عودة!
كذلــك شــهد العــراق ثــورة تشــرين ،2019 عمت االحتجاجات العاصمة بغداد ومدن ومحافظات العراق الكبرى بســبب تــردي األوضاع املاليــة واالقتصادية وارتفاع نســب البطالة والغاء واستشــراء الفســاد وتدخات إيــران، وطالب احملتجــون بإقالة احلكومة العراقية وانتخابــات مبكرة والحقا جــرت انتخابات في أكتوبر 2021 ولم ينتخب رئيس جمهورية وتشــكل حكومة جديــدة إال بعد أكثر من عام علــى االنتخابات البرملانية بانتخاب البرملان الرئيس الكردي عبداللطيف رشــيد الذي كلف محمد شــياع الســوداني في أكتوبر املاضي بتشــكيل حكومة جديدة. وذلــك بعد مواجهات واســتقالة كتلــة الصــدر األكبــر في مجلــس النواب
واعتصام نوابه في البرملان والنظام املنقسم. لكن امللفت هو ارتفــاع عدد القتلى الذين جتــاوز عددهم057 قتيا و71 ألف جريح، وألول مــرة يصرخ احملتجون مرددين «بغــداد حرة-حرة وإيــران بره بره»! وحــرق العلم اإليراني والقنصلية اإليرانية في النجف وصور قاســم سليماني.
ونشــهد توســع رقعة االحتجاجات في الصني، في أســبوعها الثاني رفضا لإلجراءات املتشددة باإلغاق واحلجر الصارم ملنع تفشــي فيروس كورونا الذي عاد ليتفشــى بقوة في عدة مــدن صينية بينهــا العاصمة بيجينغ ومدن رئيســية شــنغهاي وغوانغزو، بسبب الغضب من سياســة نظام احلزب الشــيوعي احلاكم، صفر كوفيد الصارمة، وصلــت ملواجهات واصطدام مع قوى األمن وحتى مطالبات بإصاحات سياســية، وفي سابقة املطالبة بتنحي الزعيم الصيني تشي جني بينغ.
لكــن الســؤال: ملــاذا تفشــل تلــك االنتفاضــات واالحتجاجــات في فــرض األمر الواقــع والنجاح في حتقيــق التغيير التــي قامت من أجلهــا والتفت حولها اجلماهير التي حركها أمل التغيير لتحبط وتعود الدول التي ثاروا عليها بل وبوضع أكثر قدرة على التعامل مع االحتجاجات.
أثبتت دراســات علمية أن فرص جناح االحتجاجات الشــعبية ضد أنظمة غيــر دميقراطية ضئيلة بســبب سياســة القمع وتوظيــف الرقابة والتنصــت وأجهزة الرصد وإحباط قدرة احملتجــني بالترهيب واالختراق والتفريق. كما تنجح األنظمة األوتوقراطية الشــمولية باإلبقاء على متاســك الطبقة احلاكمة ما مينع إضعافها. كما في حالــة الصني بخبرتها في احتواء االحتجاجات، جلــأت لتخفيف إجــراءات قيــود اإلغــاق واحلجر املتشددة!
أشــارت الدراســة كذلك، أنــه منــذ العشــرية األولى للقــرن احلادي والعشــرين زادت وتيــرة االحتجاجات، لكن رافــق ذلك تراجع نســب جناحها كما فــي الربيع العربي. وفي نهاية العشــرية األولى تراجعت نســب جنــاح االنتفاضات لواحــدة من ثاثة. أمــا مع مطلع األلفية الثانية في القرن احلادي والعشــرين تراجعت نســب النجاح إلى واحدة من ســت انتفاضات. بسبب فقدان القيادات والقدرة علــى التغيير، وقدرة األنظمة على مواجهتها بإجراءات اختراق ونشــر أخبار مفبركة واعتقــال قياداتهــا. كما متلــك خاصة الصــني قدرات تكنولوجية متطورة للرصــد والتنصت وحتى تصدير تلك التكنولوجيا لدول حول العالم.
وتشير الدراسة أن األنظمة التي وصلت إلى السلطة عن طريق الثورات تعمر ملدة طويلة وتكتسب خبرة في التعامل مع التحديات والتهديدات كالثورة البلشــفية فــي االحتاد الســوفيتي من 1917 إلــى ،1991 والثورة الصينية 1949 والثورة اإليرانية .1979
فــي احملصلــة النهائية كما فــي انتفاضــات الربيع العربي الدامية، فــي لبنان والعــراق وإيران والصني فشلت ولم تنجح أي من الثورات واالنتفاضات الشعبية بســبب الثورات املضادة واإلجراءات األمنية والقبضة احلديدية، من حتقيق أهدافها املأمولة بتحسني وتغيير الواقع الصعب. وتبقى النتائــج إما بقاء الوضع القائم الســتتيكو، أو مزيــد من تــردي األوضاع املعيشــية للمواطنني احملبطني، ما يولد انتفاضات.